الخميس، 3 يوليو 2014

الحالة العادية للحياة نعمة كبرى، ومجرد الوقوف على قدميك عاقلا تتكلم وتملك أعصابك لتحكم وتفكر والماء المتوفر والهواء الغامر وكل ماحولنا ثروات لانقدرها ولانشكرها إلا قليلا



  الحالة العادية وإعجازها الرحماني


بسم الله الرحمن الرحيم

يهبنا الله تعالى جسما وعقلا ورأس مال وبنية أساسية وتعليما كافيا وجوا مساعدا للاستثمار وهذه هي رحمانياته، لنشكر ونحس به تعالى ونتحسس كمالاته ونحبه ثم نتعلق بخطته لتكميلنا.


 تتجلى تلك الرحمانية اليوم حين تولد ومعك من عند الله تعالى جسد صحيح وبيئة مساعدة على النمو ثم تتعلم اللغة ثم تجد معك كتاب الله وسنة نبيه، ثم تجد لديك تفسيرا لهما من مسيح الله تعالى: كتبا وقدوة وخلافة ترعى عباد الله تعالى على نهج النبوة.


لو فقد الإنسان عضوا عرف قيمته وتمنى عودته، ولو فقد صحته حينا عرف قيمتها ودعا ربه للشفاء. لو تأملنا الحياة العادية فسنجدها غنية بالنعم المستحقة للفكر والشكر.


الطعام


سيجد الإنسان في الطعام معجزات تعرفه بالله ربه، وتشرف به على عظمة الله سبحانه، من خلال حجاب الحالة العادية، البسيطة والعميقة والجميلة.


فلينظر الإنسان إلى طعامه. هذا هو نصح موجه للإنسان من الله سبحانه خلاق الطعام وعالم كيميائه وسره. عندما تتناول الطعام في الحال العادي فلماذا لاتدري أنك تشهد معجزة كبرى؟ لو تعمقت وتمعنت لوجدت أن هناك من المحرومين كثير، وعليك أن تتناوله باسم الله، والاسم هنا هو خلاصة الحمد والشكر، ففي الطعام وقصته وتصميم نظمه آيات منذ كانت السماوات والأرض دخانا، وفيه تتجلى مئات من أسماء الله تعالى مما نعلم وممالانعلم.


الربيع والتمثيل الضوئي


تتجلى رحمانية الله تعالى في الربيع وعبرته الغنية بالمعاني .. خلق الله كتاب الربيع كتابا متكاملا يضم مئات الصفحات وأعلن أنه آية من آياته تعالى تنطق بقدرته ورحمته حين تهتز الأرض مخضرة.  وربط الله تعالى خلق الشجر والحدائق ذات البهجة بتوحيد ذي الرحمة، وفي سورة النمل أعلن بقوة تتحدى أنه هو وحده الذي أنبت بالماء تلك الحدائق.


والبحث العلمي في النبات عرفنا منه أن صفحة ورقة النبات البسيطة الخضراء الجديدة المثيرة للبهجة أمامك ليست مجرد مساحة خضراء تتخللها عروق التوزيع، بل هي صفحة هائلة الاتساع عامرة بالمصانع المرصوصة التي تقف مصانع الطائرات والحواسب البشرية بجوارها متصاغرة متواضعة، وشأن مصانعنا بجوار مصانع الله كشأن لعبة الطفل الورقية الطائرة بجانب طائرة إير باص حديثة.


 يمكنك أن تختار مربعا من ورقة نبات وتتخيل تكبيره واحشد ما تعلمت وتعلم الجامعات باستمرار،  لتجد طبقات من الخلايا تشكل مدنا ومستعمرات وقارات،  ولو أخذت مربعا منها فيه مستعمرة مثلا منها لوجدتها دولة كاملة ومواني تصدير واستيراد،ونظم اتصال داخلي واتصال مع الجيران ودفاع، وأجواء تتبادل معها الخامات من الضوء والغازات والمياه، ولو اتخذت مربعا من الدولة به خلية واحدة لوجدت عالما بكامله وحكومته في الوسط ولها نواب منتشرون، ولو أخذت مربعا من النواة لوجدت به مكتبة هائلة ملفوفة في شكل حلزوني مكون من شكل حلزوني مكون من شكل حلزوني. ولو أخذت مربعا به حلزون منها لوجدت رف كتب جبارة الحجم والدقة في الرصف والتأليف، ولو أخذت منها كتابا لوجدت جينا أو منظما مديرا أو تكوينا معززا أو مرشدا أو ناسخا أو مقصا قاطعا، أو واسما، أو دليل صيانة وإصلاح، وكل ذلك يعرفك أن هذا الكون الصامت صارخ بالكلام الرباني والوحي من خلال رؤية العلم الحديث، ورغم كل ذلك لايسمع معظم العلماء صوت الله.  


إن في طعامنا كنزا للتسبيح والمعرفة، وكل نبتة نمر عليها مرور الكرام، وكل شجرة في الطريق، وكل سحابة تطير فوقنا ولانكاد نأبه بها، وكل المناظر العادية للوجود المحيط بنا :  فهي لوحات هائلة الإعجاز، تتضمن تعقيدا لاحدود له، وبسبب هذا التعقيد اكتسب المنظر كل هذه البساطة، كما أن هدوء هواء التكييف اللطيف الصادر من فتحات الموزعات عند جدران الغرفة يدل على مدى تقدم النظام وتعقيده،  ويبرر علو تكلفته ويثبت عظمة تنفيذه..



قضاء الحاجة

وعليك أن تقرأ مسألة (يسر قضاء الحاجة) قراءة صحيحة، فكم ممن لايستطيع قضاءها بيسر. ومما يدل على نعم الله فيها أن نرى كيف نعاني حينما تستبدل الحالة الميسرة بأجهزة الغسيل الكلوي.

 والأجهزة وخدمتها شيء عظيم وتقدم علمي كبير، ولكن الله أعطانا هذا كي نعلم طرفا من عظمة الحالة العادية: الحالة العادية لكفاءة التبول عندما نريد.  فعندما نرى مريض الفشل الكلوي ينام بجانب هذه الأجهزة الغالية الثمن، البالغة التقدم والمليئة بالعلم والفهم، نأخذ تنبيها لجهاز البصر العقلي الروحي أن الأمور البسيطة ظاهرا إنما لها تأويل عميق وتفصيل بالغ الدقة والغنى.


وهذا فرع من كل هائل دل عليه الطب والعلم الحديث، وهذا ينبهنا ألا نأخذ العالم على ظاهره، بل نبحث عما وراءه، بعين وهبها الله لنا خاصة، لتنمو  بالتبصر، ثم إذا بلغت أشدها واستوت أغرمت بالعثور عليه تعالى حاضرا، ولتجد الله هناك وراء الوراء.


  إن الله يطرق وعينا عند الغذاء وعند التخلص من فضلات الغذاء. وعند كل وجبة وبعد كل قوة تسري في البدن نحسها بعد تمثيل الطعام.



كل شيء منظم ونحن الفوضويون


  إن كل شيء نراه حولنا وفينا بسيطا في الظاهر فهو معقد جدا، ومنظم للغاية، ووراءه رب مدبر ملك عالم خبير يعتني ويحفظ ويقدر كل شيء بقدره.. وليس في الكون فوضى إلا في سلوكنا، وفي طرق إنتاجنا للقمامة وتصريفنا لها، وفي طرق بنائنا للمصانع والمنازل وتنظيمنا لعملها.


تلويث البيئة ناتج من عدم تقدير خلق الله الأصلي وعدم تقدير الحالة العادية، ومن العجيب مثلا أن نرى الغرام بتكديس الزبالة على مشارف الترع في القرى في بلادنا،  بشكل مأساوي يدعو للتحسر والأسف، والتغيظ من طباعنا: كأن في مجاري المياه العذبة مغناطيسا يجذب الزبالة إليه.


 

وهناك عالم مواز للعالم المادي هو مرآة معنوية له


لنا نفس أو روح تحيا في عالمها الخاص، ولها سمع وبصر وشراب وغذاء وتنفس ومرض وصحة وعواطف. عالم الروح له نفس مصطلحات الجسم المادي، من جوع وعطش وتطهر وتنجس وصحة ومرض وكسوة وعري وسكنى مطمئنة وتشرد .. النفس لها عالم مطابق للعالم المادي في الهيئة العامة للدلالات اللسانية،  وتركيبة الجسم مع النفس هي تحفة كونية تثير الذهول والفضول. ومطلوب أن نتلفت لعظمة التصرفات والتفاعلات العادية بينهما، لنحسن تقييمها ولتأخذ قدرهاوتتطور قدما نحو حب ربها ومقدرها.


لقد صرنا الآن نرى الكون بمجموع العلوم ومجموع  عطاء الله تعالى وإنجاحه للسعي البشري المتراكم. نرى الوجود الآن بعيون مزيدة من جهود متجمعة،  مزيدة بوسائل نافذة، وعلوم تراكمت، لتهبنا فرصة لتكوين صورة وتصور للكون، هو أعمق غورا وأكثر قربا من الحقيقة.


والتربية يجب أن تستهدف توصيل هذه الرسالة، لينطلق التسبيح طولا وعرضا لكل الشعوب وشرقا وغربا، ورأسيا وأفقيا في آفاق العقل والروح. 


نعمة الله تعالى في مصدر الطاقة


ندر من يشكر الله على علم الكهرباء والمغناطيسية والمحركات التي أمكن بها توليد الكهرباء وتشغيل شتى مرافق الحياة.. إننا نلاحظ مثلا أنه:  وبصرف النظر عن تعظيم شأن استخدام الكهرباء في المحركات والمصانع، وأنها من طاقة البترول الذي أساسه الشمس؛  فإننا نرى البشر يعظمون أيضا صناع ومهندسي كهرباء الإنارة، ويعظمون معهم نظام تعدين البترول والصناعة المتعلقة بالإنارة،  ويتنازع البشر مثلا على مصادر وقود تشغيل كهرباء الليل،  لينشطوا  في ضوئها ليلا،  رغم أن الليل للسكن، وأن الأنوار الكثيفة حجبت نجوم الليل حجبا يكاد يكون تاما في مدن وقرى حياة البشر.


 وفي غمرة الاهتمام بالطاقة يكاد البشر يعظمون ضوء الكهرباء أكثر من ضوء الله ونور المصابيح أعظم من ضوء الشمس.


مصدر الطاقة الروحي: شمس النفس


أنزل الله تعالى كتابه وبعث معه قدوةً رسولا (صلى الله عليه وسلم) كوحدة منيرة متكاملة ومحطة طاقة جبارة  للروح والحياة.


ولو تلونا القرآن لوجدنا الله تعالى فيه يمن علينا في هذه السورة أو تلك بمايراه من روائع، وما يراه الله تعالى مبررا كافيا لتغيير حياتنا للأفضل، وتلاوة الصحف القرآنية المكرمة المرفوعة المطهرة باحترام بالغ، تلاوة تؤدي للتزكي والاستنارة بالكلام الرباني (الذي هو نور ويحول قارئه بالحق لكائن شفاف ومنير) على القاريء تذكر جلال موضوع الوجود وما أعد الله تعالى من بنية أساسية شامخة فاخرة، ودور الضيف الإنساني الذي جاء ساكنا، وما رشح له من كرامة، ثم يتذكر من نور القرآن نداءه  تعالى لتقدير نور نعمة الطعام، وكيف كشف العلم علاقة الطعام بالنور، الذي هو الطاقة والشمس:  فلينظر الإنسان إلى طعامه.


قرر الله سبحانه وتقدس في الغذاء القرآني: أن في تقليب النهار والليل عبرة لأولي الأبصار، وقرر الله في كتلة النور القرآنية أن في حدائق العنب والنخيل بأشكاله والنبات بألوانه تحفا فنية لمن يفكرون، وفي الطعام والأحياء حولنا والبحر والجبل علامات لتذكره لو نسيناه، وفي النهر والشروق والغروب العادي آلاء لايجوز أن يكذب بها مهملا لامباليا إنس ولاجان، وفي انتظام شئون حياتنا اليومية معجزات بالغة التشويق في نظر الله تعالى: وواجبنا تطوير أنفسنا لمواكبة سهم الرقي الذي يشير الله إليه بكلماته.  وكم من روائع مقرونة بحسن السمع وحسن البصر وحسن التعلم،  يلفتالقرآن العلماء إليها، في سور الأنعام ويونس والنحل والنمل والرعد والحج وفاطر ولقمان و: ق والنبأ وغيرها من السور.


 

نظم التربية  الجديدة

الحالة العادية تستحق إعادة التقدير، وإعادة التدريس، وهي تحوي في طواياها كل العلوم، علوم الله التي تجري عليها تفاصيل الوجود، وهي علوم مطبقة شغالة، علمنا منها بعضا قليلا وما لم نعلم فهو الكثير، ولاداعي للغرور وعجرفة العلماء الشائعة.


ويجب أن يعرف أولادنا عظمة الحالة العادية،  ومنها حالة الصحة والأمن وانتظام الأمور، وأن كل علوم الناس قد تفشل في استعادتها لو ضاعت، وبالتالي يجب فهم الحالة العادية باحترام وكان هذا شأن الأنبياء.


ويجب أن يتربى الأبناء على الرشد الحق: على أن الإعجاز الحق في الشمس، وأن الضوء النهاري العادي هو أعجوبة فريدة، وأن السجود واجب لله تعالى لا للشمس، ويجب أن تأخذنا روعة الله لاروعة الشمس، لأن خالق الشمس قد خلق معها مليار مليار شمس، كما أن كل شموس العالم ضئيلة بجانب شمس قدرته على خلق عوالم الدنيا والآخرة.


المرض والفقد


لماذا يقول الله تعالى معاتبا من لايعود المريض من أوليائه: مرضت فلم تعدني؟؟ ثم يعبر الله أنه تعالى موجود عند العبد المريض؟!


لأن  حجرة المريض المؤمن مكان للفهم والتأمل لا للمعصية، وللصبر والحمد لاللسخط والغباوة.

 ستجد في مكان المريض عبرة: فهناك ترى كيفتلقي محنة المرضبرد الفعل الصابر وبالأسلوب الصحيح، وكيف تحس بالفرق بين صعوبة حالة المريض  ويسر حالة الصحة العادية، وكيف أن المرض مكلف والحالة العادية الرخيصة ثمينة وتستحق المحافظة، مع رؤية الله تعالى وهو يخلق أنسجة جديدة هي عالم جديد وبعث جديد لموات،ثم المريض وهو ينسب الخير والشفاء إلى الله ويدعوه أن يبعث الصحة فيه ويقيمه من قبر المرض حين يشاء برحمة منه.

وبالتمعن نعلم أنه لولا المرض ماتقدم الطب.  والطب بكل تقدمه وجلاله ما هو إلا محاولة للرجوع للحالة العادية، وقد تفشل إجراءات الطب ولاتنال الحالة العادية.. والطب مكلف وتكاليفه قد تكون عالية، ومعنى ذلك أن الإنسان عندما يمرض فيخرج عن الحالة العادية يبدأ في تقدير إعجاز الحالة العادية، وبعد أن يبذل الأطباء الجهد ويدعو المريض الله وتنجح المساعي يحتفي الكل بعملية الشفاء، ويرون الوقوف على القدم صحيحا معجزة، بينما أكثر الناس جميعا على أقدامهم دون تقدير للنعمة، وما معجزة العودة إلى الحالة العاديةبعد الشفاء إلا ذات  المعجزة التي كانت موجودة ومتمثلة في الحياة قبل المرض، ويغفل عنها الكثير.


 


 


 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق