الأحد، 14 سبتمبر 2014

الجنون حبا


بسم الله الرحمن الرحيم

(  من التأمل في كتاب فلسفة تعاليم الإسلام.. )

ياكبار السن البالغين اشرحوا هذه الرسالة لفلذات الأكباد لصغار السن، وقولوا لهم أنْ:

ياصبيان العالم اتحدوا واستقلوا وتحرروا لله ربكم وقولوا: ربنا الله .. وخذوا كتاب الله في النفس والكون والقرآن بقوة الجدية وعمق استقبال المعنى-- والله حي ينظر إليكم، فتطلعوا بهمة لمرحلة التجاوب مع ربكم بصدق مطلق وتفان مستميت. .

اكتبوا ببراءة رسالة حب لربنا.. واكتبوا بحب ربكم للأرض تاريخا جديدا.. هيا نمضي مع مسيح الهداية وكفى مسيح الضلالة مامضى. .

الحب الذي سينبت سيكون هو الحب الحقيقي لربكم وسيكون زادكم وعيشكم، والحب السديد المتجه لمحله فيه سعدكم .. وبحروفه تكتبون اﻷدب اﻷرقى الذي تتشوق له فطرة الوجود. .

منذ الصغر:
منذ الصغر تجذب الدنيا نفوسنا بما فيها من لذيذ وما تعد به من لذيذ وما تلوح به وتعرض -  بصرف النظر عن ملكيتها له أو عدمها، ولاتلتفت النفس الأمارة إلى سماح الله به من عدمه..
ولطالما يخطط لنا اﻷهل خطة نمو وتعليم وترقية وتدريب ويعدون باللذة والراحة لو صبرنا ومضينا حسب الخطة.

والله يقدم نفسه خلال تلك النشأة، ونسمع أن لنا ربا خلقنا وخلق أهلنا والدنيا كلها، ونعرف أن له تعليمات وتنمية وتربية،  وهو يعد بنعم ونعيم لو وعينا مايقول، ولو استقبلنا رسالته بقوة ومضينا حسب خطته أفلحنا ونجحنا..

لقد طالب الله ابن زكريا، يحيى الذي كان صبيا، طالبه بقوة تناول الكتاب.. وقص الله في القرآن أنه طلب من الصبي أن يقرأ برجولة: ليعرف مايقال في الكتاب ثم يصدقه بكل قوة وثقة ويقين واطمئنان ورضا ونبل وشجاعة وذكاء،  واستقامة حزم وصرامة تقدير للقائل، وعزيمة مؤمنة أن الله ﻻ ينتفع من البشر ونحن الكسبانون على طول الخط. .

ونعلم جميعا أن الله ربنا خلق أشياء بديعة، ولكن يفوتنا أن الدنيا كلها لهو ولعب، وخطة الله استخدامها ﻻ الوقوع في أسرها، وهي حجاب جماله.. تعرّفنا فقط به تعالى، وبعدها ننصرف عنها لتتــــــــفرغ وجهتنا لوجهه، فهو سبحانه أبقى وهو أعظم منها ... ولكننا نشرد ونبعد ونوغل في البعد حتى تصير العودة إلى اﻻلتفات واﻹعجاب بجمال الله أمرا كالخيال. ..

والصالحون منذ الصغر يربيهم الله على جدية حبه وصداقته: كقادر ينفع ويحمي، ويجلب للصديق ما يلذ له ويعد باللذيذ ويفي. .

الفطرة
صاغ الله الفطرة البشرية على صور مغناطيس حب يبحث عن حديده، فلو وجده بقربه جذبه أو انجذب هو إليه. .
والله تعالى يخلق ويجعل الجمال طلاء لكل مايخلق، وهذا الطلاء  من مادة زائلة لكنها فقط للنطق بجمال ربها وتتبرأ من كل استخدام مغاير، وتتغيظ على من ينصرف بسببها عن ربها..
الفطرة مكونة من مادة حب خام أعمى قابلة للتشكيل، وتلتمس حبيبا لها مما يحلو حولها. ولكن عندما ننطق ونعقل ينادينا الحب الحقيقي، فمن العار أن ﻻ نفحص نداءه سبحانه بكل طاقاتنا. .

أم المرء أول محبوب له يأله إليها ويبكي لبعدها ويسرّ ويطمئن لقربها، ويحارب بها وبحضورها أخطار العالم وتهديداته، وجمالها نابع من منفعتها وصدق حمايتها ﻻ من شكل وﻻ من لون، والله تعالى جعل اﻷم مثلا عليه للتقريب، ولكنه قال أنه ليس كمثله شيء.. ونداء الله دائم كأنه يقول:
اﻷم والوالد وكل العالم خادمك أيها الصبي من طرفي وأنا الرب الحنون الحق، وكل حنان فمن حناني، وكل لذة فمن صنع يدي..

ولكن الصبي الغر يذهل ربما حتى تمر مدد طويلة ويفيق ربما على مصيبة فيذكر ربه،  وليته حين ينقذه ﻻ يعود للغيبوبة. .

التحرر من فتنة روعة الإتقان
إذا كان ماخلقه الله تعالى يجعل الناس يروحون في غيبوبة من شدة جمال المخلوق، ويجنون به ويذهبون في داهية من أجل الحصول عليه تاركين التشبث بالخالق ذاهلين،  إذن فلنفكر: ما بالنا إذن بالجمال عند ذات الله؟  وكم هي روعة الخالق ذاته؟ إن الرجال حق الرجال أصروا على الذهاب إلى منابع النيل النقية ولم يقعدوا عند المصب بما فيه.

واجبنا الحياء من الله سبحانه:
ﻻ يتناسب التصرف البشري وليس عقليا، واللهو عن الله انبهارا بالدنيا طغيان في الميزان وقد نهينا عنه، فاﻷجمل هو من خلقنا وهو أولى بالحرص عليه..
الله أجمل مما خلق وأولى بالالتفات واﻻحتضان . .
والذين آمنوا أشد حبا لربهم الحق الذي هو الله فعلا ..
ومن يتعامل مع الله بما ﻻ يليق فليس من في قلبه هو الله نفسه: الله الحق الذي يعرف نفسه جميلا آسرا شاغلا للبال سابق الرحمة.. وجديرا بالحب واﻻستسلام لكلامه وملائكته وذكره، وتمليكه طوعا ملكا محبويا يهيمن على كامل المكان. .
سبحان الله الذي خلق خلقا بلغ من إبداعه أن الناس يفقدون عقولهم من حسنه وإتقانه ودقته ورهافته وروعة تنسيقه وخواصه، ومن متانة صنعه وأناقة هيئته يقعون مأسورين يكادون يسجدون له بسبب جاذبيته..
الله أجمل كائن وهو المذهل الحسن ومحبوب أساطين البحث عن الجمال والحب.. وهم قمم نبلاء البشر..
والجمال غاية الروح ﻷن منه لذاتها. والحب والفناء في الحب هو غاية السعي فينا .. وهو لب لباب مافطرنا عليه

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق