الاثنين، 31 أغسطس 2020

العلاقة مع الله تعالى : الفناء والبقاء واللقاء

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العلاقة مع الله تعالى

 

احتاج الأمر لمسيح موعود جرب بنفسه السبيل ودلل بنجاحه في سيره أنه ولي الله الصادق فلا يكذب أبدا عليه السلام  

شرح العلاقة ملخصة في تفسير الفاتحة في البراهين الأحمدية ص 370 – 449

 

ولكن لتقريب الصورة ننقل ما جاء في شرح اهدنا الصراط المستقيم

لأن العلاقة مع الله تعالى هي الصراط

 

 في نقاط المعرفة أكمل الحديث عن تفسير الصراط فكتب:

نقطة المعرفة الخامسةُ في سورة الفاتحة

 هي أنها تحتوي على تعليم أتم وأكمل هو ضروري لطالب الحق، وهي دستور العمل الكاملُ للترقي في القرب والمعرفة .

الفناء

لأن الترقي في القرب يبدأ من نقطة انطلاق يقبل فيها السالك موتا ويجيز لنفسه كل مشقة ومجاهدة ويتخلى خالصا لوجه الله عن أهواء النفس كلها التي تُباعد بينه وبين مولاه الكريم، وتصرف وجهه عن الله وتوجهه إلى ملذات النفس وأهوائها وجذباتها وعاداتها وأفكارها وإراداتها وإلى المخلوقات، وتورِّطه في مخاوفها وأطماعها.

 

 

البقاء

والدرجة الوسطى للترقيات هي أن يبدو للسالك ما يتحمله من أصناف المشقة في المرحلة الابتدائية في سبيل قتل النفس الأمارة وما يتجشم من ألوان المعاناة والآلام تاركا الحالة المعتادة بصورة الإنعام. وأن تتحول المشقة إلى المتعة، والحزنُ إلى الراحة، والضيقُ إلى الانشراح والبشاشة.

اللقاء

 

والدرجة العليا من الترقيات هي أن يُنشئ السالك انسجاما وتوافقا وحبا ووحدة بينه وبين مشيئة الله تعالى وإراداته حتى تتلاشى عينُ نفسه وتأثيرها كله، وأن يعكس في وجوده الشبيهِ بالمرآة ذات الله وصفاته دون أدنى شائبة من الظلمة ودون وهْم الحلول، وأن ينعكس بكل جلاء ذاتُ الله وصفاته في مرآة الفناء الأتم الذي باعَد بين السالك وأهوائه النفسانية بُعد المشرقين.

ليست في هذا البيان كلمة تؤيد أفكارا باطلة لأصحاب مذهب وحدة الوجود وأتباع الفيدات لأنهم لم يعرفوا الفرق الأبدي بين الخالق والمخلوق، فوقعوا في مغالطات شديدة -نتيجة مخادعات الكشوف المشكوك فيها التي تطل برأسها في حالة السلوك الناقص أغلب الأحيان، أو تكون نتيجة المجاهدات الباعثة على الجنون- أو أهمل أحدٌ في حالة السكر والنشوة التي هي نوع من الجنون الفرقَ بين روح الله وروح الإنسان من حيث القوى والقدرات والكمالات وأنواع القدسية. وإلا فمن الواضح أن القادر القدير الذي لا يخفى عن علمه الأزلي ذرة ولا يمكن أن يُنسب إليه نقصان أو خسارة، وهو منـزَّه عن الجهل والشوائب والضعف والهمِّ والحزن والألم والمعاناة والاعتقال؛ أنّى له أن يكون عين كيانٍ معرّض لكل هذه الآفات؟ هل للإنسان الذي يتوقع لتقدمه الروحاني ظروفا وحالات لا نهاية لها أن يماثل أو يكون عينَ ذات كامل لا ينتظر أية حالات ولا ظروف؟ أو هل لكيان فانٍ تشمل روحه نقائص صريحة لكونها مخلوقة أن يساوي -مع كافة شوائبه ونقاط ضعفه وعدم طهارته وعيوبه ونقائصه- ذاتًا جليل الصفات الذي هو الأتم والأكمل من الأزل والأبد من حيث ميزاته وصفاته المقدسة؟ سبحانه وتعالى عما يصفون.

 

عن اللقاء

ما أقصده من الترقي من النوع الثالث هو أن السالك يفنى ويهلك نفسه في حب الله تعالى حتى يقترب منه ذلك الذاتُ الذي لا مثيل له ولا نظير بجميع صفاته فتغلب تجليات الألوهية أهواءه النفسانية وتجذبه إلى نفسها حتى تتولد بينه وبين أهوائه النفسانية بل بينه وبين كل من كان تابعا لأهوائه عداوةٌ ومغايرةٌ تامة.

فرق اللقاء قسم ثالث  والبقاء قسم ثان

والفرقُ بين هذا القسم والقسم الثاني للارتقاء هو أنه رغم حصول التوفيق التام في القسم الثاني بين رضا الربّ تعالى ورضا السالك بحيث يبدو له إيلامه كإنعام، إلا أن العلاقة بالله لم تبلغ درجة تؤدي إلى نشوء عداوة ذاتية بينه وبين غير الله، ولا يبقى حب الله مقصد مهجته فقط بل يصبح فطرة القلب أيضا.

فباختصار، في القسم الثاني من الارتقاء يكون هدف السالك هو الموافقة التامة مع الله والعداوةُ مع غيره، ففي نيله هذا الهدف تكمن متعته. أما في القسم الثالث من الارتقاء فتصبح الموافقة التامة مع الله تعالى والعداوة مع غيره فطرة السالك التي لا يمكنه الانفصال عنها بحال من الأحوال، لأن انفكاك الشيء عن نفسه محال، وذلك بخلاف القسم الثاني إذ يمكن فيه هذا الانفكاك. وما لم تبلغ ولاية وليّ إلى القسم الثالث تبقى مؤقتة وليست في مأمن من الأخطار. والسبب في ذلك أنه ما لم يكن حب الله تعالى  وعداوة غيره جزءا من فطرة الإنسان لا يتجزأ يبقى فيه عرق من الظلم لأنه لم يؤد حق الربوبية كما هو واجبٌ عليه وما زال عاجزا عن الوصول إلى مرتبة اللقاء التام. ولكن حين يصبح حب الله تعالى والموافقة معه جزءا من طبيعته لا يتجزأ حتى يصير الله أذنه التي يسمع بها وعينه التي يرى بها ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها لا تبقى فيه شائبة من الظلم ويصبح في مأمن من كل خطر. ولقد أشار الله تعالى إلى هذه الدرجة فقال: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[(الأَنعام: 83) ..

 

وليكن معلوما أن هذه الترقيات الثلاثة التي هي الأصل لكافة العلوم والمعارف ولبّ الدين ومغزاه قد ذُكرت في سورة الفاتحة بكل دقة وبرعاية الإيجاز وعلى أحسن وجه.

الفناء بتفصيل

 فالقسم الأول من التقدم الذي هو الخطوة الأولى للسير في ميادين القرب قد عُلِّمناه في الآية: ]اهدنا الصراط المستقيم[ لأن الامتناع عن كل نوع من الاعوجاج والغواية، والتوجه إلى الله تعالى بالاستقامة هي العقبة الصعبة التي سُمِّيت بتعبير آخر بالفناء لأن ترك السالك الأمورَ المألوفة والمعتاد عليها، ونبذَ الأهواء النفسانية التي تعوّد عليها طول العمر دفعة واحدة، والتخلي عن كل عزة وشرف وعُجب، والإعراضَ عن الرياء وعدَّ كل شيء سوى الله كالعدم والتوجهَ إلى الله تعالى بالاستقامة أمرٌ يساوي الموت في الحقيقة. وكما أن الحبة ما لم تدخل في التراب وما لم تتخل عن صورتها المألوفة لا يمكن أن تأتي إلى حيز الوجود حبةٌ جديدة، كذلك إن الجسد في الولادة الروحانية يتكوّن من الفناء. كلما تفنى نفس الإنسان ومشيئته وينعدم توجّهه إلى المخلوقات تتكون أعضاء ولادته الروحانية حتى عندما ينال الفناء الأتم يُعطَى خلعة الوجود الثاني ويحين وقت ]ثُمَّ أنْشَأْناه خَلْقًا آخَر[. ولأن هذا الفناء الأتم مستحيل بغير نصرة الله القادر وتوفيقه وعنايته الخاصة لذا علّمنا دعاء: ]اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيم[ أي ثبِّتنا يا ربنا على الصراط المستقيم وأنقذنا من كل اعوجاج وسلوك سيء. وإن نيل الاستقامة الكاملة والسداد الكامل الذي أُمرنا بطلبه لأمرٌ صعب جدا. وإن هجمته في المرحلة الأولى على السالك تكون كهجمة الأسد على فريسته إذ يتراءى الموت ماثلا أمام العينين. ولكن إن صمد السالك وتقبَّل هذا الموت فلا موت له أكثر قسوة منه بعد ذلك. ولكن الله تعالى أرحم من أن يلقيه في جهنم الملتهبة.

فزبدة الكلام أن الاستقامة الكاملة فناء يقضي على وجود العبد قضاء نهائيا إذ يضطر للتخلي عن أهوائه وشهواته ومشيئته وكل أنانيته دفعة واحدة. وفي هذه المرتبة من مراتب السير والسلوك تلعب مساعي الإنسان ومجاهداته دورا كبيرا لبلوغها. وإلى هذا الحد تنتهي مساعي أولياء الله تعالى وجهود السالكين. ثم يأتي دور المواهب السماوية الخاصة التي لا دخل فيها لمساعي البشر بل يُعطى السالك من الله تعالى مطية من الغيب وبراقا سماويا لمشاهدة العجائب السماوية.

 

البقاء بتفصيل

والارتقاء الثاني الذي هو الخطوة الثانية للسلوك في ميادين القرب قد عُلّم في الآية: ]صراط الذين أنعمت عليهم[. فليكن معلوما هنا أن المنعَم عليهم الذين ينالون من الله نِعما ظاهرية وباطنية لا يخلون من مواجهة الشدائد بل يصابون في دار الابتلاء هذه من الصعاب والشدائد ما لو أصاب قوما آخرين لضاع إيمانهم. ولكنهم سُمُّوا المنعَم عليهم لأنهم يرون الإيلام إنعاما بسبب غلبة الحب. ويستمتعون بسبب نشوة العشق بكل ما يصيبهم من حبيبهم الحقيقي سواء أكان ألما أم راحة. فهذا هو النوع الثاني للارتقاء في مراتب القرب الذي يستمتع فيه الإنسان بجميع تصرفات الحبيب، وكل ما يأتي منه يبدو له إنعاما فقط. والسبب الحقيقي وراء هذه الحالة هو الحب الكامل والعلاقة الصادقة مع الحبيب. وهذه موهبة خاصة لا دخل فيها لسعي السالك أو جهده بل هي من الله تعالى فقط. فيتخذ السالك صبغة أخرى بعدها وتزول كل الأعباء من فوق رأسه ويرى كل إيلام إنعاما دون أن يشكو من شيء قط. توحي هذه الحالة وكأن الإنسان أُحيي فيها بعد الموت لأنه يخرج من كل أنواع المرارة التي واجهها في الدرجة الأولى وكانت تنذر بالموت في كل حين وآن. أما في هذه الحالة فينال الإنعامات من كل حدب وصوب. فمن هذا المنطلق كان من الأنسب لهذه الحالة أن يُسمّى السالك منعَما عليه. إن هذه الحالة تُسمى البقاء بتعبير آخر لأن السالك في هذه الحالة يجد نفسه وكأنه كان ميتا من قبل وأُحيي الآن. ويشعر في نفسه البحبوحة وانشراح الصدر إلى حد كبير وتزول عنه كل أنواع الانقباض البشري، وتتراءى أنوار الألوهية -التي تربِّيه- نازلة عليه كنعمة. وفي هذه المرتبة تُفتح على السالك أبواب كل نعمة، وتتوجه إليه أفضال الله تعالى الكاملة. هذه المرتبة تسمَّى السير في الله، لأن باب عجائب الربوبية تُفتح على السالك في هذه المرتبة. ويُعطى فرصة ليرى بأم عينيه نِعما ربانية تكون خافية على الآخرين، ويحظى بالكشوف الصادقة ويُشرَّف بمخاطبات الله تعالى، ويُطلَع على أسرار دقيقة من العالم الثاني، ويُعطى نصيبا وفيرا من العلوم والمعارف. باختصار، يُعطى قدرا كبيرا من النعم الظاهرية والباطنية، حتى يصل إلى درجة اليقين الكامل وكأنه يرى الله تعالى، المدبِّرَ الحقيقيَ، بأم عينه. فهذا النوع من الإطلاع، الذي يُطلَع فيه السالك على الأسرار السماوية، يُسمَّى السير في الله. وهذه مرتبة يوهب فيها الإنسان حبّ الله ولكن لا يُرسَّخ فيه بطريقة طبيعية، بمعنى أنه لا يُجعل جزءا لا يتجزأ من فطرته غير أنه يكون محفوظا فيها.

 

اللقاء بتفصيل

والنوع الثالث للارتقاء الذي يمثل الخطوة الأخيرة للسير في ميادين القرب قد علِّم في الآية: ]غير المغضوب عليهم ولا الضالين[. ففي هذه المرتبة يصبح حب الله تعالى وعداوة غيره جزءا لا يتجزأ من فطرة المرء، وتترسخ فيه كطبيعة. وإن صاحب هذه المرتبة يحب الأخلاق الإلهية بطبيعته كما هي محببَّة عند الله تعالى. ويترسخ حب الله تعالى في قلبه بحيث يستحيل انفكاكه من قبله. ولو ابتُلي واعتُصر قلبه وروحه بصدمات الامتحانات والابتلاءات العظيمة لما خرج منهما شيء إلا حب الله تعالى . فهو في ألمه يتلذذ في سبيله ويعدّه وحده مدعاة لراحته الحقيقية. ففي هذا المقام تنتهي جميع أنواع الترقيات في مجال القرب، ويبلغ الإنسان منتهى كماله المقدر لفطرة البشر.

فهذه هي نقاط المعرفة الخمس التي كتبتُها غيضا من فيض، غير أن في هذه السورة من العجائب المعنوية وغيرها من الحقائق والمعارف ما لو كُتب عشر معشارها لاحتجنا لكتاب ضخم.

 

أما الخواص الروحانية التي توجد في هذه السورة فهي محيرة للعقول حتى يضطر طالب الحق للاعتراف بالنظر إليها أنها كلام الله القادر القدير فعلا.

فمن جملة تلك الخواص السَنيّة خاصةٌ روحانية في سورة الفاتحة؛ وهي أن قراءتها في الصلوات بخشوع القلب وترسيخ تعليمها في القلب إيقانا بصدقها فعلا، له دور كبير في تنوير القلوب.. أي أن ذلك يؤدي إلى انشراح الصدر وإزالة ظلمة النفس ونزول فيوض مبدأ الفيوض على الإنسان، ويؤدي إلى أن تحيط به أنوار القبول في حضرة الله، فيظل يتقدم في هذ المجال حتى يتشرّف بمخاطبات الله تعالى على الوجه التام ويحظى بالكشوف الصادقة والإلهامات الواضحة، ويدخل في المقربين إلى الله تعالى، وتظهر على يده عجائب الإلقاء الغيبي، والكلام الذي لا ريب فيه، وعجائب استجابة الأدعية وكشف الغيوب وتأييد قاضي الحاجات بما لا نظير له في غيره.

وعن المعاندين للصراط

 

في شرحه يقول عليه السلام عنهم:

 

والحقيقة الثامنة والتاسعة والعاشرة المذكورة في سورة الفاتحة هي: ]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[ ومعناها أن أرِنا يا ربنا صراط هؤلاء السالكين الذين اختاروا طرقا كانت مدعاة لنزول إنعامك عليهم، وجنّبنا طرق الذين لم يحاولوا السير على الطريق المستقيم غفلة وإهمالا منهم، فحرموا من تأييدك وضلوا الطريق. هذه هي الحقائق الثلاث التي تفصيلها أن بني آدم ثلاثة أقسام من حيث أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم ونياتهم. بعضهم يبحثون عن الله بصدق القلب ويرجعون إليه بصدق وتواضع. فالله تعالى أيضا يبحث عنهم ويتوب عليهم برحمة وإنعام. هذه الحالة تسمَّى إنعاما من الله، وقد أشار الله تعالى إليها في الآية المذكورة فقال: ]صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ[ أيْ أنهم يسلكون طريقا سويًّا وسديدا وبالتالي يستحقون فيض رحمة الله. ولأنه لا يبقى بينهم وبين الله حجاب ويكونون بمحاذاة رحمة الله فتنـزل عليهم أنوار فيض الله تعالى .

 

والقسم الثاني منهم أولئك الذين يختارون طريق المعارضة قصدا ويُعرضون عن الله كالأعداء، فيُعرض الله عنهم، ولا يتوب عليهم برحمة. والسبب في ذلك أن العداوة والبراءة والغضب والغيظ وعدم الرضا الكامن في قلوبهم تجاه الله تعالى يصير حجابا بينهم وبين الله سبحانه وتعالى . هذه الحالة تسمَّى غضب الله الذي أشار إليه في: ]غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ[.

 

والقسم الثالث هم أولئك الذين يهملون الله ولا يتحرونه بالسعي والجهد، فيُهملهم الله تعالى  ولا يُريهم طريقه لأنهم يتكاسلون في طلب الصراط ولا يجعلون أنفسهم مستحقين لفيض قُدّر في قانون الله منذ القِدم للساعين والمجتهدين. هذه الحالة تسمَّى إضلال الله بمعنى أنهم ما داموا لم يتحروا طرق نيل الهداية بجهدهم فإن الله تعالى لم يهدهم التزاما بقانونه القديم وحرمهم من تأييده. فيقول تعالى مشيرا إلى هذا الأمر: ]وَلا الضَّالِّينَ[.

 

تتلخص هذه الحقائق الثلاثة أنه كما يعامل الإنسان الله تعالى بثلاثة أساليب مختلفة كذلك يعاملهم تعالى  أيضا معاملة مختلفة كُلّا بحسب حالته

. والذين يرضون به ويطلبونه بالحب وإخلاص القلب يرضى الله بهم، وينـزّل عليهم أنوار رضاه.

 

أما الذين يُعرضون عن الله ويتعمدون المعارضة فيعاملهم الله تعالى كالمعارض.

 

 والذين يتكاسلون ويتهاونون في طلبه سبحانه وتعالى  فإن الله أيضا يهملهم، ويتركهم في ضلالهم يعمهون. فكما أن الإنسان يرى في المرآة صورته الحقيقية تماما كذلك إن الله الذي هو نقيّ من كل تكدُّر وقدوس يحب الذين يحبونه ويغضب على الذين يستحقون الغضب ويهمل المهملين، ويقطع صلته بالذين يتوقفون، ويتوب على الذين يتوبون، ويحب الذين يحبون، وينفر من الذين ينفرون.

 

 فكما أن الهيئة التي تتخذونها أمام المرآة ترونها بالضبط فيها كذلك يلاحظ المرء من قِبل الله تعالى  الأسلوب الذي يختاره للسير تجاهه تعالى . كذلك الذي يختاره العبد لنفسه يحصد بحسبما يزرع.

 

 عندما يخلِّص الإنسان قلبه من كل نوع من الحُجُب والكُدورات والشوائب، ويتطهّر صدرُه من المواد الرديئة كلها ومن كل ما سوى الله تعالى يكون مثَله كمثل الذي يفتح باب بيته أمام الشمس فتدخله أشعتها ولكن كلما اختار لنفسه الكذب والزور وأنواع الشوائب ونبذ الله تعالى مستحقرا إياه كان مثَله كمثل الذي ينفر من الضوء ويغلق جميع أبواب بيته لعدم إعجابه بالضوء لكي لا تدخله أشعة الشمس.

 

وإن لم يسْعَ الإنسان للتخلص من هذه الأخطاء والشوائب المتنوعة نتيجة التهاون والتكاسل وعدم المبالاة بعد تورطه في الأهواء النفسانية بسبب شرفه ومكانته أو نتيجة تقليده قومَه كان مَثله كمثل الذي يجد أبواب بيته مغلقة ويرى البيت كله مظلما ومع ذلك لا يفتح أبوابه ويجلس عاطلا دون أن يحرك ساكنا ويقول في نفسه أنّى لي أن أنهض في هذا الوقت وأتحمل هذا العناء كله.

 

إن هذه الأمثلة الثلاثة تنطبق على الحالات التي تنشأ نتيجة فعل الإنسان أو كسله. والحالة الأولى منها تسمَّى إنعام الله بحسب التصريح السابق، والحالة الثانية تسمَّى غضب الله والحالة الثالثة تسمَّى إضلال الله.

 

ويجهل معارضونا هذه الحقائق الثلاث أيضا لأن أتباع برهمو سماج ليسوا مطلعين قط على الحقيقة التي بسببها يعامل الله المتمردين وأهل الغضب من العباد معاملة الغضب.

 

فقد ألّف أحد من أتباع برهمو سماج مؤخرا كتيِّبا بهذا الموضوع اعترض فيه على كتب الله وقال: كيف نُسبت فيها صفة الغضب إلى الله سبحانه وتعالى ؟ هل يستاء الله تعالى من ضعفنا؟ فالمعلوم أنه لو كان هذا المؤلف ملمًّا بهذه الحقيقة لما هدر وقته في نشر كتيِّب افتضح بسببه جهله على الناس جميعا.

 

 إذ لم يفهم مع ادّعائه العقل أن غضب الله تعالى  يعكس حالة الإنسان.

 فإذا حجب الإنسان نتيجة شرٍّ وعداوة وأعرض عن الله فهل يستحق أن ينـزل عليه فيضُ الرحمة نفسه الذي ينـزل على الصادقين والمحبين المخلصين؟ كلا، بل إن قانون الله القديم الجاري منذ الأزل الذي جرّبه المتقون والصادقون دائما ولا يزالون يجربون حقائقه نفسها بتجارب صحيحة هو:

 

 أن الذي يخرج من حجب مظلمة ويتوجه بروحه إلى الله تعالى ويخرّ على عتباته، ينـزل عليه فيض رحمة الله الخاصة.

 

 أما الذي يختار طريقا مخالفا لهذا الطريق يحل به حتما ما كان ضد رحمة الله أيْ غضب الله تعالى .

 

 وحقيقة الغضب هي أنه كلما ترك أحد الصراط المستقيم الذي هو طريق إفاضة رحمة الله بحسب قانونه سبحانه وتعالى  حُرم من فيض الرحمة. وإن هذا الحرمان يسمَّى غضب الله.

 

 ولأن حياة الإنسان وأمنه وراحته إنما هي نتيجة فيض من الله، لذا فإن الذين يتركون طريق فيض رحمة الله تعالى يواجهون أنواع العذاب، إما في هذا العالم أو العالم الثاني لأن الذي لا تحالفه رحمة الله لا بد أن تتوجه إليه أصناف العذاب الروحي والجسدي.

 

 ولما كان المبدأ المتّبع في قانون الله أن الرحمة الخاصة إنما تحالف الذين يختارون طريق الرحمة أي الدعاءَ والتوحيد؛ فالذين يتركون هذا الطريق يواجهون ألوان الآفات. هذا ما أشار الله إليه في قوله: ]قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ[(الفرقان: 78) وقال أيضا: ]فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[(آل عمران: 98) أيْ إن لم تدعوا الله تعالى  ولم تطلبوا من الله فيضه فإن الله تعالى ليس بحاجة إلى حياة أحد أو وجوده فإنه غني عن العالمين.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق