الأربعاء، 13 أغسطس 2014

الخليفة الرابع علي كرم الله وجهه وتسلم الخلافة وتسليمها في وقت عصيب فسد فيه جمهور الشعب ولم يعد يريد الخليفة الروحي وراحوا خلف الملك الدنيوي

بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم والنسب 
رضي الله عنه،  هو أبو الحسن علي بن أبي طالب ( عبد مناف)  بن عبد المطلب (شيبة الحمد)  بن  هاشم (أصل اسمه عمرو) بن عبد مناف ( المغيرة) بن قصي سيد قريش.
هو ابن عم رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (شيبة).
أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .. فهو هاشمي الأب والأم.
قبل البعثة النبوية بقليل أصابت أبا طالب أزمة مالية فضم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا لكفالته ليخفف عن عمه، وتربى علي في بيته الشريف.
أول من أسلم من الصبيان، سارع إلى الله تعالى شاهدا بوحدانيته وكان في الثامنة من العمر.
شهد الاضطهاد المكي للمسلمين، ووعى السنن الكونية وتأمل في القرآن الكريم، وعاصر نزوله وحفظه وفقهه، ونام في بيت نبي الله ليلة الهجرة شجاعا فدائيا ثم هاجر بعد رسول الله وشهد تكوين السماوات الجديدة والأرض الجديدة.
خطب فاطمة ابنة النبي ومهرها درعه، وأنجبا الحسن والحسين وأم كلثوم والمحسن وزينب وعاشا في عبادة الله. رضي الله عنهم.

تاريخ من التعلم والتربية والتطور الروحي 
 تغلغلت في روحه روعة الإسلام، وكان عالما فقيها ومفكرا مبدعا، وزاهدا عابدا ورعا، وكان حكيم المشورة شجاعا. كرم الله وجهه.
شهد المعارك كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المحب لله ورسوله والذي يحبه الله ورسوله، حمل لواء في بدر وخيبر، وقتل الوليد بن عتبة في بدر وعمرو بن عبد ود في الخندق ومرحبا بطل اليهود في خيبر.
مسح الدم عن وجه رسول الله في أحد وكان لصيقا له في حنين وكان نائبا عنه على المدينة في حملة تبوك.
كان يتعلم دائما ويطور من مستوى لغته وبيانه وفقهه ودراساته في الكون حوله، وكان داعيا إلى الله ومتضرعا إليه كتليذ نجيب لمحمد، وكان عارفا بمحامد الله مسبحا مكبرا له، يستوهب الله الحكمة والمشورةالنافذة.
بايع الخلفاء الثلاثة وكان خير مشير وخير عون لهم على مهامهم.   
تعلم حقيقة التوحيد وأن الله هو الواهب للأمن وواهب الأمة رسولها وخلفاءها، وراقب المسلمين في ضعفهم وكيف كانوا يتضرعون، ثم لما مكن الله لهم الدين وحرية العقيدة ومكن الله لهم في الأرض وبدأ يدخل الإسلام قوم لم يتعمقوا لب التوحيد وبدأ الإحساس بقيمة المعونة الإلهية يضعف.
رأى كيف كان النبي وصحبه في محنة يبحثون عن الأمن ويعرفون قيمة النجاة من المحنة وإنقاذ الحياة مع حفظ العقيدة المختارة.
كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته:  أن ينجو ويحيا ويدافع عن نفسه، ومنضبطا في الدفاع بمرضاة الله الرحمن.
معادلة صعبة ومحنة وحلها كان بمادة تضرع واستقامة على الصدق والعفاف والتقوى والتراحم وتسابيح وتقديس الله في الصلاة.
 القضية كلها والحكم فيها دمجت في القراءة وحركات الصلاة وتسابيحها وصارت المطالبة بالنصر في القضية هي الصلاة: يتم فيها قراءة القرآن كحل للوضع الراهن، وتتشكل روحك بالمعضلة وحلها معا في هذه الصلاة، وماعليك بعد القراءة وحل الموضوع سوى الركوع.
في الفطرة الإنسانية خصلة ثابتة: وهي أنها تلجأ إلى الله وحده وتدعوه وتعاهده على فعل الصالح وشكره لو أنقذها حين يحيط بها الموت في الوقت الذي تتشبث هي فيه بالحياة.
وفعلا ..  لقد عانى المسلمون هذه الحالة طوال حياتهم مع رسولهم صلى الله عليه وسلم وبعده لأمد .. كان المسلمون في مواجهة مباشرة مع الموت والسخرية والشماتة والعار وفشل المشروع، وكان الله يقول أنه مع المؤمنين ومستعد أن يهلك العدو كما فعل مع السابقين،  بشرط أن يعاهدوه أنهم لو تمكنوا في الأرض فعلوا الصالح وأمروا بالحق ونهوا عن المنكر كله.

قواعد الحياة السرية العميقة 
وفي مواجهة الموت تنصهر من القلب كل أدران هذا العالم ويتحول المؤمن إلى كتلة من الصفاء، وتنتاب الجماعة الإنسانية حمى استقامة وحالة توبة عامة. 
كان المسلمون في حالة مواجهة مستمرة مع الموت، وكانت لديهم إرادة الحياة الكريمة، وكان الله يعرض ميثاقه: حالة خلقية روحية عالية مقابل عز الدهر، ولقد قبل المسلمون الأوائل الصفقة مع الله، وعجل هذا من وتيرة التغير الاجتماعي،  وساهم هذا القبول للمعادلة في خلق أمة ذات عناصر خلقية حضارية وساهمت العزة في وجود مناخ حفظ الله به القرآن.   
  استمر نفس الحال في خلافة أبي بكر وزاد الخطر على الإسلام في أول خلافته حتى كاد الدين ينقلع من جذوره..  كان المسلمون في وجه الموت دائما في العهد النبوي والراشد.. فهم قد هربوا من الموت في مكة، ولاحقهم الموت قبل بدر، وبعد بدر لم يصابوا بهلوسة النصر، بل انغرس اليقين بالله فيهم أكثر، وبعد أحد جاءهم أحزاب الجزيرة جميعا، وقتل منهم 70 من القراء غدرا في طريقهم لتعليم القرآن، وبعد ذلك بايعوه صلى الله عليه وسلم بيعة الموت أو النصر على مشارف مكة، وبعد المعاهدة جاءتهم أنباء المذابح المعدة، وبعدها  واجهوا الموت في حنين، ثم ماكادوا يستريحون حتى جاءت أنباء جيوش الروم تتجمع فخرج كل قادر على القتال مع نبي الله إلى تبوك. وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم واجهوا وحوش المرتدين في طول الجزيرة وعرضها وما إن فرغوا حتى التقوا بجبابرة الفرس والروم.
لقد ساهم كل هذا في استنفار اللجوء إلى الله  وهو معنى: لاإله إلا الله، فتحقق وجود أمة كثيرة العدد  مزودة بأصول الرضا الإلهي، فحقق الله لهم حياة شريفة وموتا شريفا أيضا.
وهذا هو مولد الحضارة الإسلامية. 
ومهما حدث بعد ذلك فقد كان قد غرس جذر لمعنى التقوى في الأرض، وكان كلما أتيح له فرصة يتمدد هنا وهناك، وتنبت منه نابتة من الشجرة الطيبة في كل حين وفي كل قارة. 
ماذا فعل رسول الله ؟ لقد ألف الله بين القلوب معه وأعلن  استحالة ذلك من دونه.. لقد علم رسول الله العالم كلمة لاإله إلا الله، ومعناها أن طبيعة الوجود والعالم هي أنه عالم خطر، وإمكانية حساسة ذات حدين، فيزياؤه لاتعرف سوى قانونها الخاص ، ولاملجأ للإنسان فيه من الهلاك والدمار والمصير الحيواني غير الاستماتة على حبل الله المتدلي للنجاة، وضرب النبي بسيرة حياته وتشبثه بالله مثلا على معنى كلمة لا إله إلا الله، الله الذي يؤلف القلوب في عالم الروح ويغلب الفيزياء والكيمياء وعداوات الحاسدين ومكر الخبثاء.

وتولى الخلافة وسط أعاصير تطوح بالأرواح قبل البدن
رأى علي كرم الله وجهه كل هذا ووعاه،  وحين صار خليفة تفقه في الحالة التي تغيرت والحديد الذي صار أكسيد الحديد. رأى خلال العقود كيف نمت مؤسسة عامة تضم مئات الآلاف من الصلحاء ثم الملايين، وكيف أن روح الاضطرار كانت تطردهم إلى الله.  رأى أنه بصلاة المضطر الضارع المتواضع أمكن القيام في سنين  محدودة بكل المهام المعقدة من هدم البناء الخرب مع إقامة سياج وحماية ، مع نصب بناء ومد أنوار،  مع صفاء قراءة وتركيز فكر وتدبر، ومشاهدة تولد نفس جديدة وإعادة نسج لحمة مجتمع وسداه ، غرزة غرزة على نمط خاص.
خلال ولاية عثمان استتب الأمن واتسعت الدولة وكثر الخير وقل الإحساس به، وتحركت شهوة النقد وكبرياء الاقتراحات والمطالبات عند الجماهير الحديثة الإسلام، وتولى علي رضي الله عنه الخلافة بعد مقتل الخليفة على يد المسلمين الثوار المتأثرين بدعايات النيات السود، تولى في وقت كانت التقوى تتحول من صبغة شعب إلى مسلك أفراد. تولى بعد الثورة على عثمان والاعتصام في المدينة ثم الحصار لبيت الخليفة ثم الاقتحام وقتل الخليفة عثمان (كما يحدث اليوم)، وعرف مغزى مقتل عثمان رضي الله عنه، والعذاب الذي تحركت رحاه لتطحن أمة.
وكان أول من بايعه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه بيده المشلولة التي حمى بها وجه رسول الله من وقع السهام في أحد. فتتابع الناس بعده وبايعوا، وبايع الزبير بن العوام رضي الله عنه، ولم يبايع أهل الشام طلبا لثأر عثمان أولا.

جمهور الناس تغيرت معادنه وصدئت الروح وحسدت
علم الثوار أن الخليفة لن يترك مقتل عثمان يمر دون عقاب ولذلك عمدوا للانضمام لزحمة المبايعين ولإثارة الفتن كي يظل الغبار هائجا وتضيع معالم الجريمة. وبعوامل معقدة نجح الثوار وأصحاب الفتنة وممن ملوا من مظلة الخلافة وممن يستجيب للتهييج ولايستهدي رب العرش ممن غلظت أرواحهم من ناطقي الشهادتين في تهييج نيران حرب بين الصحابة، بدءا من موقعة الجمل بين جيش الخليفة علي وجيش الجمل وفيه طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنها على جمل سميت الموقعة باسمه، وبعد هزيمة جيش الجمل حدثت الحرب في صفين بين جيش أهل الشام وجيش الخليفة المعين من قبل الله تعالى، وقتل سبعون ألف مسلم في معارك صفين التي امتدت 120 يوما، وبعدها قتل ثوار الخوارج خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قاموا بتكفيره ( كما يحدث اليوم). 
لم يكن الله مع القوم لأنهم لم يعودوا مع الله تعالى، ولم يكن الله ليؤلف بين قلوبهم وهم لايعرفون قيمة التأليف.
لقد ضرب الله  من خلفاء الإسلام الأولين أقوى الأمثلة على تمليكه الأرض المادية للصالحين الذين لايعبدون المظاهر المادية، لأنهم بالآخرة مؤمنون، وعن لغو المادة معرضون، لذلك يتمكنون من تنظيم هذه المادة بهدوء وسكينة دون ميل ولاظلم. لقد حطموا أقوى امبراطوريتين في التاريخ وأشد المعتدين وهما امبراطورية الفرس وامبراطورية الروم، وأقام الله هناك معسكر الإسلام حارسا حتى لايعودا كعادتهما، فتــبنّى الناس دين الإسلام ولغته.
 وتولى العرب بعد حين، فحمل شعار الدين غيرهم ثم غيرهم،  وبصرف النظر عن الأخطاء فالله بنفسه حفظ أهم وعاء وهو القرآن. لقد عاش الناس مع الخلافة ومع معية الله دهرا ثم غيرت الأغلبية الساحقة رأيها أو خنعت لمن غيّر رأيه من المهيجين وطلاب قتل الخلفاء.
جبن الناس أمام الإعلام الوقح المثير للفتن وأحبوا الحياة التافهة،  واستلانوا لوقاحة قتلة الخلافة الراشدة، واتخذت الجماهير موقف المتفرج. ومن قوانين الآخرة أن هذه الصفة مَجْلَبةٌ للّعنة. 
كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون.
الكارثة الكبرى تحدث عندما لايستنكر جمهور الناس أفعال المتعصبين القتلة من النقاد الذين لايعجبهم حكم، ومن جهلة المكفرين.

الخلافة الراشدة والملك المسمى خلافة    
وهكذا تم رفض الخلافة الراشدة، وهي نوع من الحكم يتدخل الله في تشكيله، بروح من عنده، وتتمثل فيه غيرة القرآن في شكل إنسان.
لقد كان الله معهم عندما كانوا بكل القلب مع الخلافة.
ولما كان الدين لاإكراه فيه فليس هناك إكراه على الخلافة، والناس وما يريدون، فالله يرفع يده عن الناس لو رفضوا الخلافة الراشدة، ويتركهم ليواجهوا تدبير أمورهم. ويتعذبون في جحيم عالم المادة،  وينقل معيته للقلة المؤمنة التي تعود غريبة مستضعفة تدعو لدين الله الحق دين الحرية الذي لايبقى معه الرق ولا تخلد العبودية ولااستحلال لكرامة الناس، ويحفظ من الأمر أقدارا في إطار دفع الناس بعضهم ببعض، وفي إطار مايكفي للحفاظ على الفرصة ولضمان بلاغ رسالته ونفاذ وعده بظهور دينه.
ولقد حاولوا خداع الناس والمؤمنين بِمَلِكٍ عليه لافتة الخلافة، ليوهموا الإيمان بالخلافة وما هم بمؤمنين.
والله لاينخدع  ولايقر اللافتات باسم الخلافة وهي ليست من عنده.
يعيش خليفة اللافتة حياته في رعب فيوسوس له حب الأمن بالقسوة الشديدة والتوغل في السفك والإرهاب بالوحشية في العقوبة، مما يزيد ملكه ضعفا ويجعل الدائرة تدور على أولاده.
يدلل الله لخلافة اللافتات أنها ليست منه بتركها لتدبيرها وسط عالم لايرحم، عالم هو تعالى –عز وجل- فيه الملجأ الوحيد المُنجّي.
يتعرض خلفاء اللافتات للمؤامرات أو للقتل على يد شيعتهم  أو حرسهم ويصيرون لعبتهم لأنهم اتخذوهم ملجأهم وليس الله.  
يتم انتهاك حدود الإسلام واحتلالها وخلفاء اللافتات تتفرج.
يباد خلفاء اللافتات على يد خلفاء لافتات آخرين.
يترك الله الناس للقوانين العادية، أو  لايخبرهم بزلازل قريبة أو أعاصير حان أوانها،  أو أوبئة، ويعبّر عن ذلك بأخذة الله .
تمتد يد الله فتأخذ القرى وتنزعها في حركة مؤلمة شديدة الوقع وهم في حالة تلبس بجريمة الظلم.
في خلافته رضي الله عنه كان زمن المؤسسة الخاصة للصلحاء قد جاء، وولّى زمن المؤسسة العامة الواسعة التي تضم الصلحاء.
 كانت طبيعة الجماهير قد تحللت بسبب تمكن الأمة، وفيض النعم والرحمات لم يتم شكره،  وفقد الإحساس بقيمة النعم والأمن، وتمكن الملل من تربية الخليفة للأمة. كانت شهادته كرم الله وجهه مكتوبة على الأفق نظرا لطبيعة الناس وبدء تمردهم على مهام الخلافة من تلاوة آيات وتزكية وتعليم.
عادة الأمم أنها حين تولد في نعم وفيرة لاتدري قيمتها فتنقلب الجماهير على الخلافة وروحانيتها.
وجعل الله خلافته بابا لانتقال سلمي للسلطة من عصر إلى عصر، يحقن الله الدم فيه على يد ولده الحسن الذي بويع بعده وفضّل أن يأخذ الناس نحو الجهة التي تودها أعماقهم، وهي وهي هلاك لأرواحهم ثم لأجسامهم بعد ذلك.

الله يخطب في البشر وياللهول
كان الله هو الذي عين عليا خليفة في فترة انتقالية بين اتحاد الخلافة السياسية مع الروحية وبين انفصالهما. وكانت خلافته خطبة ربانية محذّرة .
كأن الله يقول: هل لمّا أمِنتُم في عقدين نسيتم قيمة الخلافة.؟؟ أهكذا البطر بكثرة النعمة ؟  تريدون الدنيا مع الحرام والعصيان وليس الدنيا الحلال فقط، لو كانت الدنيا حقا هي مقصد هدم الخلافة فقد كانت دنياهم الحلال تبارك بسبب الخليفة وطاعتهم له.
سيأتيكم حاكم مضطر للدفاع عن البلد مهما كنتم من التقوى، وسوف يضطر لاتخاذ قرارات شديدة قسرا وتترحمون على أيام علي وعثمان. سترغمون على بيعته ومن لم يبايع قُتل. ستبيد اليمنية والقيسية كل منهما الآخر. سيأتيكم حاكم ملك وسوف يحملكم العسف ولاتفتحون الأفواه، فلو طالبتموه بسيرة أبي بكر وعمر طالبكم بسيرة رعيتهما.
 ستقتلون على يد الروم لأنكم مسلمون فلم لاتحققون الإسلام الحق؟  لقد صرتم هدفا بمجرد انتمائكم لله وانتهى الأمر. صارت الأرض مستهدفة هي والدين، فهل ستقاتلون ابتغاء الدفاع عن الأرض فقط، بينما يقتلونكم هم بسبب دينكم؟ ستقتلون سواء كنتم مخلصين أم لا فلماذا لاتكونون مخلصين خلف خليفتكم ودنياكم ستبارك بسببه؟؟؟
كان علي هو البرزخ بين عالمين، عالم الخلافة التي بها يبارك الملك  وعالم الملك المنفصل عن الخلافة ..  بعلي كان الله يقول للناس أن البيعة للخليفة اختيارية ومعنى اختياريتها عميق، لأن الاختيار حب وود، وبيعته تعني الرضا به وبتعليمه وبتربيته، والله في خلافة النبوة يعرض نفسه للبيعة المُحبة الراغبة، ولايفرض نفسه وحبه تعالى وتقدس.

ماذا يقول عنه المسيح الموعود عليه السلام؟؟ 
"كان رضي الله عنه تقيًّا نقيًّا من الذين هم أحب الناس إلى الرحمان، ومن نخب الجيل وسادات الزمان، أسد الله الغالب وفتى الله الحنّان، ندي الكف طيب الجنان. وكان شجاعا وحيدًا لا يُزايل مركزه في الميدان ولو قابله فوج من أهل العدوان. أنفد العمر بعيش أنكد وبلغ النهاية في زهادة نوع الإنسان، وكان أوّل الرجال في إعطاء النشب وإماطة الشجب، وتفقد اليتامى والمساكين والجيران، وكان يُجلّي أنواع بسالة في معارك وكان مظهر العجائب في هيجاء السيف والسنان، ومع ذلك كان عذب البيان فصيح اللسان. وكان يدخل بيانه في جذر القلوب ويجلو به صداء الأذهان، ويجلي مطلعه بنور البرهان. وكان قادرًا على أنواع الأسلوب، ومن ناضله فيها اعتذر إليه اعتذار المغلوب، وكان كاملا في كل خير وفي طرق البلاغة والفصاحة، ومن أنكر كماله فقد سلك مسلك الوقاحة، وكان يندب إلى مواسات المضطر، ويأمر بإطعام القانع والمعتر. وكان من عباد الله المقرّبين.
ومع ذلك كان من السابقين في ارتضاع كأس الفرقان، وأُعطَى له فهم عجيب لإدراك دقائق القرآن." سر الخلافة 53

2
ويقول عليه السلام عن الخلافة يومئذ:
 "لم يزل تبتزّها عِداها ما فيه من قوة وحدة مداها، وأسقطوها في هوّة وتركوا حق أخوّة، حتى أصاروها كبيت أوهن من بيت العنكبوت، وتركوا أهلها كالمتحير المبهوت، ولا شك أن عليًّا كان نجمة الرواد وقدوة الأجواد، وحجة الله على العباد، وخير الناس من أهل الزمان، ونور الله لإنارة البلدان، ولكن أيام خلافته ما كان زمن الأمن والأمان، بل زمان صراصر الفتن والعدوان، وكان الناس يختلفون في خلافته وخلافة ابن أبي سفيان، وكانوا ينتظرون إليهما كحيران. وبعضهما حسبوهما كفرقدي سماء وكزندين في وعاء. والحق أن الحق كان مع المرتضى، ومن قاتله في وقته فبغى وطغى، ولكن خلافته ما كان مصداق الأمن المبشر به من الرحمان، بل أوذي المرتضى من الأقران، وديست خلافته تحت أنواع الفتن وأصناف الافتنان، وكان فضل الله عليه عظيما ولكن عاش محزونا وأليما، وما قدر على أن يشيع الدين ويرجم الشياطين كالخلفاء الأولين. بل ما فرغ عن أسنة القوم، ومُنع من كل القصد والرَّوم، وما ألّبوه بل أضبُّوا على إكثار الجور، وما عدّوا عن الأذى بل زاحموه وقعدوا في المور، وكان صبورا ومن الصالحين. فلا يمكن أن نجعل خلافته مصداق هذه البشارة، فإن خلافته كانت في أيام الفساد والبغي والخسارة، وما ظهر الأمن في ذلك الزمن، بل ظهر الخوف بعد الأمن، وبدأت الفتن، وتواترت المحن، وظهرت اختلالات في نظام الإسلام، واختلافات في أمة خير الأنام، وفُتحت أبواب الفتن، وسدد الحقد والضغن، وكان في كل يوم جديد نزاع قوم جديد، وكثرت فتن الزمن، وطارت طيور الأمن، وكانت المفاسد هائجة، والفتن مائجة، حتى قُتل الحسين سيد المظلومين." سر الخلافة 46، 47

3
ويقول عليه السلام عن الروايات الخاصة بأحداث الفتنة:
"ولكن العامة لايُحققون في أمرٍ كأولي الأبصار، بل يقبلون القِصص بغض الأبصار، ثم يزيد أحدٌ منهم شيئا على الأصل المنقول، ويتلقاه الآخر بالقبول، ويزيد عليه شيئا آخر من عند نفسه، ثم يسمعه ثالث بشدة حرصه، فيؤمن به ويُلحق به حواشي أخرى، وهلم جرّا، حتى تستتر الحقيقة الأولى، وتظهر حقيقة جديدة تخالف الحق الأجلى، وكذلك هلك الناس من خيانات الراوين.
وكم من حقيقة تسترت، وواقعات اختفت وقِصص بُدّلت، وأخبار غُيرت وحُرّفت، وكم من مفتريات نُسجت، وأمور زيدت ونُقصت، ولا تعلم نفس ما كانت واقعة أولا ثم ما صُيّرت وجُعلت. ولو أُحيَى الأولون من الصحابة وأهل البيت وأقارب خير البرية، وعُرضت عليهم هذه القِصص لتعجّبوا وحولقوا واسترجعوا من مفتريات الناس، ومما طوّلوا الأمر من الوسواس الخنّاس، وجعلوا قطرة كبحر عظيم، وأروا كجبال ذرّةَ عظم رميم، وجاءوا بكذب يخدع الغافلين.

والحق أن الفتن قد تموّجت في أزمنة وسطى، وماجت كتموّج الريح العاصفة والصراصر العظمى، وكم من أراجيف المفترين قُبلت كالأخبار الصادقة."  سر الخلافة 40، 41

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق