بسم الله الرحمن الرحيم
الله خلقنا لنحس بحنانه، ولنفهم حبه.
الله كان كنزا مخفيا حميدا كنز الجمال.
وتجلى الله ليعرفه الخلق، فخلقهم بترتيب: الربوبية وتكوين رأس المال والخصائص، ثم خلق الأحياء أطوار من ذوي الحس وأتقن تكميلهم بنعم الرحمانية، ثم تمم بتنزيل نعم الرحيمية عليهم حين يتهيأون بالفهم والشكر والاستقبال الحسن. ثم يتألق حبه وتفيض محيطات رحمته يوم الدين.
الفاتحة تفشي هذه الأسرار، وبعد شرحها في كتب المسيح ابن مريم ( أحمد المولود في قاديان) فإنه يليق بالفاتحة أن تغير كيماء المخ ليعيد تطهير
البدن وتوجيهه.
والحمد لله قد أرسل الله إلينا رجلا صالحا، ومن
عناصر صلاحه أن في قلبه نسخة من المعاني المقدسة، التي كانت في نفس محمد صلى الله
عليه وسلم وهو في الصلاة يقرأ سورة الفاتحة.
تلك السورة التي توقف النفس أمام الله تقرأ
صفاته الجامعة، ثم تعلن أنها تعبده مع زمرة عابديه ومجانين حبه الطائعين. إياك
نعبد، ثم تصرخ إليه: إياك نستعين. وهذا الإعلان وطلب الهداية بعدها هو تخل عن
الحول والقوة، وعن تصور الذكاء والنصاحة، والاستسلام لهداية الله تعالى، ليوصلنا
هو للسعادة والحياة التي تستحق أن تعاش.
وقراءة السورة حق القراءة، كما كان يقرؤها عيسى
بن مريم عليه السلام، ووضحها في كتابه: كرامات الصادقين الذي توفي عام 1908م، هذه
القراءة تستثير الاستعانة بالله تعالى لقتل النفس الأمارة، لتكون جثة ملقاة على
قارعة الطريق. تلك النفس التي تريد احتكار التوجيه لنفسها. وتلطم إذا أصابتها
المصائب التي تجنيها بيديها، وتلقي باللوم على غير ذاتها. أو على ربها.
النفس الأمارة نفس تتصور أنها تعرف مصلحتها من
خبراتها السارة، وتسخر صاحبها تسخيرا لتنفيذ أوامرها، مدللة تسمن كلما أجابها،
وتكبس على أنفاسه بثقلها وسمنها.
وتتعامى النفس الأمارة عن وجود ربها (وتستهبل)
كأنها لاتراه سبحانه، أو لاترى لوجوده اليقيني علامة تردعها عن طلب أشياء تهلك
صاحبها.
وتقع عينها على أشياء تطمع فيها وتهيم بها حبا، وتنشغل
بها فكرا، وتصير لها وثنا، وتكلف صاحبها الحصول عليها، أو تنقلب حياتها نكدا وغما.
والطمع والهيام حبا والانشغال فكرا وتذكرا
والتكليف سعيا وهمة: كل هذا له ترجمة كيماوية في المخ والبدن، والكيمياء إدمان
وسيطرة. وسيطرة الكيمياء نوع من الجنون. ولامكان معه لإياك نعبد ولا لإياك نستعين.
بيقين وتمكين.
وتتشكل النفس الأمارة من مجموعة أطماع عميقة معها إفرازات في المخ، تضل خلطتها
بسبب الانفعالات الفوضوية، وقتل النفس الأمارة هو استبدال نظام انفعال بآخر أصلح،
وإجراء توبة تشبه جراحة في المخ مؤلمة، فتتحول قنوات وتتبدل وصلات عصبية، وتسري تيارات في مجار جديدة وتغلق خزانات
وتفتح أخرى، وتعدم ثورات وتوضع شرطة مرور مهتدية.
المخ
كبناء متناظر أومتشابه مع وزارة كاملة تدير بلدا، فيها الاستقبال والإرسال، والإدارات
والتخطيط، والقرارات والأرشيف، والتنسيق والاتصالات، والنظام العادي الروتيني ونظم
الطوارئء، والقيادة والمحاسبة والمحاكمات،
وضبط الاضطرابات والتأمين والتزويد والتموين و التطهر من الفضلات والقاذورات.
والمخ سهل الإضلال يسير الانخداع بما يساق إليه
من زيف القول، مع القسم الكاذب وادعاء النصح الخبيث.
وتتفاقم المشكلة حين تقع عين النفس المدللة
الأمارة على ملايين من الناس حولها، لهم نفس المخ، يسيرون في نفس الطرق، تسيطر
عليهم نفس الكيمياء، ويندفعون جماهير غفيرة في ذات الموجة من الجنون. وإن كانوا
يرددون : إياك نعبد وإياك نستعين.
من شرح الفاتحة نعلم أن الله تعالى خلق الوجود
حولنا بما يكفي ليحس الإنسان بوجود حنان ربه، ثم أرسل الله له الرسل تباعا ليوقن معهم بوجود ربه، وأنه
ملاقيه، وصار هناك الآن مايكفي من البيانات ليعلم الإنسان أن ثدي الأم هو جزء من
حنان الله تعالى، وأن الله خلق من أنواع الأم وأشكال لبن النعمة مايكفي الإنسان
طول رحلة حياته.
لتتكون
في قلبه عن ربه صبغة انطباعات طيبة، هي التي تجذب الحب العميق، وتشد الكيان كله
نحو عدم إغضاب الله محبوبه، وتقوم المحبة وتعليم دين الفطرة بضبط تكوين مجموعة من
الهرمونات البدنية، وإفرازات الغدد الإنسانية، وتنظيم عمل المخ تبعا لهذا الحب
العميق. ويستقيم مسلك الإنسان ويحسن المعيشة أمام الله سبحانه. فترى عيناه وأذناه
ولسانه ويداه على صراط مستقيم.
فإذا انضبط مخ هذا الإنسان وصلح بدنه وخلقه كله،
تشكلت له ملامح شخصية روحية بديعة، وتوازنت تصرفاته لتتكون صورة مرآتية لنفسه لها نفس التوازن
والملامح، لونها الروحي أبيض، وهو بياض روحاني لاعلاقة له بألوان الطيف الدنيوية، ولها
وسامة خاصة بها، وهي في نظر الملائكة ملامح عذبة.
خلق
الله تعالى المخ البشري لنفسه سبحانه، واصطنعه ليهيم به هو حبا، وأبدع فيه ما أبدع
ليتربع هو سبحانه على عرشه، ولكي يكون حبه هو الأنشودة التي تعزفها معا كيماويات
المخ، ورتب سبحانه في المخ تشكيلا متناغما من الغرف العصبية المبنية، يعزف متعاونا
ألحانا جزيئية حيوية.
إذن الله أودع في المخ نظم إفراز هرموني عجيبة
فخمة، تجعل الحب وسعادة الحب وروعة التقدير للمحبوب جنة للإنسان.
خلق الله الإنسان كي يحب محبوبا يستأهل الحب، والمحبوب
هو الله ربه نعم الرب، الرحمن الرحيم، لينال من هذا الحب أجمل أشكال الحياة، وجعل
المخ ومافيه من حوادث هو مسرح تحصيل حظ السعادة.
فيا أيها الناس أصلحوا فكركم فتصلح نظم المخ،
وتجشموا مرارة التوبة لتعرفوا طعم المعيشة في جنب الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق