السبت، 14 يونيو 2014

التنفس فن عظيم، وعبرة كنزها ثري ضخم، وله بالفكر قرابة عظمى وبالتقوى كل العلاقات


التنفس والتسبيح    

بسم الله الرحمن الرحيم

ما أجمل الله الذي سوى آلة التنفس، ووفر الهواء ووزن نسب الأكسجين، وعلم الإنسان مالم يكن يعلم عن دورة التمثيل الغذائي ودور الجهاز التنفسي فيه.

حمدا لله ومجدا فإنه كتاب علوم بسيط ولكنها رسالة حب مطوية داخل كتاب العلوم. والمدرسون من فاقدي الشيء فلا يعطيه هم مواطنون مساكين يحتاجون ليعودوا طلابا في مدرسة العجب والدهشة.

ولكننا قصرنا الدهشة على شيكولاته.

ميكانيكية التنفس هي تحفة حياتية بالغة الروعة، وعن طريقها نلتقط ألطف الأشياء وهي الرائحة .. الرائحة جزيئات بالغة الرهافة طائرة في الهواء، يلتقطها ذلك العضو المدهش وهو الأنف، العضو المرهف الدقة والصنع والذي يحس بالجزيئات القليلة.. إن لطف الروح ورائحة الريحان وعبق المسك هو من أهم معالم حياة وجو الجنة.. والنتانة وروئح الصديد من أهم معالم الجحيم.

  والتنفس تذكرة روحية من الله، تنبهنا (لو كنا حساسين) إلى اضطرارنا وضعفنا وحاجتنا لخالقنا ومصممنا ومصورنا ومميتنا وباعثنا ومعيد خلقنا ومعيد تصويرنا.

علينا رياضة الروح ليكون تنفسنا تسبيحا وحبا وحمدا.

 

كيف نتنفس حبا لله ؟  ومع هواء النفس نتناول خواطر الحمد:

1- هناك نفس حاليا شغال في الصدر، ونفس سابق انصرفت ثمراته من الرئتين، ونفس أسبق صعد أكسجينه إلى المخ، فالمخ سيعمل بالنفس قبل السابق ريثما يصله النفس التالي.

إلى هذا الحد تتوقف حياتنا على الهواء، على مدد من خارج، على مدد من الله يزودنا به من حولنا.

البعد عن ذكر الله تعالى مثل انقطاع النفس، وكما يتوقف المخ لو غاب التنفس عنه دقائق معدودة تتوقف الروح لو غاب عنها ذكر الله مدة معينة، وتموت خلايا المخ الروحي لو غاب ذكر نور الله الهادي دقائق معدودة. اعلموا أنه تختنق العقول بالضلال وانقطاع مدد نور الله كما تختنق الصدور بانقطاع النفس.

التنفس يجذب للمخ أوكسجينا يتم استعماله لفوره. ويستحق هذا المدد الحيوي الحساس تسبيحا وحمدا لله تعالى أن وفر الهواء هذا التوفير.

2 - لما كان الحمد حقا لله لأنه خلق الهواء وحقق له النقاء فكذلك يستحق من يلوث الهواء السخط.

الله خالق النقاء، والإنسان صانع التلوث.

ويستحق الهواء الهدية المحافظة عليه من التلويث.

ويستحق نقاء الهواء وعناصر تلويثه بحثا وتأملا وعملا وجهادا وتواصيا وثورة مجتمعية على الملوثين.

واعلموا أن الأبناء يتنفسون من قدوة الوالدين وقدوة المدرسين والأقران، والقدوة هواء المقتدي.

وهناك شبه مثير للفكر بين تنفس الجسم للهواء المحيط وأثر التلوث، وبين تنفس الروح للكلمات المكتوبة والمسموعة والمناظر المحيطة وأثر التلوث.   

3 - خلق الله التنفس متكررا كل ثوان معدودة محدودة، والصالحون يجاهدون حتى تتحول أنفاسهم إلى تسابيح.

وهم في الجنة يلهمون التسبيح كما نلهم النفس في الدنيا.

ألا إنه يتحول التسبيح عند الصالحين لشوق ملح، وضرورة تغذية لدم الروح، وكلما استنفد نفسا استنفد معه تسبيحة.  ومع تردد النفس العميق يقرأ جملة من كلام الله، ومع النفس يردد حمدا من محاب الله. والحصول على لذة التسبيح لاتأتي في الدنيا بلا تعب بل بتعب، ودوامها مكلف ويحتاج جهادا وعملا بدأب، والحصول عليها في الآخرة يتأتي سهلا بلا جهد ولانصب. في بيوت من قصب.

4 – الحمد لله واجب وشرف بعد قراءتنا للتنفس وللنفس والعالم حولنا، وبعد تجميع القطع المتناثرة حول التنفس من بيانات الوجود، وعلينا في المتاحف الدرسية صنع قطاع شامل توضيحي للجسم البشري، لنراه وقلبه الدقاق طول العمر يدق ببأس شديد، ونعجب لتحمل الجسم دقة القلب تسعين سنة.. (إذ لا توجد آلة حديدية تتحمل العمل بسلام وتدوم تسعين سنة دون توقف لحظة)، ونرى القلب يضخ الدم، وتوزع العروق التروية الدموية وتتيحها للخلايا حول جدرانها، وتتبادل معها بضاعتها عطاء وأخذا، ونشاهده وهو يتنفس ومضخة التفريغ والملء دائبة طول العمر لاتتوقف شأن القلب، والحجاب الحاجز يرتفع وينخفض، والصدر يعلو ويهبط ويتعامل مع هواء الجو.

تأملوا مدى الجمال والإتقان حين استعراض كيف يعمل الأكسجين عمله في الجسم، في محطة طاقة وكهرباء الخلية المسماة بالميتاكوندريا.؟!!

نحن(بحمد الله وبسبب صفاته) أجهزة مجهزة من قبل الله تعالى، صنعنا الله تعالى بيده خلية خلية، ونحن وظائف تقوم بها الأجهزة بأوامر صاغها الله أمرا أمرا، ونحن معلقون بإمدادات خارجية نستهلكها ونتناول المزيد منها طالما كنا أحياء، ونتنفسها نفسا نفسا، وهي إمدادات منظمة محسوبة مصممة خصيصا كي نستمر في الوجود.

5 - وفقرنا معلق أمام عيوننا ونحن لانملكها بل مالكها هو الصانع المصنع وملك التوزيع على مستوى العالم.

والإنسان يطغى كثيرا لو تصور نفسه مستغنيا. فجهاز التنفس مع كل روعته جهاز لايكفل لنا التنفس إلا بمدد الهواء الذي تفضل الله به وفيرا نقيا.

والله وهبنا جهاز العقل المحكم، وهو مع روعته فقير لمدد الله من الوحي المرشد لما هو عقل حق.

ووهبنا جهاز العين المتقن، وهو مع كل أنواره محتاج للضوء من خارجه، من مدد الله تعالى له.  

نحن نرى الأشياء لابالعين وكفى، بل بالعين الحية المستجيبة عندما ينزل نور السماء على الأشياء ، وهو نور له علاقة خفية بالروح، ومصمم خصيصا بتردد محدد، ومصفى تصفية خاصة عند دخوله جو الأرض، ومؤمن من الأخطار المميتة، فتستطيع العين الرؤية بأمان، وتترجم الضوء بتغيرات الصورة لكيماويات يترجمها المخ ويخزنها ويستعملها في عمليات ومعالجات فكرية، ويقول لصاحبه أنه يرى المرئيات. ويصفها جزء من المخ الرصد لجزء من المخ المتأمل.

نحن نرى بسبب العين المحكمة الصنع كما أننا نفكر بالعقل المحكم الصنع.. وتحتاج العين لمدد خارجي من نور الله المتجانس مع طبيعة تكوين العين وعمل آلتها لتتم عملية الرؤية، كما يحتاج العقل لمدد خارجي من كلام الله متجانس مع طبيعة تكوين العقل من فهم الدلالة والمنطق والبلاغة لتتم عملية الاهتداء.

نحن نرى بالنور الساقط على الأشياء  وبسبب عمل القوى البصرية ومستعينة بغذاء يأتي من الخارج مصمم خصيصا لعمل الأعضاء الحيوية، وآلات إنتاج الغذاء تعمل بطاقة النور ذاته، وهذا الغذاء محمل بطاقة النور نفسه، وطاقة النور مترجمة أيضا ترجمة كيماوية، يتم فك رموزها في الخلايا في شكل فوتونات الطاقة التي تعمل بها أجهزة الحياة.  

الماء جزء من عملية التنفس يكمل نظام عملية تردد النفس في الصدر، وتبادل غازات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. ضمن نظم أخرى متكاملة في وظائف الجسم المتناغمة،  والمفترض في كائن محترم حل ضيفا على وجود تم سوقه إليه أن يتعمق وضعيته، وأن يخطر بباله اسم الله الصانع الماهر وإدارة المحل الفاخر عندما ينظر لكأس من الكوكتيل النادر قدمه له النادل.

 وبالمثل من المفترض خطور اسم الله عند رؤية الماء يقترب من شفاهنا في حال العطش. فنشرب باسم الله..  يمثل الماء الحاجة البارزة لإسعاف الله تعالى، والتي تطرأ وتصير ملحة وفيصلا بين الحياة والموت كل ثلاثة أيام على الأكثر، وتعيد تذكير الإنسان بحاجته لمن صنع الماء قبل الحاجة إلى الماء نفسه.

ونحن نتنفس في النوم كذلك، ويمثل النوم الحاجة اليومية  الملحة للإنسان إلى الله تعالى، حيث تنفد البطارية العصبية وتخلو من شحنة الوعي والحيوية ويقوم الله تعالى بوضعنا على الشاحن ليلا أو نهارا حسب اختيارنا. وعندما نذهب للنوم بأقدامنا، ونحس بظلال النون تضمنا فإن الله مع غناه جدير ويستحق من حيث المبدأ أن نسمي اسمه تعالى، ولهذا الأمر تسبيحة خاصة لله قبل الذهاب في غيبوبة النوم.

 وكما يمثل النوم والماء حاجة يوم أو بضع أيام فكذلك يمثل التنفس الحاجة اللحظية إلى الله تعالى كل دقيقة أو بضع دقائق.

في الثانية نتنفس نحوا من 15 إلى 30 نفسا حسب درجة النشاط.

6 – لقد وهب الله العلم لنا لنتقدم ولنفهم ولنسبح الله ونحمده لالنغتر ونلحد ونتكبر.
وكتب العلم موهوبة لتبني الوعي وتعرف بالله وتبغض التحرش إلى القلوب، وتنمي الإحساس بمن نحن.
 والحياة التي تدمج التنفس مع التسبيح هي حياة علمية الطابع، حياة تفكر في أمر التنفس والدورة الدموية والتروية الخلوية والفضلات الجسمية بنظرة شاملة، وهي تلم طرفا من الكيمياء والفيزياء وعلوم الحياة والحس الرياضي المترع بفقه النسبة والتناسب، وهي حياة مختلفة عن الحياة المألوفة.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق