الخميس، 4 سبتمبر 2014

كيفية الحج المقبول عند الله باتخاذ روح الحج لاباتخاذ جسم الحج ميتا لاروح فيه .. وهذه هي المقالة الناقصة عن الحج للحجاج الحقيقيين


بسم الله الرحمن الرحيم   

اقرأ هذا المقال قبل أن تحج

لتعرف حول ماذا تطوف ولكي يقبل حجك

البيت

ذاكر هذا المقال واستقبل القبلة وصل لله بالمعاني الموجودة فيه، خاصة خلال الأشهر الحرم، وحالما ترتدي لبس الإحرام ففكر بعمق أن المحرم كعبة متحركة، وأنه مصدر أمان، وعندما ترى الكعبة الشريفة فلك دعوة مجابة، وتذكر معاني هذا المقال عند الطواف والسعي وعدم المزاحمة فيهما، وتذكره عند الصلاة والاعتكاف في البيت الحرام، وتذكره في عرفات وفي انحدارك من عرفات نحو المزدلفة فمنى.   

نحن نطوف حول قيم لاحول حجر، والمشايخ المدعون للسلفية اليوم يهدمون قيم البيت الحرام، ولذا وجب تنحيتهم عن الوعظ، خاصة في موسم الحج والأشهر الحرم. فهم مثيروا الفتن وبعيدون كل البعد عن عبرة الحج ورمز للنسك، النسك الذي معناه ذبح النفس الأمارة، وتقديم سعي الحياة ذبيحة لله،  وتفانيا لإشاعة السلام للناس.

 الصلاة والنسك أخوان في القرآن، وهما لله، وتعنيان أن الحياة كلها كصقفة شاملة توهب لله تعالى، والله أمرنا أن نكرم الحياة، وأحل لنا الدماء التي نأكل منها ما يدعم الحياة الإنسانية، فقد سخر الله بقية أنواع الحياة لحياة ابن آدم.

في الصلاة نتوجه لبيت الله أو للكعبة، وهذا التوجه هو نوع من الحج الروحي بالشوق والاعتراف بالقيم العليا لبيت الله، والحج هو عناق الالتزام بالمعاني التي يرمز لها البيت.

 الحج الشرعي المفروض من شعائر الإسلام يكون مرة في العمر. وهو رحلة نحو مغفرة شاملة، حيث يرى المرء المكان الذي يتعلق به قلبه، فقلبه مودع به، وهو طول عمره يصلي نحوه ولو يستطيع صلى دائما عنده.

وهناك يلبي النداء نحو نحر نفسه في ساحة البيت، وسيلان دمه الذي يجري بخواطر السوء، وتوزيع لحمه الطيب على الخلق ينمو به جسمهم، ويجدون طاقة لعبادة ربهم، والنحر في الحقيقة رمز لنحر النفس الأمارة، وعقد النية على الأمن والتأمين والإيمان، وتوقيع عقد مربح يختص بحسن المواطنة، وبه تغفر الذنوب كلها.

 الهدي رمز لهدية يهديها المرء للبيت، والهدي رمز للنفس التي يبذلها المرء تلبية لأمر الله وهو معنى لبيك اللهم لبيك، فالتلبية تنتهي عندما يبدأ النحر ويبدأ بعدها حمد الله وذكر أسمائه.

إن سَفر الحج مُجهِد ومُكلّف، فلا يليق تضييعه أو تناوله بإهمال، ولا بد من جني ثمنه بعقد العزم على تنفيذ الجانب المتعلق بنا من التعهد، وبذلك يكون الحج مبرورا. 

نزور الكعبة مرة في حياتنا فرضاً لو استطعنا، مرة في العمر نزور الكعبة (كعبة القصّاد)، فالمفروض فينا نحن الذين نشتاق لها طول العمر أن نفكر في معناها وفي مغزاها، فماهو المغزى والمعنى؟ وما قصة البيت بشكل عام؟

البيت رمز للقلب الأموي الواسع، والقلب الإنساني في أصل فطرته قلب غير متعصب وميوله متحضرة مسالمة، وهذه النقطة هي سر الأمر كله،  وكل منا يعتبر طفل الوجود. فالإنسان يأتي إلى الكون من خلال رحم التكوين الشامل، ويأتي باكيا لأنه يندهش بالمفاجأة ولا يعلم ما حوله ولا ماذا يحدث، كل ماحوله رحم: فالله خلق له أمه وأجرى في صدرها اللبن وغرس في قلبها الحنان، وصنع بسمة الآخرين له، وكل العالم يأخذ في مساعدة الطفل حتى ينمو، ويتربى كل منا بهذا الفضل الرباني الذي اسمه (البيت).

سمى الله بيته هو بالبيت لاحظوا أل للتعريف أي البيت الحق

اخنتار الله للكعبة كلمة البيت، والبيت قيم تكريم وتربية، والطواف بالكعبة هو الطواف بالصفات البيتية وقيم التكريم. البيت رمز كبير وليس حجارة. كلمة البيت هي وعاء تنصب فيه الصفات العليا كالتربية والرحمة والتفاهم والنصفة. وهو وعاء الضيافة للمولود وللقادم. الضيف في البيت يستحق التكريم، ومن التكريم ألا نؤذي الأطفال أو بقية أهل البيت في حضوره،  ولايليق عند الله تعالى أن يرتفع صوت تنازع بين أصحاب البيت في وجود الضيف، فالضيف يشع حوله جوا من السكينة من أجل شريعة الإكرام تلك.

لا يجوز في الفطرة أى اعتداء على الضيف أياً كان، لأن من معانى كلمة البيت:  السلام والراحة والطمأنينة.. لقد فطر الله تعالى الأم ربة البيت على مراعاة الأمان التام لأولادها الذين نزلوا ضيوفا على بيتها. فنراها تضحى بنفسها من أجل ولدها، الذى هو فى الأصل ضيف الوجود كله. فمثلا لو كانت هناك قطع من الزجاج متكسرة نجد الأم تبحث عن ذراته لتنظف المكان منه، ولتجعل البيت آمنا لولدها (ضيف الوجود) وهذا الفعل إنما هو فطرى ومن الطبيعة الإنسانية.

إن البيوت التي نولد فيها ونربى ونكرم هي بيوت الله، وموائدها هي في الحق موائده، وقيم البيت مثل قيم أم على الفطرة، ولو نظرنا إلى امرأة عادية حتى لو كانت لا دين لها، فتجدها تكرم أولادها، فلو كان لها ولدان كل منهما فى حزب فكرى مختلف عن الآخر، فنجدها هى على الحياد بينهما، وتعطي فرصة للزمن وتغييراته، وهي تعلم أنه سرعان ما يتغير الفكر فى الأذهان عموما، وتصقله التجربة.

 وهذا الوعي والرحمة والتفهم يوجد عند كل امرأة عادية، فهي تتصرف برقي مع أنها لم تقم بدراسة فلسفية ولا غيره. إنها تطبق مبدأ: وإيتاء ذي القربى.  ألم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أبو الناس المسلمين الطيبين؟ ألم يكن جديرا بدينه تطبيق هذه المادة من قانون الأمومة الفطرى الإنسانى البحت؟؟ أفّ لكم يا منكري حقوق الناس.. أفّ لكم ولما تأفكون.

البيت هو رمز لجميع القيم المقدسة فى الإسلام، ولذلك قال الله تعالى (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) لماذا؟ لأن الله تعالى هيأ لك البيت الكونى العام، بينما والداك قد هيآ لك البيت الصغير.

 وأول البيوت فى الأرض هو بيت الأب الأول وهو(آدم)عليه السلام،  وكان هذا البيت فى مكان بيت الله الحرام، الذي بوأ الله تعالى مكانه لإبراهيم.. وكانت تلك هي أول أسرة فى الوجود. ثم تكاثرت الأسر وترك الأولاد بيت العائلة وتفرقوا في الأرض متباعدين رويدا رويدا عن أبيهم، صانعين في البدء بيوتا مجاورة، ثم تكاثروا إلى أن بنيت هنالك قرىً مجاورة.. وانتشرت الذريه (بنى آدم) إلى أن ذهبو إلى أرض بابل وكشمير وغير ذلك من بلاد الله. 

كان عليهم أن لا ينسوا بيت أبيهم الأصلى، ولذا كان عليهم أن يجعلوه قبلة لهم. وكأن آدم عليه السلام كان يقول لأولاده: اذهبوا إلى أى مكان شئتم، ولكن أرجو أن لا تنسوا هذا البيت، فهو أول رحم تكونتم فيها، وفيه كانت أول استضافة بشرية.

أبونا كان يدعوا الناس لهذا البيت بأمر من الله تعالى: وهو الذى أمره الله قائلا: (وأذن فى الناس بالحج .......) والأذان في الأصل كان شريعة لآدم قبل إبراهيم، فكان أولاد آدم أينما توجهوا فى شبه الجزيرة أو فى غيرها من الأرض يتوجهون في البداية إلى البيت الحرام فى صلواتهم،  وهذا أدى إلى الحاجة ومعرفة قيمة علوم الجغرافيا والخرائط، لتحديد موقعهم من البيت الحرام حيثما تحركوا،  حتى يجعلوه قبلة ثابتة .. وتطور الأمر بعد ذلك لتعلم مواقع النجوم واتجاهاتها، فنما علم الفلك أيضا.

 والخلاصة أن بركات التوجه إلى البيت الحرام وإلى مافيه من رمز السلام والإكرام للكائن الحي (وهو أصل ورمز ضيافة الله تعالى فى الأرض) قد أدى هذا التوجه إلى فضل الله تعالى بالتقدم العلمى، من رسم الخرائط الجغرافية، والعلاقة بين الجهات وبين النجوم فى السماء ومعرفة المشارق والمغارب وغيره.

1  المكان الحرام : الحرم حول البيت

لم يترك الله وسيلة للتوضيح والتفهيم إلا وزودنا بها، فبالإضافة لتحريم البيت كرمز لحرمتنا نحن، حرم الله حول البيت ساحة واسعة ترمز لنفس الرمز، وبهذا زاد الله البشر تفهيما، فبما أنه توجد دائما خلافات بين بنى آدم قد تؤدى إلى تقاتل، والقتال يتسبب في مظالم، فجعل الله محيط البيت منطقة حيوية محايدة، وحرما آمنا للاجيء.. (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) أى أن الله تعالى أمّن من دخل البيت ومن دخل المنطقة المحيطة به.

 فليس الأمان مقتصراً على داخل البيت وفقط، وإنما الأمان والسلام على ما حوله تبعا، ومن سكن فى جواره أيضاً فهو آمن، فلايقتصر الأمان على بنى آدم فقط، وإنما الأمن للحيوان وللنبات معه: فلا يقتل صيد الحرم ولا يقطع شجره، لأن الأمان قد عم الكائن الحي.. وهذا من فيض الرحمانية الذى هو فيض عام مختص بكل ما فيه حياة .. إن الذى أدى إلى هذا الأمان إنما هو توابع قانون كرم الضيافة.  وهنا ارتبط علم الشرع الفقهي بعلم الأحياء ( علم يتعلق بالكائن الحى والخلية الحية)، فجعل الله الأمان لأى خلية حية فى حرمه الآمن حول بيته المحرم. وهذا الجمال في حقيقته هو تكريم لله ولاسمه الرحمان.


2 الزمن الحرام: الشهر الحرام

ثم أكمل الله الجميل جميله، فشمل الجميل الزمان كما شمل المكان. لقد خص الله بيته وزوار هذا البيت بتكملة بها استدارت حلقة النعمة، وهي تعيين زمن حرام، حتى يتلاقى الزمان والمكان ويتعاونان فى صيانة الحرمة البشرية، وليكون البيت الحرام حراما من جميع الزواي.

إن الزائر لبيت الله الحرام يأتي من بلده ومن مكان بعيد،  ويعاني السفر ليلبى نداء أبي الأنبياء الذى هو فى الأصل نداء آدم عليه السلام، ولأن دين سيدنا إبراهيم ما كان إلا إحياءا لدين آدم فى الأصل،  ولذا فإن الزائر لهذا البيت إنما هو يصل رحمه الأولى، أى يلبى نداء الله وأذن إبراهيم الذى عبر من خلال العصور إلى أمم جميع الأنبياء، ويتمتع بزيارة بيت الله أو كرم الله، أو يستجيب لدعوة الضيافة التى يحملها له كلام الله الكريم، فإذا وجب على الإنسان منا صلة أهله الأقربين لوجب عليه ولو لمرة زيارة البيت الأول: بيت الجد الأول الذى كان منه ابتداء البشرية وابتداء علومها.. فنحن بزيارتنا للبيت والحرم أيضا نزور آدم، لأنه غالبا وعلى الأرجح أنه دفن هناك عليه السلام، لذلك أعلن الله تعالى في مدة السفر سلاما أو هدنة عالمية عابرة للقارات والجنسيات والأديان والألوان.

البيت الأول هذا هو أول البيوت كرما ورحمة وأولها أمانا وأكثرها احتفالاً بالضيوف، لأنه هو بيت الله، وقد أضافه الله تعالى لنفسه لأن كل مايتعلق به هو تشريع التكريم والكرم والمرحمة..  فحرم الله الزمان والمكان من أجل البيت، وقرن الله كلمة البيت باسمه حتى ينطبع فى الأذهان مادق وعمق من معاني كلمة الرحمان الكريم، ولأن الانطباعات الأولى هى الأثبت فى الأذهان، فإذا ماعلم الإنسان أن الكرم كله إنما هو أصله من الله تعالى فار قلبه بالشكران، ويحمده العبد، ويقال: الحمد لله، والرحمة والمجد كله لله الحميد المجيد.

إن رحمانية الله في تحريم البيت والحرم والشهر الحرام هي رحمانية تشريعية، يمكن للبشر تنفيذها ويمكنهم انتهاكها، ومن احترم الحرمة التي بيناها فله من الله نعيم خاص، لأنه نصر رحمانية الله تعالى وأيدها، ولذلك كان عذاب الله شديدا لمن انتهكوا حرمة مكة ممن كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوا حياة المؤمنين في البلد الحرام جحيما، واضطروهم للهجرة.

إن قاصد البيت هو قاصد بيت الكريم، بيت الله العظيم، فحق له من الله أن يكرمه، ومن ذلك أن يجعله الله يحس بالتكريم، فأعلن الله لأجل قدومه تحريم الحرب في الأرض تمهيدا لأمن الطرق لعدة أشهر، بل جعله هو نفسه حرما آمنا حين يرتدي ثوب الإحرام. 

إن من معالم التكريم أن يخصص الله تعالى أشهر الحرم لزيارته تعالى فيها، فجعل الله تعالى ذا القعدة وذا الحجة والمحرم من الأشهر الحرم، وقيل شوال هو الشهر الرابع لها وقيل أن رابعها هو شهر رجب منفردا عنها. فجعل الله تعالى هذا الزمن محرما أيضا، لتتوقف الحروب فى كل بقاع الأرض أيا كان سببها، إلا من اعتدى فيها وانتهكها. وهذا لإتمام الأمان للحاج، وشرع الله ذلك منذ بداية خلق السماوات والأرض، فهي ظاهرة عامة .. ولذلك قال الله تعالى (إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) والحاصل أن الأشهر الحُرم أوجدها الله تعالى منذ بداية الخلق ووجود آدم عليه السلام، فهذا الأمان فى الأصل إنما هو طبيعة متأصلة، وقد جعلها الله تعالى فى الكون من بدايته، وكل هذا الكرم الإلهى ليحفز الناس على زيارة بيته والتمتع بكرمه، ويعلم من يخافه أنه يحب هذا فيفعل الناس للحجاج مايحبه الله.

3 زي الإحرام وحرمة الصيد طالما نرتدي الإحرام

وقد جعل الله تعالى الإحرام مقترنا بزىّ معين، ليدل الشكل العام الخارجى على ما فى داخل الحاج من إحرام، وذلك حتى تتعامل معه الدنيا على أنه مُحرم، وحتى الحيوانات تنال منع نفعا في أمانها.. فهى آمنة من الصيد على يده، لأنه فى حالة إحرام.. وبارتدائه زى الإحرام يكون قد رفع راية السلام للحيوانات أيضا، لعلمه بأنه قد حرم الله عليه الصيد، بل وتوعد بالإنتقام ممن يتجاوز هذا الحد، ففى كتاب الله تعالى قوله (غير محلى الصيد وأنتم حُرم) ، وفى أخرى يقول سبحانه (وحرم عليكم صيد البَرّ ما دمتم حرما) ، وأيضا يقول (يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام)  وبذلك ضمن الله تعالى السلام للوجود الحيوانى أيضا فى داخل القلب البشرى، فى النية، طالما كان يرتدي ملابس الإحرام.

فمجموع المعانى المرتبطة بالبيت والحرم والأشهر الحرم هي الرحمة وشريعتها خلاف فهم مدعي السلفية الذين استنكفوا عن التوقيع على مواثيق حقوق الإنسان ونسبوا للإسلام عار إنكارها. إن الحرمات المتعلقة بالحج هى معانى الأمومة والأبوة الحقيقية، التي هي فيض رحماني من معانى الربوبية، ولأن سيدنا محمد هو آدم الأمة، وأمته هم من بنى آدم فهو آدم أيضا، أى أبو البشر، وكانت مهامه هى مهام الأب لأبنائه.

4 الحرم المدني مستنسخ من المكي في قيمه

 ولذلك لما هاجر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وكان المسلمون يومها هم عُشر سكان المدينة فقط،  فلما عاش النبى صلى الله عليه وسلم مع أهل يثرب وسمع اليهود القرآن الكريم تغير ما كان فى ذهنهم عن جهل العرب. وفوجئوا بالقصص القرآني يشابه القصص الذي عندهم، فقالوا آمنا بتأثير الصدمة الأولى. وراوا رحمته وحكمته ووجدوه أفضل وأقيم منهم فى جميع الأمور، فما لبثوا إلا ووافقوا على أن يكون لأهل المدينة رئيسا (أى أباً لسكان المدينة) وتمت المعاهدة بينهم أنهم جميعا على الظالم، واضعين أيديهم فى يد النبى صلى الله عليه وسلم، وهذه المعاهدة إنما هى معاهدة مع الأبوة، فتعاهد كل من الطرفين على أن يدفع عمن يظلم في المدينة أى ظلم حتى ولو كان من أخيه، لا فرق فى ذلك فى الدين أو فى العرق أو فى النسب، لأن الذى جمع بينهما إنما هو الوطن، والوطن هو البيت فى الحقيقة، فكأنهما يعيشان فى مسكن واحد أو بيت واحد، فلما كتب النبى ذلك الدستور ساد أمان في المجتمع الذى كان فى المدينة.  ثم أراد الله الأكرم فجزى المدينة خيرا، بأن جعلها حرما آمنا هى الأخرى، مثل حرم مكة، ومع هذا النبى الذى قام بتفعيل الأبوة الآدمية فى البشر.

 صارت المدينة مدينة تقدس حقوق الإنسان بنزول القرآن ضيفا فيها واكتمال تنزيله هناك، وجعل الله حول بيته الذي بناه هذا النبى (مسجد المدينة النبوي)  حرما آمنا مثل حرم آدم الأول، وحرم الله مدينة محمد كمدينة إبراهيم، وظلت قبلة المدينة هى مكة على حالها، لأن المدينة ما جُعلت إلا على غرار مكة وتبتغي معناها.

 وكانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وما زالت هى أول وأرقى قرية على مستوى العالم، لأنها إنما بنيت على غرار بيت الله الحرام مكة (لا أقصد المبانى المادية وإنما أقصد ما بناه النبى محمد فى المدينة من قِيَمٍ وأخلاق وطمأنينة) ، ولذا فنحن جميعا مدعوّون لأن نجعل قُرَانا حرما كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم بمدينته، فتكون قرانا مكانا للأمن ومأوى للاجيء، وتكرم الضيف. لأنه قدوة لنا جميعا فى بناء القرى وفي جميع الأمور.

لبنات الكعبة، كيف تنهدم؟

 المساجد المسلمة عموما

 التكريم والأمن وحرمة الدم والمال والعرض ليس مقتصرا على بيوت القرى، بل يشمل المساجد أيضا: بأن نجعلها مكانا لتعليم المواطنة الصالحة المسلمة المكرمة، وبذلك نجعلها بيوتا آمنة وما حولها أيضا يكون آمنا. ويحصل تطهير البيت كذلك بتهذيب النفوس التى تسكن حوله، حتى يتحول المجتمع كله إلى حرم آمن.

المسجد مكان لتصدير السلم لخارجه، مهمته أن يجدل حبال السلم بين الناس وربها، وأمانته أن ينشر أدب المواطنة الفاخرة، والتكفير وفتاوى الكراهية فليست عمله. 

 وما بنى النبى صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة مستقبلا مكة إلا لكون الأخلاق والقيم هي هي غرار بيت الله تعالى الكعبة من قيم وأخلاق، وما ينبغي بناء المساجد فى الأمة إلا على غرار بيت الله الأول: وهو إقامةٌ لكرم الله تعالى وإحماده وتعظيمه تعالى، وجعل ما حول المسجد كحرم آمن.. وهذه هى سنة النبى محمد صلى الله عليه وسلم.

الله كريم رحيم مضياف يكرم الإنسان ويشمله بالنعمة والترفق، حتى يؤمن به بحب ويقبل إليه بطواعية لابعنف ولا بإذلال. فالقيم والأخلاق والكرم الإلهى هي حجارة  بيت الله الحرام، والطواف يكون حول هذا البيت لا حول الحجارة أو الستائر، وعلى هذا يكون هدم الكعبة إنما هو هضم حقوق الناس في الكرامة، تضييع للمعانى التى من أجلها كان الخلق وكانت العبادة وكان التوحيد. وكان الإسلام.

هدم الكعبة

هدم الكعبة هو هدم قيمها التي بنيت منها وأقيمت لإقامتها، وهي حقوق الإنسان في أرقى صورها، ومنها إيتاء ذي القربى.. وقول النبى صلى الله عليه وسلم (يهدم الكعبة ذو السويقتين من الحبشة) يرمز لرجل لايأتي على فيل ذي سوق غلاظ، بل يمشي على قدميه ساعيا في هدم قيم كعبتنا. ويرمز لمن يفتي بوجود الإكراه في الدين بأي شكل، ويكذب على الله تعالى بفتاوى بقتل الناس المواطنين أو المسلمين بغير الحق بسبب عقائدهم أو تركهم لفرائض شرعية.

 

الحج الحق

الحق أنه بناءا على طاعة فتاوى التكفير والقتل واستحلال الناس بسبب عقيدتهم فإن الكعبة تقتلع حجارتها الروحية، وتوجد الجدران بلا قيم ربانية وبدون تجليات رحمانية، لأن منفذي الفتاوى يقولون هذا علم.

إن سيدنا المسيح الموعود عليه السلام قد قام برفع هذه القواعد للحج، وأعاد بناء علم معنى الحج المجازى في تعليمه وتفسيره للقرآن والجهاد والفاتحة.  الحج ليس مجرد قطع مسافات، وإنما هو توجه إلى الله أولا وإلى رحمانيته، وإلى المعانى التى من أجلها أرسل الله تعالى الرسل من نوح إلى محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام، وهكذا نتعلم درسا عظيما فى معانى الحج والطهارة اللازمة له، والتى يقول الله عنها (وطهر بيتى) أي من أى تعصب دينى أو غيره .

إن حجارة الكعبة هي : أطعم وأكرم الضيف وأحسن النزل واسق الماء وأمّن الخائف وانحر الذبيحة وطهر البيت للعباد المفكرين، وهي التفهم ونبذ الجدال وترك فرصة للتغيير الذي يقوم به الله بعد أن ندعوه أن يهدينا، وهي قيم البيت الحرام في مكة المكرمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق