الخميس، 31 يوليو 2014

فيديو مهم للمشاهدة من عيونكم العزيزة.. ولو احتفظنا في عقلنا باعتقاد كمال الله المطلق ورأينا الفساد المطلق ظهر في الأرض: حكمنا بالضرورة أن الله طبق رحمته، وجاء عزاء دينه وبراءة توحيده ونزل مسيحه لامحالة لامحالة ....


ليلة القدر جاءت مع محمد صلى الله عليه وسلم فقبلتها النفوس الطيبة الطاهرة فامتلأ العالم بسببها علما ونورا وخلقا وظل منهم بقية ينهون عن الفساد في الأرض، ثم غشاها ماغشى، ثم عادت مع نزول مسيح محمد عليه السلام

 كل عام وأنتم بخير.
وتذكروا أنكم في زمان ليلة قدر : هي ليلة قدر الإسلام الأولى ولكن كانت محجوبة بالغيوم الكثيفة فانقشعت بتدبير الله تعالى، بنزول مسيح مسلم ومعه نصر من الله بروح وحي عامة، ماء من السماء الروحية أثارت في كل مخترع اختراعه وفي كل باحث عن الحق شعلة بحثه، وسرى منها في كل ذي همة نار همة مصبوغة بصبغته.
عيد سعيد للعالم كله خاصة المسلمين، لأن الله بعث مسيحه في الموعد ولم يتأخر، حتى إذا أطل الإلحاد بقرنه وطغيان أدعياء الدين بفرعنتهم كانت حجة الله قائمة بحمد الله، وصورة الإسلام العظيم تسري وتنتشر، فيهلك يومها من يهلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة، وتعلم نفس ما أحضرت بالقياس لما علّم الله من فصل المقال.
نحن مسلمون نشهد شهادة الإسلام ونستقبل قبلته ونقرأ كتابه القرآن، وندين بالتوحيد، وكتب مسيحنا تفيض حبا وهياما بالنبي الأكرم محمد وبشرح كل دقائق التوحيد الأنقى، وخطب خليفتنا لاتتعدى ذلك أنملة.
لا حاجة لنا إلى نبي بعد رسولنا، ولا نبي لنا بعد محمد صلى الله عليه وسلم،  فالقرآن كامل ومحفوظ، والمسيح الموعود خرج الوعد به من الله تعالى وفم نبيه محمد ولاننتظر بعد رسولنا أحدا غير من خرج اسمه من بين شفتي رسولنا، وهو ابن مريم الذي  يصلح ما أفسد المشايخ من معاني ديننا،  ونبي بني إسرائيل مات بنص القرآن فلن يعود، وشأنه تماما كشأن إيليا النبي الموعود في كتاب اليهود،  ووعد سورة النور في استخلافنا مبدؤه المماثلة مع أمة قبلنا،  وعلاوة لنا أن أمة المحمد خير أمة،  فلابد لنا من عيسى كما وعد الله تعالى في الفاتحة في دعاء الهداية، بوجود المنعم عليهم كل النعمة كما وجد المغضوب عليهم كل الغضب، ولما كانت شدة الغضب وقمته بعد تكذيب مسيحهم فكذلك يوجد مسيحنا  ويغضب الله على مكذبيه.. هاهي جماعة الله التي نشأت بأمره واسمها اختاره الله تعالى بنفسه، هاهي تمشي على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما .  
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  

الأحد، 27 يوليو 2014

قال رمضان تركتكم ومعكم الله ربي وجودا غير منقوص ولاينتهي .. وتركتكم ومعكم القرآن كاملا غير منقوص ولاتنقضي عجائبه / وتركتكم ومعكم تذكرة برسول الله في سجنجل صادق مصدق وهو مسيح الله الحق .. عليهم الصلاة والسلام.. والسجنجل المرآة....... رمضان مضى وانقضى وترك لنا عوضا، نسخة منه لمن أحبه ورضي منه بالبقاء ريثما يعود ولو متنا ففي النسخة سلوى ومنة

 ..

 


بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان مضى ولكنه ترك نسخة منه في الروح .. فلأقرأن القرآن متفهما له ولن أتركه بل أصحبه حتى يأتي رمضان القابل .. كلام الله ماء الروح وشراب الشباب وروعة العثور على المنشود.. ولست هنا في الوجود هملا بل لي رب يملكني وهو غني عني .. وهو يعمل في تطوير حالتي، والزيادة كل يوم لو وافقته على مصلحتي ..
رب هبني صفة الرضا عنك وعن أفعالك إني أحب الرضا عنك، ﻷن أعمالك كلها حكيمة وخيرة ومصلحة للمخلوق.
 رب أحب ماتحب فهبني صفة الصدق في الحب، رب ياملك ممالك الحمد والمجد:

رب اجعلني حبيبا لك واجعل نفسك محبوبي.

اجعلني مسلما لك ومن ذريتي مسلمين لك . تقبل مني هذا الدعاء.

افتح لبلادي طريقا منيرا نحو حبك، وافتح لنورك طريقا لقلوبهم .. يسرلهم سلما لمعرفتك حقا، فيفهموا أنهم في حضرتك دائما، وأن كل حركة منهم تتم تحت بصرك وسمعك، فلعل المجرم أن يترك جرمه ولعل الكاذب أن يعلم أنه انكشف ويجنح نحو الصدق.. برهنت دائما أن الصدق نجاة لا هلاك،  ففهمهم مافهمتني يارحمن الدنيا واﻵخرة.  ليبنوا حياة على الصدق فبئست حياة مبنية على الكذب.

الاثنين، 14 يوليو 2014

المقال الثالث : آيات الله في بيته المحرم، وعبرة الحق في إحرام المحرم، وقبلة الروح وإسلام المسلم.


 

إطلالة رمضانية 3  

بسم الله الرحمن الرحيم

المقال الثالث : مثال من التأمل تدبرا في البقرة:

عندما نقرأ نداء الله لبيت من البيوت الآدمية: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (*) وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ(*).

يامن سجنتم أنفسكم في فكرة بيتكم قد جاء النبي الموعود بتوحيد البيوت .. يامن انزلقتم لمسلسل القتل وهدم البيت، وهو بنيان الرب، الإنسان،  يابيت إسرائيل،  كفوا واذكروا من وهبكم الحياة وأتاح لكم فرصة العمر لتحملوا الرسالة، رسالة البيت العام وتراحمه.

والتذكر ليس سهلا فهو يقتضي الكف عن تعاطي مواد السهو، لذلك تدرج الخطاب من العتاب إلى العقاب.

خطاب قوي اللهجة لمن كان له قلب يحس قوة اللهجة، لإنعاش قسم الذاكرة في المخ وجلاء الصدأ عنه،  وغسله من آثار إدمان المنسيات الملهيات، ليذكر النعم والفضل، وينفخ في صور الجمع واللقاء في نص الآية، لعلهم من ذكر لقاء الله يستحون، لو كان في بعضهم بقية حياء وحياة. 

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (*)

هذا نهوض لبيت آخر من بيوت إبراهيم بعد فشل بيت يعقوب، وهو بيت عام، كان دهرا بيتا للعرب لكنه كان مدخرا للبشر، كبيت مميز بني لذكر الله وإقامة حدوده، أمر الله بتطهيره ليعبده فيه ويعتكف من يختار الله، يتلو حوله ذكر رحمة الله وحمده،  ويوصي من معه بتراحم البيوت الإنسية. بيت مركزي هو أم البيوت.

البيوت أو الدور هي جنات الله المؤقتة، وفيها تتراكم نعم الله على البشر حتى ساعة تاريخه، وتقوى الله في سكناها هو مقدمة لسكنى الجنة، أي البيوت الحقيقية والديار المثالية ( إنا أخلصناهم بخالصة: ذكرى الدار) لاكبيوت الحيوان المبرمجة على الطعام والنوم والتكاثر.

البيت مثل مضروب، وأمر الله لإبراهيم ببناء البيت أي بناء الأسرة  والذرية وقيم السلام والرعاية، تحت ظل عرش الله تعالى، والبيت هو لبنة القرية، وعند الانقسام الخلوي يتناسل البيت لتوجد منه آلاف البيوت من جديد.

القتل فرع من شجرة الجهل، والتعليم قوة، والله هنا يكافح جريان الدم الحرام بالتعليم، فيتلو آياته مصرحا بأسرار التاريخ، معلما للضالين كل الضلال، خاصة في أمر القتل والقتال، كي يتعلموا سر الحج الذي هم فيه مجرد مقلدين، ويرفع لهم مصباحا من سر الكعبة والبناة وعبرة البناء. فيزكيهم العلم لو أخذوه بقوه، وتفاعلوا معه بكل نبل وفتوة.

  هناك علاقة عميقة بين البيت وإبراهيم والقبلة وبين فكرة السلام ونبذ قتل المسالم.

لقد امتحن الله إبراهيم بأوامر قوية،  ليجعل إيمانه متينا، ويثق بالله ويسلم له يقينا.

 إذ قال له ربه أسلم: ماعسى تكون روائح الكلمات غير عطر: أسلم لي وجهتك وأنا أوجهك وثق بي، تنازل عن كل ميول نفسية واجعل العفو الانتقام لي وحسب الحكمة التي أرضى بها؛ أهدك لأحكم التصرفات، وألهمك التصرف الصائب كأنك ملاك مطيع.

 توجه نحوي حيثما تحركت، وجه وجهك نحو وجهي (أي خططي) في صلاتك ونسكك ومحياك وموتك، واجعلني نصب عينيك أيا كان نشاطك. عندما تزرع أو تصنع أو تأكل أو تنام، أو تكون في شئون بيتك أو أصدقائك، فانس رغبات النفس وتذكر مايرضيني، وابحث عن رضاي في ( إكرام الإنسان، وفهم خططي للعمل على ازدهار حياته، ودعوة الإنسان إلى منفعته ومصلحته وبركته) أيها الأواه المنيب العطوف.

 وقال له الله لما فعل مامعناه:  سأهبك لمنفعة الناس، سأجعلك للناس نموذجا لجمال الإنسانية. فما من نفيس عندي إلا ووهبته للناس، فصفتي أنني الرب الرحمن، وأنا حنان منان، أعطي أطيب ماعندي، وقد أنارت صفاتي صفاتك، وقد جعلتك إماما نورا شمسا لنوع البشر، إمام يراه الناس فيعلمون كم أنا وهاب عظيم، وجعلتك آية على فائدة حضوري وفائدة اليقظة لمن يستيقظ في حضرتي، ودليلا للضالين يقودهم لنبع الفهم والتعلم الصحيح، ليفرحوا بالإسلام لي لا ليعتبروا الإسلام منة منهم عليّ، بل هو غنم لهم ونعمة عليهم.

وحين طلب لذريته وعده الله أن الصالحين منهم وحدهم سيكونون أئمة.

 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (*)

أصل البيت أنه مثابة وأمن، وبيت الأسرة مثابة وأمن، فيه سلام للخائف وطعام للجائع واحترام للساكن. والله جعل مكة مثلا للبيت، وشرع دستور حرمة الصيد فيها وحرمة صيد المحرم الذي يقصدها، علامة وإعلانا لحرمة الحياة، وأن الآدمي الذي هو بنيان الرب والأعظم من بنيان الصيد، وهو الأعظم حرمة بالبداهة. 

وجه الله تعالى أو خطة الله تعالى: أن تكون هناك قرية آمنة طاهرة يحترم فيها الإنسان ويتلقى الاحترام، وتسمى البلد الحرام، لها مساحة تسمى الحرم، ويسمى نزيل القرية ضيف الرحمن، يأتي زائرا سائحا يتعلم من القرية أرقى آداب العمران، وأن بناء القرى يجب أن يكون على هذا المثال كنسخة، والقرية لايبيت رجل فيها جوعان.

 وفيها مسجد لعبادته يسمى المسجد الحرام، يتعلم الناس فيه أن من أكرمهم هو الله ربهم، وهو الذي يدفع أجور( ثواب) العمال والخدم الذين يعملون على راحتهم، وأنه هو الذي يجعل خادمهم هنا سيدا عظيما عنده. ثم تكون القرية أما للقرى، تؤخذ منها عينة وتزرع في كل مكان حولها، كما تؤخذ قطعة من البطاطس وتزرع لتكون نواة لشجرة كاملة أخرى.

ويفهم من يتعلم أن الله يكرم من يكرم الإنسان، وتكريم الإنسان والوفاء بحقه هو لب التقوى وهو محط رضا الله، والتكريم لايتم إلا بالتخلي عن الثوائر النفسية، والتخلي عن هيجان الغرائز للانتقام من الإنسان، فطريق الحق هو التخلي التام عن النفس والعكوف على عبادة الله، والالتفات لحمد الله ونشر محامده، والتحري عن معاني مايقول الله،  وما به ينال المرء رضاه، ويتم التعليم بأن يذبح الإنسان باسم الله لحما طيبا، ويهرق دمه ليأكل الإنسان، وليجري دم الإنسان سائلا في بدنه لا أن يهرق دم الإنسان.

ويخرج الناس من القرية ليبنوا قراهم على نموذج أم القرى ونظامها، وفي كل قرية يوجد مسجد للصلاة كالمسجد الحرام، ويتجه المصلي فيه نحو نفس البيت الحرام، ونفس قيمه ومعناه، ويتعلم فيه معنى القرى والقرى بالضم والكسر، ومقياس الكرامة، وتتسع القرى أو المدن وتكثر على هذا المنوال.  

كان أول بيت لآدم في مكة، وكان تعليم اللسان العربي في مكة، ومن مكة تشعبت القرى فهي أمها. وهجرها الناس وكلما مر الزمن افتخروا بالعنصر،  وأراد الله أن يردهم لآدم الأول أبو كل البشر، ويذكرهم أنهم سواسية في العنصر والاستعداد، لئلا تقف فكرة العنصر مانعا من همة الرقي وصنع علاقة راقية مع الله. أراد الله وضع مقياس موحد للبشر: أنتم نفس واحدة، وخصائصكم هي هي، والتقوى ممكنة لكم جميعا، وأعظمكم كرامة هو أعظمكم تقوى، وأعظمكم تقوى هو من ينفع الناس لأجلي.

أراد الله العظيم بكل صفاته العلى أن توجد علامة مادية تذكر بهذا المعنى: وهي البيت. فأنتم جميعا بيت آدم. وإذا اتخذتم ملتكم ملة إبراهيم فإن الله يجعله أبا لكم، ويكون الكل سواء في البنوة، وينشيء للبشرية عهدا جديدا، يسود بينهم سلام، وجنود السلام هم على ملة أبيهم إبراهيم.  لأن الحضارات كانت تطورت في الازدهار، وكان خطر العنصرية يهدد باليأس وبالدمار.

 وقول الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، لا يعني أن يصلي البشر في مكان مادي قام فيه إبراهيم عليه السلام على قدمه، ووجهه نحو وجهة جغرافية، بل أن يصلي البشر في نفس المكانة الروحية التي قام بها إبراهيم أمام الله، واعيا في صلاته لكل الحكم والعبر التي من أجلها بني هذا البيت، مفكرا في الرمز العظيم الذي ترمز إليه هيئة استقبال هذا البيت المحرم، عازما على تنفيذ ماعليه من خطة الله تجاه الإنسان، وفي حالة رضا مطلق بأحكامه وكلامه.

 وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر  قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (*) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (*)

طلب إبراهيم من الله أن يجعل البلدة آمنة للمؤمن فقط، فأجاب الله أنها تظل آمنة من غضب الله لساكنها من جنس الإنسان، حتى ولو كان ساكنها كافرا، بشرط أن يلتزم بأصل فكرة البيت وهي مسالمة الإنسان وإكرامه.

 ومما سبق نعلم أن للبيت كيانا روحيا، وأنه مفتوح لكل قاصد من العالم، يعمره القاصدون مدة زمنية، وجعل الله لفترة القصد أو الحج ذهابا وعودة حرمة قدسية، وسماها الأشهر الحرم، يحرم فيها القتال بين البشر، وجعل للقاصدين زيا خاصا وعلامة تسمى ثياب الإحرام، من لبسها يسمى المحرم، فيتحول المجال المحيط به إلى حرم، وينال الصيد البري أمانا من خطر صيد الرجل المحرم. والقاصدون يأتون كي يتعلموا هذه المعاني، وأن ملة إبراهيم تعني أيضا أن القرية بيت إنساني، وأنه كما أن البيت للأمن والطعام والكرامة، فالقرى كذلك لأمن مواطنيها وطعامهم وكرامتهم.

وليتعلموا من علماء ملة إبراهيم  معنى الاستسلام لله بثقة، وكيف يطيع المرء الله وهو واثق، ووكيف يهزم خواطره وثوائره ويترك ولده في الصحراء حين يأمره الله وهو مستيقن  أنه لايضيع،  كما دخل من قبل نار الناس حبا في الله،  واثقا أن الله سيجعلها بردا وسلاما. ويجربوا كيف تسير أحوال بلدة التواضع وإكرام كل الألوان.

إن لبنات البيت لم تكن من الحجارة، بل كانت من الفهم والعلم والمعرفة، كانت القرية والبيت رمزا هائلا واستعارة بليغة وجملة رائعة، تطوي في باطنها آلاف الجمل والفقرات بل كتبا كاملة من التأملات، كلها تشير لصفات الله ذي الكمالات والجمال، واقتلاع حجارة البيت ليس هدم البناء بل هدم المعنى وحقيقة الخطة الربانية وما أودع الله في البيت من المثابة والأمن لبني الإنسان.

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (*) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (*)

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِينَ (*) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (*)

إبراهيم يدعو الله تعالى أن يجعل الإسلام صفة ثابتة فيه وبنيه، ويتضرع إليه من أجل تطهير نفسه وتطهير بنيه، وأن يرسل فيهم من يحييهم ويعيد تفهيم معاني البيت والحرم لو ماتت قلوبهم، ونسوا عبرة البيت ولماذا هم في هذا المكان، وتاريخ هذا البناء ومقاصده. وهذه السورة نفسها هي الجواب، وهذا أعجب العجاب.

 وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (*) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (*) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (*)

الدين مع حرفي: أل، هو الدين كما يليق به التمام والكمال والحسن الفتان، فهو العهد والالتزام والحضارة والوفاء اللازم والنهج القويم .. وعبرة البيت جزء من الدين وترمز للسلامة والمسالمة وللإسلام، وللحضارة والوفاء والدولة الآمنة العادلة، والحكم الرشيد والمواطنة الصالحة، والنهج العلمي في البحث، وضبط المشاعر بوحي الله، وكل معاني الدين الصحيح فقد جاءت في وصية هؤلاء الرسل لبنيهم. وهي العبرة التي تم هدمها حجرا حجرا بعد ذلك، ومن ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ليعيد للبيت طهارته ومعناه، وأرسل أيضا أخيرا من يعيد للبيت طهارته ومعناه.  

البيت ليسكنه الأبناء، والبيت حتى لو بني في الشام أو مصر فيجب أن يكون على نفس النهج، والوجهة والملة هي الإسلام، الثقة الكاملة اللانهائية في أن أمر الله هو السعادة، وهي وصية المحب لحبيبه وأعظم الهدايا من الطبيب، وهي منتهى طيبة النفس والتواضع للناس، والميل للعدل والإحسان، ونشر السلام والإنصاف، البيت ضربه الله مثلا للسلام، لذلك تركز رمز ديننا في قبلة: البيت.

والبيت رمز لما أقامه الله من جماعة إنسانية وبناها، فهو الذي خلقنا ذكرا وأنثى ومنهما يبث الله النسل، وفي البيت يتربى المرء تحت رعاية فطرة الأمومة على كل مافيه تفاهم وتواد، وفعل خير متبادل، وعدل وتقويم بميزان محكم. وفي مذهب الأمومة لا يصح أن تسبب الخلافات الفكرية عداوة.  

والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، فلا يحاربهم معتديا قاطعا رحمهم مقطعا صلاتهم، متمردا على ما يجمعهم: من علاقة القرابة والصداقة والزمالة، ثم الجوار والأخوة والمواطنة.

 ثم المسلم من أسلم عقله وعالمه القلبي وخطط حياته وآماله لله وحده، يأمره بما يشاء فيسالم الله ولايحاربه بالتمرد على أمره وعصيانه.

لا قتل إلا نفس بنفس أو دفاع عن النفس.. والبعد عن القتل هو مفتاح السلام، وطالما ابتعدنا عن حل القتل فسنضطر لتجربة التفاهم والصبر، ثم للعدل والإحسان، ثم للدعاء والاحتكام إلى الله.  والطاغية مثله كمثل ابن آدم القاتل، لايجد حلا لخطته سوى باللجوء للقتل، فالقتل الحرام هو مفتاح الخراب البشري. 

لقد اختار الله تعالى لإبراهيم أن يبني لكل الإنسان فكرة البيت ومشروع البيت وبناء البيت، وجعل المسجد هو البيت ومثلا مضروبا له.  

دينه الإسلام بشموله: أن يبذل نفسه نسكا لله، حبا لذات الله تعالى، وأن يذبح نفسه عند بيت الله أي يذبح ثوائره، وقبلته ووجهته هي السلام للناس كما هو الحال في البيت، ووصية إبراهيم لذريته ومهما تناسلت من بعده: لاتموتن إلا وأنتم في حالة الإسلام الشامل.  

 

 

المقال الثاني إطلالة على القرآن : شم العطور من سورة البقرة وتنسم الهواء النقي البارد ، والاغتسال بالماء الطهور وارتداء ثياب جديدة هي لباس التقوى للمتقين


إطلالة على القرآن الكريم 2  

المقال الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
 إطلالة رمضانية مع البقرة

إطلالة على كامل القرآن في رمضان، كتاب بلاغ مثالي: نسخة واحدة لاغير، قرآن محفوظ، ماعيبه؟ تتألق فيه شخصية محمد صلى الله عليه وسلم والله يخاطبه كما يخاطب صديق صديقه. يثني على خلقه ويرقيه حتى المعارج العليا، يطمئنه ويحذره وينصحه. ويعلمه الحجج والأدلة ويشجعه على التحدي والثبات ولو بالمباهلة الساطعة.

استعرضت في القرآن روائح وروائع مشروع الله تعالى لإتاحة فرصة الرقي للبشر.

وباصطحاب عقلية الجودة وشروطها: فلقد كان مشروعا يتصف بالجودة الشاملة.

المشروع هو رفع شمس للناس ليهتدي بنورها من يريد، هاهي إدارة المشروع  بيد الله تعالى والإدارة تريد الجودة. واختارت الإدارة أفضل الناس لينفذ المشروع على يديه، ووفر له كتاب الجودة ووثائقها ومفتشيها، وفيه عمليات التكوين والصناعة النفسية والزكاة وكيفية مراقبتها وقبولها. الله طيب لايقبل إلا الطيب وهناك علامات للعمل الصالح وبركات تنزل على الصالحين والقرى الصالحة.

كتاب لاعيب فيه. وتتعجب ممن يقول أن القرآن يحوي الأخطاء النحوية. لقد كشف القائل بهذا سقوطه كليا وفضح انهيار بنائه كله، حيث ثبت من هذه التهمة تحامله وسوء أدبه وكذبه كالشمس في الظهيرة، وسوء النية وانحطاط مشروعه النقدي برمته.

بحثت عن جملة فيها عيب واحد، فتشت السور فوجدته كتابا كله دعوة للسمو ولاعيب في قصة من قصصه. ماعيب قصة آدم وما علم الله وما حاسب؟ ماعيب قصة بني إسرائيل وما أنجى الله وأخذ المواثيق وما عاقب؟ ماالعيب في قصة إبراهيم والبيت وما يجب له؟ ماذا نأخذ عليه في السماح بالدفاع عن النفس وتحريم العدوان؟ ما أروع شرعة المنزل وآداب الصدقات، أهذا يقال له مريض يهلوس؟ لما عقمت نساؤهم أن تلد عاقلا مثله رموه بالهلوسة. ياللعجب! أهذا يقال له ( كان يشك في وحيه؟ أو: لماذا تأخر الوحي عنه ولماذا أراد الانتحار؟ ) رأيت كلاما تحترمه الفطرة البسيطة السليمة كلما تقدمت.

ولكن حسن القرآن كاف ليغيظ النفوس المريضة. فجلاله شيء يصلي قلوب أهل الباطل كما يصلي الجمال الرائع قلوب الحاسدات القبيحات. يالهول المنظر، هل أعذر مذيعي القنوات الطافحة بالغل والحقد عندما ينهزمون أمام طوفان من العظمة الشامخة.؟؟

شهر رمضان وحضور الإنسان الريان أمام الرحمن

الناس في العادة صائمون عن تناول كلام الله، وبهم جوع روحي شديد ومن عجب أنهم لايتوجعون منه، وفي نفس الوقت فهم مفطرون على تناول طعام وشراب لايتعمقون ذكر اسم الله عليه إذا ذكروه.

ورمضان يقول للناس أن كفى صوما عن كلام ربكم، وكفوا قليلا عن طعام الجسم والتفتوا لطعام الروح، فما أشد جوعها الذي يراه الله،   وحان أن تفطروا في رمضان حيث يحل الإفطار على كلام الله تعالى.

وأنظر في القرآن فتوقفني الفاتحة في حضرة ربي مخاطبا بعد الثناء والشكران، وأجدني أستعمل أسلوب المخاطب قائلا إياك نعبد وإياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم.

مستحضرا بحر التفسير الذي يوجد في كرامات الصادقين، حاضرا أمامه سبحانه، أمضي في القراءة لأكتشف أنه تعالى حاضر دائما، وكان حاضرا دائما. وأرى مناديه يقول لي ما خلاصته: لاتجعل لله ندا وهو خلقك، ثم هو حاضر معك لايفارقك.

في سورة البقرة العظمى يوقفني تعالى أمامه في جلال ويخاطبني في حضرته سبحانه قائلا: يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم.

يتحدى الله بعظمة الكتاب وجماله في اعتزاز ويطالب بالتواضع أمامه. فيليق بالإنسان المعاند ستر الهزيمة بجمال التواضع والاعتراف، ويتوعد ربي بالعذاب المهزومين في التحدي، لأن من الجرم أن تجمع بين قبح الهزيمة وقبح الاستكبار.

كان الله حاضرا وهو يبني المسكن وهو يفرشه ويؤثثه ويخلقنا، وكان حاضرا وهو يستخلفنا ويعلن النبأ لعقلاء الكون، وعلم أبانا في حضرته العليا، وأوحي للملائكة أن تسجد له وهو يدخله الجنة يأكل منها هنيئا مريئا رغدا حيث يشاء.

وكان ربنا الرحمن حاضرا ساعة الزلة والوسوسة والنسيان والمخالفة وعند العقاب والتأديب وعند الاعتذار والندم  وعند التوبة والإنابة.

موجود يرعى تكوين الأجنة وحاضر عند الولادات  ورقيب شهيد عند التكاثر وعند الاضطهاد وطغيان المبيد، وأرسل رسله بحبال الإنقاذ ومعهم جند نصير شديد البأس، وكان حاضرا عندما غرق فرعون ونجا المستضعفون من شعب إسرائيل. ولم يترك العالم ويمضي بعيدا يوما، بل كان أبدا حيا قيوما، وكان حاضرا لما قال ملحدوا بني إسرائيل: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فنزلت صاعقة صفعتهم ثم عفا الله عنهم وأفاقوا واعتذروا وعالجهم الله بطبه سبحانه.

ياه ياه على هذا الإنسان وملكة البلادة واللامبالاة فيه. كان الله  عند كل تمرد وكل سوء ظن، وكان حاضرا عند كل كارثة تصيب من يتمرد ويسيء الظن. حضرت الأمم أمامه مرارا وأعطت العهود والمواثيق تكرارا، ووصاهم الله ليلا ونهارا: هاهو الكتاب والفرقان فرصة لكم لعلكم تختارون التطور نحو التطهر وتبتعدون عن التهور عائدين نحو الحيوانية.  خذوا ماآتيناكم بقوة.

حاضر لم يغب أبدا

 ويسمع العالم في البقرة قصة الذين أقسموا على الطاعة ثم أدمنوا التلكؤ عندما تأتي ساعة تنفيذ الطاعة، يتصرفون عند أمر بسيط واضح (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وكأنه عقدة ومعضلة، وتجري المراسلات مع الله يطلبون التوضيح مدعين أن الأمور  لازالت غير واضحة. أفبعدما رأيتم ما رأيتم تتلكأون في بلادة تلميذ فاشل أو كمدمن ذاهل؟؟!!!

الله حاضر عندما يتآمرون، ويفضح تدبيرهم  ويذيع نصوص الحوارات السرية ويفشل الخطة، ويكشف عن وعاء الحقد والحسد، ويعلن الوقوف بجانب الصالحين ويبذل النصح ويرشد بالمنطق ويحدد ملامح الفساد والمفسدين.

كل عجل عبدوه عبدوه وهو حاضر سبحانه، وكل رسول قتلوه قتلوه والله حاضر سبحانه، وكل كتاب حرفوه حرفوه على مشهد من الشرطة والقضاء وجنود العقاب وزبانية الجحيم,

الحضور الإلهي ينتقل أمامي بين الأزمان، من مشاهد الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه إلى مشاهد بناء المدينة الأولى وبناء البيت الأول. كان الله تعالى حاضرا وإبراهيم يبني اللبنات، ويذيع الله تعالى تسجيلا لوقفة إبراهيم في حضرته تعالى: يطلب من الله الأمن للبلدة والرزق حتى لايجوعوا في هذه الصحراء. ثم وقفته يطلب من الله الحاضر قبول العمل والبناء، وأن يجعلهم مسلمين راسخين في قرار الإسلام بفضله، بأن  ينزل عليهم روحا من الحب والعزم، به يحيون في سلم معه، مراعين لحضوره منفذين لكلماته بسلاسة وحسن ظن ورضا.

أمة تنبعث وتتيقظ وتولد أمام الناس

في سورة البقرة نرى أمة تولد تحت ضوء الظهيرة، ونشاهد الآيات كلبنات مرصوصة مثل قصر منيف جديد ليسكنه المؤمنون الجدد: قصر له نظام سلوك مبني على شريعة "البيت"، الذي هو خلية الحياة الإنسانية المميزة، الذي تشبه تجهيزاته ومفروشاته لنمونا وتطورنا تجهيزات الكون  ومفروشاته ومعروشاته. وتشبه علاقاته من أبوة وأمومة وأخوة علاقاتنا بالله ربنا والملائكة أوليائنا. البيت الذي هو حصن لجوء عالمي آمن، البيت الذي كله تراحم وتفهم ومودة، ومواده من السلام والطعام والأمن ليتمكن الناس من عبادة الله تعالى والتفرغ للصعود رقيا نحو مراضيه. بيت يستضيف الله فيه كل فار من اضطهاد مهما كان فكره المسالم، بيت هو محل الضيافة الربانية للقادم، بيت: الله فيه هو الرقيب الحسيب، بيت لبني آدم جميعا وإبراهيم بانيه ومؤسسه ومحمد مطهره ومجدده. بيت هو رمز لعيش مختلف عن عيش يلوثه الكذب والعدوان والشرك والكفران .. وخلال تقدم سورة البقرة ترتسم ملامح البر والتقوى الفتانة الحلوة، التي يكتسبها الصائمون عن طعام هذا العالم ومشيئتهم وهواهم، والمفطرون على طعام تقدمه لهم يد الله تعالى، من أمر ربهم وأوامره ومايقدم الله لهم  من كلام هو الحياة، وهو روح من أمر الله وهو ماء السماء الخصب.

في البقرة نرى ملامح سماوات جديدة وأرض جديدة تتشكل وتكتسب صورتها رويدا .. بالتوازي مع شهود سماوات قديمة تتهاوى فلايكاد يبين منها أثر، وتصل رسالة عميقة بليغة مؤثرة مخيفة في آن من خلال فهم العبرة السابقة الكامنة في أمة بني إسرائيل الذين صدئت أفهامهم.  آتاهم الله كما هائلا من الآيات البينة على استحقاقه للعبادة والحب وحده، وأنه هو وحده المنقذ لهم والعالم كله حولهم يحاول إهلاكهم ولامنقذ كل مرة إلا الله.

في حضرة الله تــنــتـــــبـــه الأمم،  وفي حضرته تغفل وتتناول المخدر وتسكر وتعمى عن حضوره سبحانه، الأمم في حياتها وموتها والقرى في حياتها وموتها وبعثها هي موضوع سورة البقرة، وأسباب الموت واضحة كوضوح أسباب الحياة. ومن أهم أسباب الحياة ترك أسباب السكر، ونبذ كل ماهو مذهل يحطم الوعي، فلا نكتفي بالخمور بل نجتنبها هي وأخواتها، ومن المسكرات الغرام بالشهوات والغرور بالسلطة والجاه، ومن شروط الحياة أن نجتنب الجهل ونلتزم العدل مع اليتامى والضعفاء، ونرعى معاملة الزوجات بالرحمة والتعاطف وبالحسنى والمنطق، ورعاية أخوة الإسلام والإنسانية عند الفراق والانفصال.

في ربعين: ( يسألونك عن الخمر، والوالدات يرضعن)  هالني أن الله تعالى يزيد من رتم تكرار الأسماء الحسنى، يحقن بها الحياة في نسيجنا لو تقبلنا وتفاعلنا مع مادة الحقن، ليشدد بقوة على حضوره وحضرته وعلمه وسمعه حين نتعامل في البيت، ويذكر صفات المغفرة والحلم والرحمة كناية عن رؤيته لكل مايحدث، وإمهاله وإعطائه الفرصة وانتظاره رد فعل مناسب منا،  وينفخ في صور : الله يعلم،  إن الله عزيز حكيم، والله سميع عليم، والله غفور حليم، إن الله غفور رحيم،  إن الله سميع عليم، والله عزيز حكيم، واعلموا أن الله بكل شيء عليم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير، واعلموا أن الله بما تعملون خبير. واعلموا أن الله غفور حليم.

   أفيقوا من سكر الغفلة واللامبالاة

اعلموا اعلموا اعلموا، وانتبهوا إلى الوضع الصارم: أن الله يعلم سركم وجهركم، ويحلم فلا يعجل عقابكم، ويسمع ويرى وهو خبير وبصير. هل قصر الله تعالى في التنبيه؟ حاشاه ونحن الظالمون.  سقوفنا مفتوحة أمامه سبحانه، وضعفاؤنا محل رعايته وحضه على الرعاية، وموت المجتمعات يبدأ أمامه تعالى من ظلم القوي فيها للضعيف، بدءا بالزوج والفقير والمسكين، وصولا إلى ضعفاء زحمة المجتمع وبؤساء موجه المتلاطم.  ومن أهم أسباب الموت سوء اكتساب المال، وانهماك البعض في النشاط الأناني وترك الآخرين نهب الإهمال، وعدم إشراك المجتمع معا في النشاط والأعمال،  فلا يأخذ البعض بيد البعض ليرفعوهم للوعي والفهم والصلاحية،  بل يشيع اتباع خطوات الشيطان بالبخل والضن على المساكين ورقيقي الحال، وهضم حقوق الأجراء وإذلال الفقراء أوإلجائهم لخلع برقع الخجل ومهانة السؤال.

الحي القيوم الذي لاينام ينادي للحياة واليقظة لأن عدو الإنسان ماكر ساهر.

ومن أسباب الحياة قتل المال بفن رباني بديع.. يفتدي المجتمع نفسه بذبح كبش المال بالنفقة وإهلاكه في قتل الفقر وقتل البخل معه. ويشرع كلام الله تعالى للصدقات شريعة سامية عالية السمك رائعة: فيها النفقة دون من ولا أذى ولا خدش للحياء، وتقدم بطريقة راقية وابتغاء وجه الله تعالى بلا رياء،  ومن الطيّب وخفية وبعد توسم وتفهم وليلا ونهارا. ويحرم الربا ويعيد للناس أصل المال، ويشرع كتابة الديون في توثيق رسمي لو تم اتباعه فهو ينشيء الحضارة.

في كل مانزل من عند الله تجد صلاح البيت وصلاح البيت الواسع وهو المدينة وصلاح البيت الآدمي الذي جاء رسول الله يلم شمله في وعاء واحد ..

 

مقال أول مع إنصات لربنا وهو يتكلم، : الله غاضب غاضب والعذاب على الناس نازل نازل ، ورمضان رحمة من الله للنظر في كلام الله ، لعل القوم حملة الكتاب يتفرغون لربهم يوما فيتوبوا فتنزل النجاة والنجدة


إطلالة على القرآن الكريم لأخذه بقوة فرارا من غضب الله

بسم الله الرحمن الرحيم

المقال الأول  إطلالة أولى

القرآن يشمل مجمعا كبيرا لكلام الله تعالى بنصه، وفي كلام الله تعالى عوالم كالمجرات لم تمسسها يد مخلوق، والمجرات القرآنية فيها علوم عدة، وعلوم القرآن كشأن العلوم كلها لها مراجع واعتماد، فلابد أن يكون المفسر من المطهرين، ولها شهادات وتوثيق، وتنمو تلك العلوم وسط بيئة متخصصة اعتمدها الله.

ويسألونك هل أنت متخصص في الدين؟ فقل لهم علمني المتخصص المعتمد الشهادة من الله تعالى بذاته، مسيحه تعالى ابن مريم الذي وعد به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.  

 وتكتمل العلوم القرآنية رويدا في مجال هذا المسيح كما تكتمل العلوم الكيميائية بين مختبرات الكليات المختصة، ولها علماء بلغوا من العلم مبلغا لطول الخبرة وعمق الفهم. وبيئة الخلفاء كانت هي بيئة الفهم وجامعة القرآن.

لقد جاء ابن مريم من عند الله لتفهيم أمثال القرآن.

 وعلمه الله كيف تكلم في القرآن بأمثال، (ومنها مثل آدم ومثل عيسى ومريم)،  ونال شهادة من الله بحسن فهمه لكلامه، فصار مصدرا متخصصا يعتمد عليه، ونال وحيا جائزة: هو تنزيل لسان العرب في قلبه مع سليقة فطرية تحسن اللغة والبلاغة، في شكل مدهش يعتبر ظاهرة تستحق أن يعكف عليها مجامع لغة العرب ليروا ماذا أهدى الله لهم من روعة الجلال. ومن كتبه نعلم عمق آية (إن الله لايستحيي أن يضرب مثلا ما).

القرآن بأمثاله العميقة جزء من نظم التفهيم والتعليم والتطوير، وهو روح ابتلاء للروح وجلاء المخ والعقل حتى يصير حادا بصيرا. لتستقر في الذهن القناعة أن الله هو الأحد العليم الحكيم وأنه تعالى رحمن يخترع طرقا فعالة، ليجمع الإنسان في وعيه أكبر كمية من الاستنارة، ليتمكن من حسن السلوك في تلافيف هذا الوجود الكبير المعقد.

وقد استعمل الله التماثل بين معنى سهل وصعب، لتفهيم ولتيسير الصعب. والتماثل بين مأنوس وغريب ليفهم الغريب ويصير مأنوسا.

مثلا لتقريب معنى التوحيد لأبسط العقول جعل الله الحياة الزوجية تتسم بغيرة الزوج على قلب الزوجة ورحمها، لايطيق أن يتربع على قلبها ورحمها سواه،  وتجاوبا مع خلق الغيرة، وتقريبا لفهم غيرة الله على قلب عبده، فقد ضرب الله مثلا للمشرك امرأتين تخونان خير الأزواج، وهما امرأة نوح وامرأة لوط.  

ولتقريب فهم الصعب استعمل الله لغات كالرؤى وبلاغة الاستعارات، وهي المتشابهات، لا لإبعاد المعاني حاشاه، بل لصيانتها عن العبث ولتقريبها للطيبين وسبحانه في علاه.

هدى الله مسيحه الموعود إلى فهم مثل مريم المضروب للمؤمن في سورة التحريم، وكيف ينفخ الله في هذا المؤمن من روحه تعالى عندما يحصن المؤمن فرجه، ويصدق كلام الله تعالى ويثق في صفاته ومن ثم وعوده،  كمثل مضروب على أن الله يكافيء المؤمن المحافظ، فيعيد خلقه ويكمله تكميلا خاصا، كأنه عيسى النبي تولد من مريم الصديقة.   

الخلق الكوني فينا وحولنا سوي مسوى ومرتب، وبحاره  واسعة، والعمق كبير، والهدف من الصفقة الكلية عظيم، والمواهب الكامنة قيّمة، والاحتمالات واسعة، والله يساعدنا على التأقلم والفهم، والخروج من دائرة الجهل للعلم، والتعامل مع كل ماحولنا وفينا، من عمارات استغرق بناؤها 15 مليار عام قبل مجيئنا، لنستفيد من بناء مشيد ومكنون، وتراكيب متداخلة اقتضاها عالم الابتلاء والتسوية. 

ويستخدم الله تعالى الأمثال بكثافة لتقريب البعيد للأذهان. سواء في عالم الواقع أو عالم النصوص.

ومن أول لحظة نهبط فيها للعالم يضرب الله لنا مثلا يقرب إلينا صفات ذاته تعالى، فالله سبحانه يسوق إلينا صفاته من البداية، لأن ذاته ليست في المتناول، فهاهو مثل الأمومة وعطفها، مثل بليغ على رحمة الله وحبه، ومؤشر بالغ القوة على هدفه النهائي من وجودنا وابتلاءاتنا. مثل كبير هائل، فيه الأمومة تستقبلنا كمثل على صفة رحمة الله ربنا، لنفهم أن الكون يرحب بنا من حيث المبدأ لاعدو لنا، والكون مرآة لمراد الله، وأن من خلقنا محب لاكاره، ولما خلقنا أرسل رسالة حب، فقد خلقنا عاجزين عمدا ليرسل لنا رسالة تطمين؛ تطمئننا أننا شيء خاص جدا.

لسنا إذن كيرقات خارجة من بيض الأسماك بالملايين، متروكة للافتراس ليقل عددها، بل إن شعور رؤوسنا محصاة منذ البداية، والواحد منا له أم واحدة خاصة، موظفة له بقوة داخلها قاهرة، موظفة أجرها هو مشاهدته بخير، ولاتنتظر أجرا آخر، تنتظره ليخرج لتحتضنه، وتدفع عنه العوادي، وتنظر كل حاجاته حتى النظافة والدفء. وتهرع به إلى الطبيب والهة حيرى، ويمتد عرض ابتسامتها شرقا وغربا إذا عوفي وشفي.  

وكذلك الحال مع عطف الأبوة ورعايتها، وحجزها لنا عما يضرنا وزجر رغبتنا في أشياء لاتنفعنا بل تقتلنا. فلاهم للوالدين سوى خيرنا: نمونا ورفاهيتنا وتأنسننا، وسلامتنا وسرورنا، غرضهما ثابت يأخذ أشكالا شتى، لايجوز أن يصرفنا شكل منها عن ثبات الغرض، فتارة يأخذ الحب شكل عطاء لعبة وجلب سرور، وتارة يأخذ شكل حرمان من شيء، أو إجبار على شرب دواء مر، لافرق بين جوهر فعل العطاء وجوهر فعل المنع، ولاغرض لهما سوى الرحمة والحب والتنمية سواء في فعل العطاء أو المنع:  حتى يتغلغل في خلايا المخ وأعماق الوعي فحوى اسم الله الرحمن الرحيم، وتتأطر سيرة الخالق في إطار الرحمة والتربية والطيبة المطلقة، وحتى يرسخ في الذهن أن حياتنا مطلوبة وموتنا مكروه من حيث المبدأ والأساس. وأن وجودنا مقدر محصور في إطار قدر حياة لاإعدام، بل إنه حتى مرضنا فهو شيء غير محبوب، بل له بالطول أو بالعرض نوع من الدواء. لنفسر في هذه الأطر كل نظم الله تعالى، وما يربينا به من تموين وسياسات، كأفراد وكأسر بل كأمم. ولنفهم تحرك أمة لإنقاذ أمة مستضعفة عندما ندعى إليه على أنه حياة وليس حرصا من الله على إماتتنا، ولنصدق الله تعالى بعد ذلك عندما يقول أنه خلقنا ودعانا للحياة، وليقرب الله إلينا أن موتنا لايمكن أن يكون للموت بل لابد أنه باب لنوع من الحياة.

   ونوه الله تعالى في القرآن بالأبوين وصنيعهما، وحبهما والعرفان بجميلهما، ونهى عن عبادتهما، فماهما إلا رسالة من الله ربهما، وما هما رغم كل عطفهما إلا مفطوران في عطفهما. تقديرهما فرض، ولكن التقدير الحقيقي هو لمن ساقهما سوقا إلى الرحمة، وجعل لهما متعة وعذوبة في عذابات التربية، ومعاناة مرارات الكسب والتربية، وتحمل كل أحمال الكدح المضني حتى يشب الوليد ويقوى، ويتحول إلى شاب هيكل يتحرك بقوة، على حساب هياكلهما التي تهاوت في ضعف وهشاشة.

ولهذا يطلب القرآن من الإنسان بكل قوة أمرين، هما الإحسان إلى الوالدين، ولكن مع أولوية العلاقة الخاصة مع الله تعالى: فلو جاهداك على غرس فكرة الشرك في قلبك فلا تطعهما، ولاتقبل هذا منهما، فهما في هذا الأمر سيكونا قاتلين حقيقيين، وعدوين لاصديقين، ورغم ذلك عاملهما بالمعروف رغم رفض الشرك.

وعلينا أن نسلك نفس السلوك مع المدرسين والوعاظ، فنحرص على علاقة مباشرة مع الله الحي القيوم فلا نقع في عبادتهم، لأن دروس الله فينا تسبق دروسهم، وهي كثيرة قبل أن نصل إليهم، ومواعظ الله صارخة مباشرة تهتف أنه واحد: نظامه واحد، وكل ما حولنا عطاء له غاية واحدة، وتسخير الكون كله بتنوع تكويناته لمصلحتنا، كأننا قبلة الكون، تتجه لمصلحتنا كل مساعيه، مجموع هذا يدل على الأحد الغيور الجدير بالحب وحده.   

وقد خلق الله تعالى نظم الكون كلها أمثالا على بعضها.

 السهل منها يذلل الصعب، والمفصل منها يقسم المعقد، وجعل كل النظم تقرب العقل من ربه، وتقنع بالرحمة والبعث. فرتب نظم الليل والنهار، ودوران الأرض حول الشمس في دورات، فتنتج الدورات نظم النبات خاصة ودورات الفصول، فيرى الإنسان دورة الربيع بعينيه، وحتى لو جهل علم الفلك ولم يصل لفكرة دوران الأرض حول الشمس وظن العكس، فإن أهم عبرة في الدوران هو الفصول، وهي حاضرة أمامه تنطق بالدورة، وأهم مافي الدورة هو حتمية الربيع، وأن الحياة هي التي تطارد الموت فتهزمه، وأن النهار بالتالي هو الذي يطارد الليل فيهزمه،  ليستقر في وجدان الإنسان دائما أن الله جعل النهار سابقا لليل لا العكس، وسبق الشيء هو غلبته في ثنائية الوجود، في سبيل ترسيخ هذا الإطار العام لوجودنا، وأن البعث والإحياء نهاية أمورنا، وأن الجفاف لن يدركنا إلا وخلفه ماء يطارده، وهذا هو معنى: لاإله إلا الله، حيث الإله هو المنقذ المنجد المدرك المسعف المداوي الباعث المنعش، رب النماء والزيادة. وأن إلى ربك المنتهى.

 ليحسن بالله ظننا وننتظر من يده الخير، ولو من سبل المنع بل من بعض صور الموت، موقنين أن الحياة هي قدر وجودنا، منذ كتبنا الله في سفر الولادة، وأن كل موت فهو موت صغير، ومرحلة من مراحل بلاء في إطار إحياء كبير.

ولقد كان هذا النظام في التوعية مجديا وناجعا، فما إن تحيط بالإنسان نذر الموت أو الكوارث حتى يهب ينادي الله ضارعا منيبا، في إلف وأمل ورجاء شديد، كأنه يعرفه من زمن بعيد، فيجيب الله وينقذه، وتتكرر المشكلة من جديد، فيدعو الإنسان الله فينقذه الله كما هو يبديء ويعيد.

وهكذا شاع في الأرض وعي دفين بأن الله موجود، يعود الإنسان إليه عندما تسخو نفسه بالاعتراف وتجود، ويستهبل الإنسان ويتجاهل حينما يشاء ويشاء له الكنود. ويستلطخ غيره ليسود عليه، ويمص دماءه ثم يمن عليه.    

ولقد جعل الله من تاريخ الأمم السابقة مثلا مضروبا للأمم اللاحقة، ومن رحمته أن الأمم السابقة أقل عددا، والأمم اللاحقة أكثر وأكثف.

فجعل الله القليل مثلا للكثير لينقذ الكثير.

ولما أوشكت الأرض أن تمتليء بالسكان، واقتربت من المليارات بدلا من عشرات ثم مئات الملايين، وكان من شعوبهم السابقة شعب حمل رسالة في زمن من الأزمان، وتمت معه دورات تطابق دورات الحياة، وجرى عليه الليل والنهار، والشتاء والربيع والصيف والخريف، وهو شعب بني إسرائيل، فقد سبق الله الأحداث وقص الله قصصه تفصيلا في القرآن، وضربه مثلا للعالمين جميعا، فبنوا آدم من نفس واحدة، ولافرق بين الشعوب، ففيهم الصالح والطالح، بل من كانوا قبلهم كانوا أشد منهم شرا، فأبيد البعض إبادة تامة، ونجى الله الرسل مع الصالحين فقط، ليحدث من دراسة تاريخهم وطول التعود على قصتهم وعي عميق بمثلهم، وحيازة كنز ثمين ثري للاعتبار، فتتجنب الشعوب مصيرا مثل مصيرهم، خاصة أن القرآن رسالة لجميع الشعوب وهذا مجرد شعب منهم.

وفي العصر الحديث، عصر الجموع الغفيرة، حيث الرحمة الكبرى لازمة لتلك لجماهير الكثيفة، أرسل الله المسيح الموعود المحتم نزوله، الذي كان لابد أن يجيء منا حسب وعد رسولنا الخاتم، صلى الله عليهم ويسلم،  فعمق في القلوب إعادة قراءة القرآن في ضوء مبدأ التناظر، وأخذ كلام الله تعالى بجدية ورجولة، وتناول وعوده بقوة وصدق، واحترام مبدأ ضرب الأمثال، وتطابق النظائر، وتناظر المصائر، ومن تطبيقات المبدأ تشابه سلسلة الأمة الإسلامية مع سلسلة الأمة الموسوية، التي يشكل عيسى بن مريم عليه السلام حلقة منها هي الأخيرة، وليس كما يشاع أمة منفصلة، فالحق الحق أن عيسى عليه السلام ماجاء لينقض الناموس بل ليكمل، وما علمه الله التوراة عبثا، ومن آمنوا به فهم من الأمة الموسوية شاءوا أم أبوا، وانتسبوا أو تبرأوا.

ومن تطبيقات هذا التناظر أن لكل من الأمتين موساها وكتابها وخلفاؤها وعيساها، حتى أن لكل منهما صعودا وهبوطا متكررا، وماذاك إلا من وحدة الطبيعة الإنسانية، وأن الإنسان نظير الإنسان، ورغم أن هناك فروقا مثل أن الله استحفظهم الكتاب ولم يستحفظ الأمة الإسلامية، حيث قام هو تعالى بنفسه بمهمة الحفظ ولم يكلها للمخلوقين، لما في الأمر من خطورة خاصة، ووجوب حفظه كأنه الشمس ليظل ينير للعالمين. وهو الفرق بين كتاب لشعب وزمن مضيا، وكتاب لكل الشعوب المقبلة، وكل الأزمان المستقبلة، وليبحث القرآن عن رجل يطبق أوضح الواضحات من الفرائض، ويجتنب أكبر الكبائر، فإذا وجده القرآن فيهبه الله الغامضات من المعاني، ويكمله باجتناب الصغائر ويطهره تطهيرا. وحين يحدث ذلك مع رجل مخصوص في زمن مخصوص، يرعى القرآن وقدوة محمد رعاية مخصوصة، كثير الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم، فيهبه الله من كشف الأسرار والغوامض ماله أثر وشوكة،  ومايعيد إلى الأرض عباد الرحمان الذين لايشهدون زورا ولا يخرون على الآيات كالخشب المسندة، يصطبغون بصبغة ربهم الرحمن: (يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما، والذين لايدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون).   

  وتطبيقا لمبدأ التناظر بين كل من عيسى (الإسلام العام) وعيسى (بني إسرائيل الخاص)، نعلم أن كلا منهما علم لساعة من جاء لهم؛ فعيساهم، أعني عيسى نبي بني إسرائيل عليه السلام، هو علم لنهاية استخلاف الأمة الإسرائيلية خاصة، فلا نبوة فيهم بعد، حيث نزع الله منهم النبوة خلال زمنه عليه السلام، ونزعت منهم حتى الولاية ببعث محمد عليه الصلاة والسلام الخاتم، وكذلك عيسانا، أعني عيسى العام، عيسى الإسلام عليه السلام، فقد جاء علما للساعة العامة، فيؤكد ويشرح باستفاضة بالغة التألق نهاية استخلاف أي نبوة غير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم علم لقرب وشيك كالسبابة والإبهام للساعة، وهي انقطاع إقامة الصنف البشري على هذه الأرض، لأن هناك مرحلة كبرى وانقلابا هائلا هو بسبيله للحدوث، واسمه القيامة، وجعل الله في أحداث عصر بعثه تغيرات زلزالية في الأرض، لها طابع مذهل تنتفض فيه العلوم والاتصالات وفرص المعرفة بالله أو بالباطل، بهيئة تعطي نماذج هول القيامة، ونماذج الجنة المزلفة والسعير الموقدة، وأهل كل دار فيها يذوقون ماهم فيه من طبيعة المكانة.   

 

 القرآن يستعين بالتشابهات ليقرب لنا عظمة الله، لكنه من ناحية ينبه بشدة أنه تعالى منزه عن الشبه ليس كمثله شيء. والكون نظير لبناء ومشابه لمائدة ممدودة، والقلب شبيه ببيت خاص بالله تعالى، والله يدعونا للحب والإجلال لنكون نبلاء متميزين لكنه غني عنا. ويزين لنا سير الصالحين لنخشى الله كملك له كل صفات العظمة.

في الطهارة والقبلة والتوجه وصلاة الجماعة والفاتحة والركوع والسجود والتسابيح  تناظر عميق،  وفي نفس الوقت تذكرة عميقة بالله المنزه عن الشبه.