الاثنين، 14 يوليو 2014

المقال الثالث : آيات الله في بيته المحرم، وعبرة الحق في إحرام المحرم، وقبلة الروح وإسلام المسلم.


 

إطلالة رمضانية 3  

بسم الله الرحمن الرحيم

المقال الثالث : مثال من التأمل تدبرا في البقرة:

عندما نقرأ نداء الله لبيت من البيوت الآدمية: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (*) وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ(*).

يامن سجنتم أنفسكم في فكرة بيتكم قد جاء النبي الموعود بتوحيد البيوت .. يامن انزلقتم لمسلسل القتل وهدم البيت، وهو بنيان الرب، الإنسان،  يابيت إسرائيل،  كفوا واذكروا من وهبكم الحياة وأتاح لكم فرصة العمر لتحملوا الرسالة، رسالة البيت العام وتراحمه.

والتذكر ليس سهلا فهو يقتضي الكف عن تعاطي مواد السهو، لذلك تدرج الخطاب من العتاب إلى العقاب.

خطاب قوي اللهجة لمن كان له قلب يحس قوة اللهجة، لإنعاش قسم الذاكرة في المخ وجلاء الصدأ عنه،  وغسله من آثار إدمان المنسيات الملهيات، ليذكر النعم والفضل، وينفخ في صور الجمع واللقاء في نص الآية، لعلهم من ذكر لقاء الله يستحون، لو كان في بعضهم بقية حياء وحياة. 

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (*)

هذا نهوض لبيت آخر من بيوت إبراهيم بعد فشل بيت يعقوب، وهو بيت عام، كان دهرا بيتا للعرب لكنه كان مدخرا للبشر، كبيت مميز بني لذكر الله وإقامة حدوده، أمر الله بتطهيره ليعبده فيه ويعتكف من يختار الله، يتلو حوله ذكر رحمة الله وحمده،  ويوصي من معه بتراحم البيوت الإنسية. بيت مركزي هو أم البيوت.

البيوت أو الدور هي جنات الله المؤقتة، وفيها تتراكم نعم الله على البشر حتى ساعة تاريخه، وتقوى الله في سكناها هو مقدمة لسكنى الجنة، أي البيوت الحقيقية والديار المثالية ( إنا أخلصناهم بخالصة: ذكرى الدار) لاكبيوت الحيوان المبرمجة على الطعام والنوم والتكاثر.

البيت مثل مضروب، وأمر الله لإبراهيم ببناء البيت أي بناء الأسرة  والذرية وقيم السلام والرعاية، تحت ظل عرش الله تعالى، والبيت هو لبنة القرية، وعند الانقسام الخلوي يتناسل البيت لتوجد منه آلاف البيوت من جديد.

القتل فرع من شجرة الجهل، والتعليم قوة، والله هنا يكافح جريان الدم الحرام بالتعليم، فيتلو آياته مصرحا بأسرار التاريخ، معلما للضالين كل الضلال، خاصة في أمر القتل والقتال، كي يتعلموا سر الحج الذي هم فيه مجرد مقلدين، ويرفع لهم مصباحا من سر الكعبة والبناة وعبرة البناء. فيزكيهم العلم لو أخذوه بقوه، وتفاعلوا معه بكل نبل وفتوة.

  هناك علاقة عميقة بين البيت وإبراهيم والقبلة وبين فكرة السلام ونبذ قتل المسالم.

لقد امتحن الله إبراهيم بأوامر قوية،  ليجعل إيمانه متينا، ويثق بالله ويسلم له يقينا.

 إذ قال له ربه أسلم: ماعسى تكون روائح الكلمات غير عطر: أسلم لي وجهتك وأنا أوجهك وثق بي، تنازل عن كل ميول نفسية واجعل العفو الانتقام لي وحسب الحكمة التي أرضى بها؛ أهدك لأحكم التصرفات، وألهمك التصرف الصائب كأنك ملاك مطيع.

 توجه نحوي حيثما تحركت، وجه وجهك نحو وجهي (أي خططي) في صلاتك ونسكك ومحياك وموتك، واجعلني نصب عينيك أيا كان نشاطك. عندما تزرع أو تصنع أو تأكل أو تنام، أو تكون في شئون بيتك أو أصدقائك، فانس رغبات النفس وتذكر مايرضيني، وابحث عن رضاي في ( إكرام الإنسان، وفهم خططي للعمل على ازدهار حياته، ودعوة الإنسان إلى منفعته ومصلحته وبركته) أيها الأواه المنيب العطوف.

 وقال له الله لما فعل مامعناه:  سأهبك لمنفعة الناس، سأجعلك للناس نموذجا لجمال الإنسانية. فما من نفيس عندي إلا ووهبته للناس، فصفتي أنني الرب الرحمن، وأنا حنان منان، أعطي أطيب ماعندي، وقد أنارت صفاتي صفاتك، وقد جعلتك إماما نورا شمسا لنوع البشر، إمام يراه الناس فيعلمون كم أنا وهاب عظيم، وجعلتك آية على فائدة حضوري وفائدة اليقظة لمن يستيقظ في حضرتي، ودليلا للضالين يقودهم لنبع الفهم والتعلم الصحيح، ليفرحوا بالإسلام لي لا ليعتبروا الإسلام منة منهم عليّ، بل هو غنم لهم ونعمة عليهم.

وحين طلب لذريته وعده الله أن الصالحين منهم وحدهم سيكونون أئمة.

 وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (*)

أصل البيت أنه مثابة وأمن، وبيت الأسرة مثابة وأمن، فيه سلام للخائف وطعام للجائع واحترام للساكن. والله جعل مكة مثلا للبيت، وشرع دستور حرمة الصيد فيها وحرمة صيد المحرم الذي يقصدها، علامة وإعلانا لحرمة الحياة، وأن الآدمي الذي هو بنيان الرب والأعظم من بنيان الصيد، وهو الأعظم حرمة بالبداهة. 

وجه الله تعالى أو خطة الله تعالى: أن تكون هناك قرية آمنة طاهرة يحترم فيها الإنسان ويتلقى الاحترام، وتسمى البلد الحرام، لها مساحة تسمى الحرم، ويسمى نزيل القرية ضيف الرحمن، يأتي زائرا سائحا يتعلم من القرية أرقى آداب العمران، وأن بناء القرى يجب أن يكون على هذا المثال كنسخة، والقرية لايبيت رجل فيها جوعان.

 وفيها مسجد لعبادته يسمى المسجد الحرام، يتعلم الناس فيه أن من أكرمهم هو الله ربهم، وهو الذي يدفع أجور( ثواب) العمال والخدم الذين يعملون على راحتهم، وأنه هو الذي يجعل خادمهم هنا سيدا عظيما عنده. ثم تكون القرية أما للقرى، تؤخذ منها عينة وتزرع في كل مكان حولها، كما تؤخذ قطعة من البطاطس وتزرع لتكون نواة لشجرة كاملة أخرى.

ويفهم من يتعلم أن الله يكرم من يكرم الإنسان، وتكريم الإنسان والوفاء بحقه هو لب التقوى وهو محط رضا الله، والتكريم لايتم إلا بالتخلي عن الثوائر النفسية، والتخلي عن هيجان الغرائز للانتقام من الإنسان، فطريق الحق هو التخلي التام عن النفس والعكوف على عبادة الله، والالتفات لحمد الله ونشر محامده، والتحري عن معاني مايقول الله،  وما به ينال المرء رضاه، ويتم التعليم بأن يذبح الإنسان باسم الله لحما طيبا، ويهرق دمه ليأكل الإنسان، وليجري دم الإنسان سائلا في بدنه لا أن يهرق دم الإنسان.

ويخرج الناس من القرية ليبنوا قراهم على نموذج أم القرى ونظامها، وفي كل قرية يوجد مسجد للصلاة كالمسجد الحرام، ويتجه المصلي فيه نحو نفس البيت الحرام، ونفس قيمه ومعناه، ويتعلم فيه معنى القرى والقرى بالضم والكسر، ومقياس الكرامة، وتتسع القرى أو المدن وتكثر على هذا المنوال.  

كان أول بيت لآدم في مكة، وكان تعليم اللسان العربي في مكة، ومن مكة تشعبت القرى فهي أمها. وهجرها الناس وكلما مر الزمن افتخروا بالعنصر،  وأراد الله أن يردهم لآدم الأول أبو كل البشر، ويذكرهم أنهم سواسية في العنصر والاستعداد، لئلا تقف فكرة العنصر مانعا من همة الرقي وصنع علاقة راقية مع الله. أراد الله وضع مقياس موحد للبشر: أنتم نفس واحدة، وخصائصكم هي هي، والتقوى ممكنة لكم جميعا، وأعظمكم كرامة هو أعظمكم تقوى، وأعظمكم تقوى هو من ينفع الناس لأجلي.

أراد الله العظيم بكل صفاته العلى أن توجد علامة مادية تذكر بهذا المعنى: وهي البيت. فأنتم جميعا بيت آدم. وإذا اتخذتم ملتكم ملة إبراهيم فإن الله يجعله أبا لكم، ويكون الكل سواء في البنوة، وينشيء للبشرية عهدا جديدا، يسود بينهم سلام، وجنود السلام هم على ملة أبيهم إبراهيم.  لأن الحضارات كانت تطورت في الازدهار، وكان خطر العنصرية يهدد باليأس وبالدمار.

 وقول الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، لا يعني أن يصلي البشر في مكان مادي قام فيه إبراهيم عليه السلام على قدمه، ووجهه نحو وجهة جغرافية، بل أن يصلي البشر في نفس المكانة الروحية التي قام بها إبراهيم أمام الله، واعيا في صلاته لكل الحكم والعبر التي من أجلها بني هذا البيت، مفكرا في الرمز العظيم الذي ترمز إليه هيئة استقبال هذا البيت المحرم، عازما على تنفيذ ماعليه من خطة الله تجاه الإنسان، وفي حالة رضا مطلق بأحكامه وكلامه.

 وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر  قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (*) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (*)

طلب إبراهيم من الله أن يجعل البلدة آمنة للمؤمن فقط، فأجاب الله أنها تظل آمنة من غضب الله لساكنها من جنس الإنسان، حتى ولو كان ساكنها كافرا، بشرط أن يلتزم بأصل فكرة البيت وهي مسالمة الإنسان وإكرامه.

 ومما سبق نعلم أن للبيت كيانا روحيا، وأنه مفتوح لكل قاصد من العالم، يعمره القاصدون مدة زمنية، وجعل الله لفترة القصد أو الحج ذهابا وعودة حرمة قدسية، وسماها الأشهر الحرم، يحرم فيها القتال بين البشر، وجعل للقاصدين زيا خاصا وعلامة تسمى ثياب الإحرام، من لبسها يسمى المحرم، فيتحول المجال المحيط به إلى حرم، وينال الصيد البري أمانا من خطر صيد الرجل المحرم. والقاصدون يأتون كي يتعلموا هذه المعاني، وأن ملة إبراهيم تعني أيضا أن القرية بيت إنساني، وأنه كما أن البيت للأمن والطعام والكرامة، فالقرى كذلك لأمن مواطنيها وطعامهم وكرامتهم.

وليتعلموا من علماء ملة إبراهيم  معنى الاستسلام لله بثقة، وكيف يطيع المرء الله وهو واثق، ووكيف يهزم خواطره وثوائره ويترك ولده في الصحراء حين يأمره الله وهو مستيقن  أنه لايضيع،  كما دخل من قبل نار الناس حبا في الله،  واثقا أن الله سيجعلها بردا وسلاما. ويجربوا كيف تسير أحوال بلدة التواضع وإكرام كل الألوان.

إن لبنات البيت لم تكن من الحجارة، بل كانت من الفهم والعلم والمعرفة، كانت القرية والبيت رمزا هائلا واستعارة بليغة وجملة رائعة، تطوي في باطنها آلاف الجمل والفقرات بل كتبا كاملة من التأملات، كلها تشير لصفات الله ذي الكمالات والجمال، واقتلاع حجارة البيت ليس هدم البناء بل هدم المعنى وحقيقة الخطة الربانية وما أودع الله في البيت من المثابة والأمن لبني الإنسان.

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (*) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (*)

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِينَ (*) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (*)

إبراهيم يدعو الله تعالى أن يجعل الإسلام صفة ثابتة فيه وبنيه، ويتضرع إليه من أجل تطهير نفسه وتطهير بنيه، وأن يرسل فيهم من يحييهم ويعيد تفهيم معاني البيت والحرم لو ماتت قلوبهم، ونسوا عبرة البيت ولماذا هم في هذا المكان، وتاريخ هذا البناء ومقاصده. وهذه السورة نفسها هي الجواب، وهذا أعجب العجاب.

 وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (*) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (*) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (*)

الدين مع حرفي: أل، هو الدين كما يليق به التمام والكمال والحسن الفتان، فهو العهد والالتزام والحضارة والوفاء اللازم والنهج القويم .. وعبرة البيت جزء من الدين وترمز للسلامة والمسالمة وللإسلام، وللحضارة والوفاء والدولة الآمنة العادلة، والحكم الرشيد والمواطنة الصالحة، والنهج العلمي في البحث، وضبط المشاعر بوحي الله، وكل معاني الدين الصحيح فقد جاءت في وصية هؤلاء الرسل لبنيهم. وهي العبرة التي تم هدمها حجرا حجرا بعد ذلك، ومن ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ليعيد للبيت طهارته ومعناه، وأرسل أيضا أخيرا من يعيد للبيت طهارته ومعناه.  

البيت ليسكنه الأبناء، والبيت حتى لو بني في الشام أو مصر فيجب أن يكون على نفس النهج، والوجهة والملة هي الإسلام، الثقة الكاملة اللانهائية في أن أمر الله هو السعادة، وهي وصية المحب لحبيبه وأعظم الهدايا من الطبيب، وهي منتهى طيبة النفس والتواضع للناس، والميل للعدل والإحسان، ونشر السلام والإنصاف، البيت ضربه الله مثلا للسلام، لذلك تركز رمز ديننا في قبلة: البيت.

والبيت رمز لما أقامه الله من جماعة إنسانية وبناها، فهو الذي خلقنا ذكرا وأنثى ومنهما يبث الله النسل، وفي البيت يتربى المرء تحت رعاية فطرة الأمومة على كل مافيه تفاهم وتواد، وفعل خير متبادل، وعدل وتقويم بميزان محكم. وفي مذهب الأمومة لا يصح أن تسبب الخلافات الفكرية عداوة.  

والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، فلا يحاربهم معتديا قاطعا رحمهم مقطعا صلاتهم، متمردا على ما يجمعهم: من علاقة القرابة والصداقة والزمالة، ثم الجوار والأخوة والمواطنة.

 ثم المسلم من أسلم عقله وعالمه القلبي وخطط حياته وآماله لله وحده، يأمره بما يشاء فيسالم الله ولايحاربه بالتمرد على أمره وعصيانه.

لا قتل إلا نفس بنفس أو دفاع عن النفس.. والبعد عن القتل هو مفتاح السلام، وطالما ابتعدنا عن حل القتل فسنضطر لتجربة التفاهم والصبر، ثم للعدل والإحسان، ثم للدعاء والاحتكام إلى الله.  والطاغية مثله كمثل ابن آدم القاتل، لايجد حلا لخطته سوى باللجوء للقتل، فالقتل الحرام هو مفتاح الخراب البشري. 

لقد اختار الله تعالى لإبراهيم أن يبني لكل الإنسان فكرة البيت ومشروع البيت وبناء البيت، وجعل المسجد هو البيت ومثلا مضروبا له.  

دينه الإسلام بشموله: أن يبذل نفسه نسكا لله، حبا لذات الله تعالى، وأن يذبح نفسه عند بيت الله أي يذبح ثوائره، وقبلته ووجهته هي السلام للناس كما هو الحال في البيت، ووصية إبراهيم لذريته ومهما تناسلت من بعده: لاتموتن إلا وأنتم في حالة الإسلام الشامل.  

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق