الاثنين، 14 يوليو 2014

المقال الثاني إطلالة على القرآن : شم العطور من سورة البقرة وتنسم الهواء النقي البارد ، والاغتسال بالماء الطهور وارتداء ثياب جديدة هي لباس التقوى للمتقين


إطلالة على القرآن الكريم 2  

المقال الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
 إطلالة رمضانية مع البقرة

إطلالة على كامل القرآن في رمضان، كتاب بلاغ مثالي: نسخة واحدة لاغير، قرآن محفوظ، ماعيبه؟ تتألق فيه شخصية محمد صلى الله عليه وسلم والله يخاطبه كما يخاطب صديق صديقه. يثني على خلقه ويرقيه حتى المعارج العليا، يطمئنه ويحذره وينصحه. ويعلمه الحجج والأدلة ويشجعه على التحدي والثبات ولو بالمباهلة الساطعة.

استعرضت في القرآن روائح وروائع مشروع الله تعالى لإتاحة فرصة الرقي للبشر.

وباصطحاب عقلية الجودة وشروطها: فلقد كان مشروعا يتصف بالجودة الشاملة.

المشروع هو رفع شمس للناس ليهتدي بنورها من يريد، هاهي إدارة المشروع  بيد الله تعالى والإدارة تريد الجودة. واختارت الإدارة أفضل الناس لينفذ المشروع على يديه، ووفر له كتاب الجودة ووثائقها ومفتشيها، وفيه عمليات التكوين والصناعة النفسية والزكاة وكيفية مراقبتها وقبولها. الله طيب لايقبل إلا الطيب وهناك علامات للعمل الصالح وبركات تنزل على الصالحين والقرى الصالحة.

كتاب لاعيب فيه. وتتعجب ممن يقول أن القرآن يحوي الأخطاء النحوية. لقد كشف القائل بهذا سقوطه كليا وفضح انهيار بنائه كله، حيث ثبت من هذه التهمة تحامله وسوء أدبه وكذبه كالشمس في الظهيرة، وسوء النية وانحطاط مشروعه النقدي برمته.

بحثت عن جملة فيها عيب واحد، فتشت السور فوجدته كتابا كله دعوة للسمو ولاعيب في قصة من قصصه. ماعيب قصة آدم وما علم الله وما حاسب؟ ماعيب قصة بني إسرائيل وما أنجى الله وأخذ المواثيق وما عاقب؟ ماالعيب في قصة إبراهيم والبيت وما يجب له؟ ماذا نأخذ عليه في السماح بالدفاع عن النفس وتحريم العدوان؟ ما أروع شرعة المنزل وآداب الصدقات، أهذا يقال له مريض يهلوس؟ لما عقمت نساؤهم أن تلد عاقلا مثله رموه بالهلوسة. ياللعجب! أهذا يقال له ( كان يشك في وحيه؟ أو: لماذا تأخر الوحي عنه ولماذا أراد الانتحار؟ ) رأيت كلاما تحترمه الفطرة البسيطة السليمة كلما تقدمت.

ولكن حسن القرآن كاف ليغيظ النفوس المريضة. فجلاله شيء يصلي قلوب أهل الباطل كما يصلي الجمال الرائع قلوب الحاسدات القبيحات. يالهول المنظر، هل أعذر مذيعي القنوات الطافحة بالغل والحقد عندما ينهزمون أمام طوفان من العظمة الشامخة.؟؟

شهر رمضان وحضور الإنسان الريان أمام الرحمن

الناس في العادة صائمون عن تناول كلام الله، وبهم جوع روحي شديد ومن عجب أنهم لايتوجعون منه، وفي نفس الوقت فهم مفطرون على تناول طعام وشراب لايتعمقون ذكر اسم الله عليه إذا ذكروه.

ورمضان يقول للناس أن كفى صوما عن كلام ربكم، وكفوا قليلا عن طعام الجسم والتفتوا لطعام الروح، فما أشد جوعها الذي يراه الله،   وحان أن تفطروا في رمضان حيث يحل الإفطار على كلام الله تعالى.

وأنظر في القرآن فتوقفني الفاتحة في حضرة ربي مخاطبا بعد الثناء والشكران، وأجدني أستعمل أسلوب المخاطب قائلا إياك نعبد وإياك نستعين. اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم.

مستحضرا بحر التفسير الذي يوجد في كرامات الصادقين، حاضرا أمامه سبحانه، أمضي في القراءة لأكتشف أنه تعالى حاضر دائما، وكان حاضرا دائما. وأرى مناديه يقول لي ما خلاصته: لاتجعل لله ندا وهو خلقك، ثم هو حاضر معك لايفارقك.

في سورة البقرة العظمى يوقفني تعالى أمامه في جلال ويخاطبني في حضرته سبحانه قائلا: يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم.

يتحدى الله بعظمة الكتاب وجماله في اعتزاز ويطالب بالتواضع أمامه. فيليق بالإنسان المعاند ستر الهزيمة بجمال التواضع والاعتراف، ويتوعد ربي بالعذاب المهزومين في التحدي، لأن من الجرم أن تجمع بين قبح الهزيمة وقبح الاستكبار.

كان الله حاضرا وهو يبني المسكن وهو يفرشه ويؤثثه ويخلقنا، وكان حاضرا وهو يستخلفنا ويعلن النبأ لعقلاء الكون، وعلم أبانا في حضرته العليا، وأوحي للملائكة أن تسجد له وهو يدخله الجنة يأكل منها هنيئا مريئا رغدا حيث يشاء.

وكان ربنا الرحمن حاضرا ساعة الزلة والوسوسة والنسيان والمخالفة وعند العقاب والتأديب وعند الاعتذار والندم  وعند التوبة والإنابة.

موجود يرعى تكوين الأجنة وحاضر عند الولادات  ورقيب شهيد عند التكاثر وعند الاضطهاد وطغيان المبيد، وأرسل رسله بحبال الإنقاذ ومعهم جند نصير شديد البأس، وكان حاضرا عندما غرق فرعون ونجا المستضعفون من شعب إسرائيل. ولم يترك العالم ويمضي بعيدا يوما، بل كان أبدا حيا قيوما، وكان حاضرا لما قال ملحدوا بني إسرائيل: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فنزلت صاعقة صفعتهم ثم عفا الله عنهم وأفاقوا واعتذروا وعالجهم الله بطبه سبحانه.

ياه ياه على هذا الإنسان وملكة البلادة واللامبالاة فيه. كان الله  عند كل تمرد وكل سوء ظن، وكان حاضرا عند كل كارثة تصيب من يتمرد ويسيء الظن. حضرت الأمم أمامه مرارا وأعطت العهود والمواثيق تكرارا، ووصاهم الله ليلا ونهارا: هاهو الكتاب والفرقان فرصة لكم لعلكم تختارون التطور نحو التطهر وتبتعدون عن التهور عائدين نحو الحيوانية.  خذوا ماآتيناكم بقوة.

حاضر لم يغب أبدا

 ويسمع العالم في البقرة قصة الذين أقسموا على الطاعة ثم أدمنوا التلكؤ عندما تأتي ساعة تنفيذ الطاعة، يتصرفون عند أمر بسيط واضح (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) وكأنه عقدة ومعضلة، وتجري المراسلات مع الله يطلبون التوضيح مدعين أن الأمور  لازالت غير واضحة. أفبعدما رأيتم ما رأيتم تتلكأون في بلادة تلميذ فاشل أو كمدمن ذاهل؟؟!!!

الله حاضر عندما يتآمرون، ويفضح تدبيرهم  ويذيع نصوص الحوارات السرية ويفشل الخطة، ويكشف عن وعاء الحقد والحسد، ويعلن الوقوف بجانب الصالحين ويبذل النصح ويرشد بالمنطق ويحدد ملامح الفساد والمفسدين.

كل عجل عبدوه عبدوه وهو حاضر سبحانه، وكل رسول قتلوه قتلوه والله حاضر سبحانه، وكل كتاب حرفوه حرفوه على مشهد من الشرطة والقضاء وجنود العقاب وزبانية الجحيم,

الحضور الإلهي ينتقل أمامي بين الأزمان، من مشاهد الذين يمنعون مساجد الله أن يذكر فيها اسمه إلى مشاهد بناء المدينة الأولى وبناء البيت الأول. كان الله تعالى حاضرا وإبراهيم يبني اللبنات، ويذيع الله تعالى تسجيلا لوقفة إبراهيم في حضرته تعالى: يطلب من الله الأمن للبلدة والرزق حتى لايجوعوا في هذه الصحراء. ثم وقفته يطلب من الله الحاضر قبول العمل والبناء، وأن يجعلهم مسلمين راسخين في قرار الإسلام بفضله، بأن  ينزل عليهم روحا من الحب والعزم، به يحيون في سلم معه، مراعين لحضوره منفذين لكلماته بسلاسة وحسن ظن ورضا.

أمة تنبعث وتتيقظ وتولد أمام الناس

في سورة البقرة نرى أمة تولد تحت ضوء الظهيرة، ونشاهد الآيات كلبنات مرصوصة مثل قصر منيف جديد ليسكنه المؤمنون الجدد: قصر له نظام سلوك مبني على شريعة "البيت"، الذي هو خلية الحياة الإنسانية المميزة، الذي تشبه تجهيزاته ومفروشاته لنمونا وتطورنا تجهيزات الكون  ومفروشاته ومعروشاته. وتشبه علاقاته من أبوة وأمومة وأخوة علاقاتنا بالله ربنا والملائكة أوليائنا. البيت الذي هو حصن لجوء عالمي آمن، البيت الذي كله تراحم وتفهم ومودة، ومواده من السلام والطعام والأمن ليتمكن الناس من عبادة الله تعالى والتفرغ للصعود رقيا نحو مراضيه. بيت يستضيف الله فيه كل فار من اضطهاد مهما كان فكره المسالم، بيت هو محل الضيافة الربانية للقادم، بيت: الله فيه هو الرقيب الحسيب، بيت لبني آدم جميعا وإبراهيم بانيه ومؤسسه ومحمد مطهره ومجدده. بيت هو رمز لعيش مختلف عن عيش يلوثه الكذب والعدوان والشرك والكفران .. وخلال تقدم سورة البقرة ترتسم ملامح البر والتقوى الفتانة الحلوة، التي يكتسبها الصائمون عن طعام هذا العالم ومشيئتهم وهواهم، والمفطرون على طعام تقدمه لهم يد الله تعالى، من أمر ربهم وأوامره ومايقدم الله لهم  من كلام هو الحياة، وهو روح من أمر الله وهو ماء السماء الخصب.

في البقرة نرى ملامح سماوات جديدة وأرض جديدة تتشكل وتكتسب صورتها رويدا .. بالتوازي مع شهود سماوات قديمة تتهاوى فلايكاد يبين منها أثر، وتصل رسالة عميقة بليغة مؤثرة مخيفة في آن من خلال فهم العبرة السابقة الكامنة في أمة بني إسرائيل الذين صدئت أفهامهم.  آتاهم الله كما هائلا من الآيات البينة على استحقاقه للعبادة والحب وحده، وأنه هو وحده المنقذ لهم والعالم كله حولهم يحاول إهلاكهم ولامنقذ كل مرة إلا الله.

في حضرة الله تــنــتـــــبـــه الأمم،  وفي حضرته تغفل وتتناول المخدر وتسكر وتعمى عن حضوره سبحانه، الأمم في حياتها وموتها والقرى في حياتها وموتها وبعثها هي موضوع سورة البقرة، وأسباب الموت واضحة كوضوح أسباب الحياة. ومن أهم أسباب الحياة ترك أسباب السكر، ونبذ كل ماهو مذهل يحطم الوعي، فلا نكتفي بالخمور بل نجتنبها هي وأخواتها، ومن المسكرات الغرام بالشهوات والغرور بالسلطة والجاه، ومن شروط الحياة أن نجتنب الجهل ونلتزم العدل مع اليتامى والضعفاء، ونرعى معاملة الزوجات بالرحمة والتعاطف وبالحسنى والمنطق، ورعاية أخوة الإسلام والإنسانية عند الفراق والانفصال.

في ربعين: ( يسألونك عن الخمر، والوالدات يرضعن)  هالني أن الله تعالى يزيد من رتم تكرار الأسماء الحسنى، يحقن بها الحياة في نسيجنا لو تقبلنا وتفاعلنا مع مادة الحقن، ليشدد بقوة على حضوره وحضرته وعلمه وسمعه حين نتعامل في البيت، ويذكر صفات المغفرة والحلم والرحمة كناية عن رؤيته لكل مايحدث، وإمهاله وإعطائه الفرصة وانتظاره رد فعل مناسب منا،  وينفخ في صور : الله يعلم،  إن الله عزيز حكيم، والله سميع عليم، والله غفور حليم، إن الله غفور رحيم،  إن الله سميع عليم، والله عزيز حكيم، واعلموا أن الله بكل شيء عليم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير، واعلموا أن الله بما تعملون خبير. واعلموا أن الله غفور حليم.

   أفيقوا من سكر الغفلة واللامبالاة

اعلموا اعلموا اعلموا، وانتبهوا إلى الوضع الصارم: أن الله يعلم سركم وجهركم، ويحلم فلا يعجل عقابكم، ويسمع ويرى وهو خبير وبصير. هل قصر الله تعالى في التنبيه؟ حاشاه ونحن الظالمون.  سقوفنا مفتوحة أمامه سبحانه، وضعفاؤنا محل رعايته وحضه على الرعاية، وموت المجتمعات يبدأ أمامه تعالى من ظلم القوي فيها للضعيف، بدءا بالزوج والفقير والمسكين، وصولا إلى ضعفاء زحمة المجتمع وبؤساء موجه المتلاطم.  ومن أهم أسباب الموت سوء اكتساب المال، وانهماك البعض في النشاط الأناني وترك الآخرين نهب الإهمال، وعدم إشراك المجتمع معا في النشاط والأعمال،  فلا يأخذ البعض بيد البعض ليرفعوهم للوعي والفهم والصلاحية،  بل يشيع اتباع خطوات الشيطان بالبخل والضن على المساكين ورقيقي الحال، وهضم حقوق الأجراء وإذلال الفقراء أوإلجائهم لخلع برقع الخجل ومهانة السؤال.

الحي القيوم الذي لاينام ينادي للحياة واليقظة لأن عدو الإنسان ماكر ساهر.

ومن أسباب الحياة قتل المال بفن رباني بديع.. يفتدي المجتمع نفسه بذبح كبش المال بالنفقة وإهلاكه في قتل الفقر وقتل البخل معه. ويشرع كلام الله تعالى للصدقات شريعة سامية عالية السمك رائعة: فيها النفقة دون من ولا أذى ولا خدش للحياء، وتقدم بطريقة راقية وابتغاء وجه الله تعالى بلا رياء،  ومن الطيّب وخفية وبعد توسم وتفهم وليلا ونهارا. ويحرم الربا ويعيد للناس أصل المال، ويشرع كتابة الديون في توثيق رسمي لو تم اتباعه فهو ينشيء الحضارة.

في كل مانزل من عند الله تجد صلاح البيت وصلاح البيت الواسع وهو المدينة وصلاح البيت الآدمي الذي جاء رسول الله يلم شمله في وعاء واحد ..

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق