بسم
الله الرحمن الرحيم
■
هناك صراع تاريخي
حول مدح الله تعالى وذمه سواء بوعي أو بغير وعي، وحول مدح رسوله الكريم وذمه بوعي وغير
وعي، وحول مدح الإسلام والقرآن وذمه بوعي وبغير وعي.
■ لنضع
أمر المسيح الصح والمسيح الغلط في إطار تسبيح الله عن الشتم الشغال في الأرض.
نعلم إجمالا أن الجمال والحسن والإحسان كله لله ورسله
ورسوله محمد ولسيرته صلى الله عليه وسلم، ولكتاب القرآن ولشريعته المرتضاة، ومن أحسن
من الله حكما لقوم يوقنون؟ ولكن هناك من أجيال الإسلام من شوه العقيدة في الله ورسوله
وشوه سمعة الشريعة بسبب تشوهات من نفسه لا من الله تعالى.
وفي عصر انقضّت فيه الأعداء على الإسلام كذبيحة أسقطوها،
ونكشوا عش ثقافة شعوب الإسلام واستخرجوا منها ما يستخدم ذما أو حجارة لرجم الإسلام،
آلى الله تعالى على نفسه أن يكشف الغطاء عن حقيقة الإسلام الذي جاء لإسعاد البشر، وحقيقة
محمد ﷺ التي كان عليها، هو وخلفاؤه الراشدون، ليبرئ ذمته وذمة دينه من الاتهامات وعلى
رأسها تهمة الإكراه فيه، ومعنى التبرئة كشف الغطاء عن الحق.
وهذا تم بشكل بسيط وقوي وهو إطلاع شمس قلم ينضح نورا:
نور التوحيد ونور العمل الصالح أي إسداء الجميل؛ إمام مولود ينتظره كل مولود ليعلن
حق الله تعالى في الحب بجدارة، ويعلن قدسية مواساة بناء الإنسان وحرمته دما ومالا وعرضا،
على خلاف تجار الدين، الذين يتاجرون في الحقوق الأساسية الموهوبة من الله للإنسان،
ومن نهّابي الحقوق من الطغاة الذين يستعينون بهم.
رجل اصطفاه الله وأعطاه اسما من عنده هو المسيح عيسى ابن
مريم، بسبب صيانته لنفسه من كل غزو الدنيا وزخارفها، وغمره في حوض أخلاق النبوة، وعلّمه
وجعله من كبار علماء الأرض، وكان الله هو ذكاؤه المرافق له، لما تبرى من حوله وقوته
هو وتضرع لله ليثبت وجوده، إذ لم يجد سبيلا في طوقه لصد تسونامي من شتم إله محمد
ورسول هذا الإله محمد وكتاب القرآن وشتم شريعة الإسلام على أنها شريعة الإكراه والإرغام.
ها هي صورة الإسلام ورسوله أصلية حقيقية غير مزيفة، ترد
على النسخة المُحرّفة المخرفة.
موضوع كتاب نجم الهدى يشمل عدة روائع:
أولها، تلخيص لما جاء في أول كتاب إعجاز
المسيح من
تفهيم معنى اسمي أحمد ومحمد وأنهما خلاصة القدوة وغاية الصالحين وهدف مجيء الإسلام.
وثانيهما، تلخيص رائع لما جاء في أول كتاب فلسفة
تعاليم الإسلام من مراحل الإصلاح الثلاثة التي مر بها الصحابة،
وهي النقلة الرائعة المذهلة لتلك النفوس العصيّة من عالم الشرك وعديد أمراضه، إلى عالم
التوحيد والشغل بالله الذي سيطر عليهم وأذهلهم عن المال والعيال والنساء والأصنام والشراب
والرياء وجعلهم مُحسنين للجنس البشري. وهي من كبريات معجزات النبوة. وللكتاب
علاقة بحوار بين الأديان أقيم عام 1896، تم فيه بيان محاسن الإسلام.
وثالث الروائع فيه، بيان ملخص يلقيه علينا بأمر الله تعالى
حكاية لقصة بعثته وضرورتها، وآيات صدقه التي سطعت، مثل غرس علوم العربية في قلبه، وتحقق
آية الخسوف والكسوف في كتاب الله في سورة القيامة، فلقد كتب الكتاب بعد ظهور آية الكسوف
والخسوف وشرحها، وتأكدت حجته سطوعا بعدها، مما حدث من مقتل عدو الله البانديت ليكهرام،
الذي كان قد كتب عنه وعد الله له أن يهلكه في كرامات الصادقين، والآن
تحقق الوعد وهلك قبل كتابة نجم الهدى.
إن القيامة قامت بخسف القمر وكسوف الشمس، وبرق البصر وقرعت
القارعة كالقيامة، وصار الناس كالفراش المبثوث في تاريخ كتابة الكتاب.
في الصفحة الأولى مقدمة طولى تبدأ بـ «الحمد لله الذي
خلق الأشياء كلها فأودع مِن جمالٍ خَلْقَها، وبرأ نفوس الناس لنفسه فسوّاها وعالجَ
بوجهه قلقها»
لقد أودع الله تعالى في مجمل نُظم الكون كله من كنز جمال؛
منكر الصيغة لعظمته، ما أعظمه لأنه جماله هو، وبرأ الجميل النفوس لنفسه واللام لام
الصيرورة فما بالك به جميلا؟!!
لابد أنه سواها مشتاقة إليه، فلقد دفن الله تعالى في سويداء
النفوس بحثا عنه، وجعل وجهه الحميد هو مستقر وطمأنينة تلك النفس لا اطمئنان لها عند
غيره.
ويتابع: «وأتقن كلَّ ما صنع وحسَّن وأبدع وأحكمَ، وأضاء
الشمس وأنار القمر وأنعم على الإنسان وأعزّه وأكرمَ»
الحمد لله الذي بان طرف من محاسنه في إحسانه صنع النظم
الكونية وتسخيرها للإنسان برحمة وتكريم ذو بأس شديد، ومن إحسانه الدال على حسنه تلك
الشمس العجيبة والضوء الذي لابد أن يسقط على الحقائق فتكشف عن نفسها أمامه، ومحمد ﷺ
هو عالم كامل بشموسه وأقماره.
«والصلاة والسلام على رسوله النبيّ الأُمّيّ.. محمد أحمد
الذي كان اسماه هذان أوّل أسماءٍ عُرضتْ على آدم بما كانا علّةً غائيّةً للنشأة الأولى
وكانا في علم الله أشرف وأقدم»
لقد استحق العالم الوجود، لأن محمدا كان ممكنا من ممكنات
خلق الكائن المخير. «فهو أوّلُ النبيين درجةً لهذين الاسمين
وآخرهم بما ختم الله عليه كلّ ما علّم النبيين وفهّم» آخرية إغناء تغني
عن كل النبوات، وحفظها يؤكد آخريتها، ومسيحه يحقق صدق استغناء العالم بمحمد ﷺ.
يقول مسيحه: «وأكمل كلّ ما أوحى إليه وألهم، وبما أعطاه
الله آخر المعارف وجمع فيه ما أخّر وقدّم، وأرسله إلى كل أسود وأبيض، واختاره لإصلاح
كل أعمى وأصمّ وأبكم، وضمّخه بعطرِ نعمه أزْيدَ مما ضمّخ أحدا من الأنبياء»
كان مبنى الرسالات مبنيا من لبنات كلها نبي بني فلان،
وزمانه ينتهي إلى حد، وهناك غوامض لو تتحدد، وكل كتاب هو كتاب يناسب بني فلان، وبقيت
لبنة لذلك البناء الفخم، لبنة الختام والتمام، وهي لبنة «نبي كل الأقوام وكتابه كتاب
كل البشرية، وحقائقه تضم كل الحكم وروائع التعليم لا تنقص واحدة»
ضمخ أي سكب العطر وعطر.. وما أروع الاستعارة في تصور الرسول
وهو ماثل تنسكب عليه قناني العطر الثمينة الربانية.
«وعلّمه من لدنه، وفهّمه من لدنه، وعرّفه من لدنه، وطهّره
من لدنه، وأدّبه من لدنه، وغسله من لدنه بماء الاصطفاء. فوجب عليه حمدُ هذا الربِّ
الذي كفَل كلَّ أمره بالاستيفاء، وأدخله تحت رداء الإيواء» ما أجمل وصول الإنسان لغايته
التي تتكون من عناصر ثلاث: العلم والفهم عقلا لله والناس، ثم الطهارة والنقاء
ضميرا وقلبا لله والناس، ثم الأدب ومحاسن التعامل والسلوك عملا مع الله تعلى
ومع الناس. هذا هو نظام التكميل والتربية والتعليم الرباني ليتعلم المربون المعلمون
لو كانوا يتعلمون.
وبذلك صار محمد ﷺ متفوقا على جميع العلماء، وترون الفرق
مثلا مقارنة بينه وبين علماء العصر الحديث أنه يقرأ ما خلق الله باسم الله تعالى ويرى
أن كل تفاصيل خلق السماوات والأرض ودوران الفلك ومظاهر الليل والنهار وخلق الله للناس
والدواب والطير وما في البحار أي ما في الكون من الفيزياء والكيمياء والحياة يحدث بمحامد
الله تعالى وبحمده، وهم يرونها باسم أشكال التطور وأنها تحدث من تلقاء نفسها لا تحتاج
لمحامد الله تعالى وحمده.
واستعار الكتاب –نجم الهدى- لتكريم الله كلمة "ماء
الاصطفاء"، ولإنقاذ الله له من كل عدو "رداء الإيواء"، لتبيين علو كعب
بيان الكاتب، إفحاما لناقديه.
ولكن الأغبياء يسخرون أن الله يقول لوليه: "أنت من
مائنا"
ويتابع ولي الله ومسيحه الموعود قائلا: «وأصلح كل شأنه
بنفسه مِن غيرِ منّةِ الأساتذة والآباء والأمراء، وأتمّ عليه من لدنه جميع أنواع الآلاء
والنعماء. فحمده روحُ النبي بحمد لا يبلغ فكرٌ إلى أسراره، ولا تدرك ناظرةٌ حدود أنواره،
وبالغَ في الحمد حتى غاب وفنى في أذكاره. وأمّا سببُ هذا الحمد الكثير.. وسرُّ إحماده،
فهو بحار فضل الله وموالاة إمداده، وعناية الله التي ما وكَلتْه طرفة عين إلى سعيه
واجتهاده، حتى شغفه وجهُ الله حُبًّا وأوحده في وداده، ففار قلبُه لتحميد هذا المحسن
حتى صار الحمد عين مراده» أي صار قلبه يضخ الحمد مع الدم إلى المخ، وصار يتنفس
الحمد. فيقرأ كل مايأتي إليه من الخارج قراءة حامد، مع أن الفضل من الله على كل حال
إلا أن الله تعالى جعل تدخل البشر هنا صفرا فرأى رسول الله ذلك وامتلأ به وفاض عرفانا
وشكرا.