السبت، 28 يونيو 2014

رمضان رمضان عندما ترمض الروح وتجف ينزل عليها القرآن تهتانا للربيع والنمو والزهر والثمر

 
فرحة الصيام المثمر

عندما نتشرب ذكر الله في تسبيحة الإفطار مع الماء:
  بسم الله الرحمن الرحيم

حرمت على نفسي الكذب والفحش طول النهار. وطردت كل خواطر سوء الظنون وخواطر الشر والاعتداء. الحر شديد والعطش شديد والجفاف يشمل الجسم، والحياة تنسكب من البدن وتستقر رويدا في كوب ماء. هاهو الكوب وفيه روحي ولحظة الغروب تقترب، وسوف أرتشف روحي من جديد وأرتديها بعد همود. هذه فرحة المفطر ببعث روحه من بعد موت نسبي، وهنا أنبه إلى فرصة ننتهزها مع الفرحة: فرصة لتمرين روحي ذي جدوى. فمع ارتشاف الماء ومتعته سنشرب ونترشف تسبيحة ونعتبرها جزءا من الماء. عند انطلاق مدفع الإفطار جهز هذه التسبيحة في كوب خيالي في مخك ويدك تمتد نحو كوب الماء: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما قدمت وما أخرت أنت المقدم وأنت المؤخر لاإله إلا أنت. تلذذ بتناول الماء وتعمق في روعة التسبيح، اشرب الاثنين معا، أوتشربهما بنفس التمتع،  ومع كل جرعة ماء تسري في جسمك من كوب الماء هناك جرعة من التسبيحة تسري في عقلك من كوب الذكر. الماء يسري وتسري معه الحياة في جسم متعطش لمادة الحياة، وتسري التسبيحة في ذات الوقت في نسيج روح متعطشة لكفالة الله وإلى الاطمئنان معه ووكالته في عالم معقد، وللمغفرة من تلوث يصيبنا من أجواء ملوثة. ومع نهاية الشرب تكون النفس قد تشربت ذات الحياة وذات الانبعاث وذات النشاط، وسرت في الجسم والروح لمعة الحيوية.

قلت لله أنك إليه أنبت؟ أي قررت أن تنيب من لحظتك. فاصدق مع الله في وعدك بالإنابة، كن عبدا منيبا، استقبل الطعام بعد ذلك باسم الله وانظر لطعامك، وهو مائدة الله قدمها لضيافتك. اتل القرآن ليلا وأفطر عليه. فلطالما جاعت الروح بعيدا عنه .. تمعن فيه وارو روحك العطشة لحنان رب حنّان، التق مع الله وكمالاته في آيات القرآن. اسجد واقترب وتقدم بجرأة واهجر كل كذبة من كل نوع وصنف وملة ومذهب. ثابر واستمر وتذكر هذه التسبيحة يوميا عندما تمسك كوبا مترعا بالماء المبرد مع أذان المغرب. عند إيذان الإفطار كل يوم بادر إلى التمرين الروحي المجاني المثمر بمناسبة شهر الصيام الكريم. وبمرور الأيام من شهر الصيام سوف تكون قد تمرنت ومرنت روحك على الشعور بارتواء حياة الذكر، ويقترب الشعور بحلاوة الذكر من الشعور بارتواء الحياة من كأس الماء. وقرب آخر الشهر سيندمج الشعوران عند الإفطار، فلا تدري هل ارتويت من كوب الماء أو من كأس التسبيحة، وتختلط فرحة الإفطار بفرحة التعمق في التسبيح بتركيز وإمعان. ستكون ملكة الفرح بذكر الله تعالى قد نضجت كما تنضج مهارة من المهارات، من أثر التمرن والاستمرار، ومع الوقت سوف يكون التسبيح ارتواء للروح حتى من دون الماء. إنه اللقاء الأول مع الله تعالى، أي لقاء اليقين به تعالى، والارتواء بأنك وجدته عين يقين أو حق يقين. ومن اللقاء كذلك اللقاء مع الله تعالى من خلال كلامه الطاهر في قرآنه المقدس.

 عند ليلة السابع والعشرين تكون الروح قد نضجت من تجربة المرور في فرن التلاوة وحلاوة التسبيح، وتتعرف النفس لصفات ربها وملامح جمال جمال أسمائه. وهذه هي إحدى معاني الفرحة عند الفطر التي قصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه. هذا الحديث رواه الإمامان البخاري ومسلم في الصحاح، وله شأن عظيم.

فعندما نبلغ عيد الفطر نفرح ثانية، نفرح بزكاة أو نظافة في النفس بادية في أنحائنا وجوانحنا، وبمغفرة من الله تعالى وتغيرات في الروح نحو مرضاة الله تعالى والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، أي بذل الخير للناس بلا مقابل حبا في الإحسان، كنحلة تفرز العسل عفوا دون اقتضاء أجر. وعند لقاء الله تعالى نفرح بالقلب السليم الذي أتينا به وحضرنا أمامه تعالى وأُورِثناه من الصوم الحق.

ملاحظات: التسبيحة يلزمها طاقم تواضع من نوع ممتاز لتكون ذات جدوى. التسبيحة قد توقظ قلبا من غفلته، وقد تقول له أنك تنطقني وأنت في حالة عدوان وظلم، وربما استفاق ليلوم نفسه.

 لن يقول معتد لله: بك خاصمت وإليك حاكمت، وهو جاد قاصد، ولن يسلم نفسه لبوليس السماء وهو مدان يرتكب جرائم. لو يعلم أنه متعد معتد فسوف يخوض غمار توبة ويدخل فرن امتحان ومعاناة ونضج الروح لتستوي على نار اللوم والندم.

التسبيحة التي تروي يقولها المتواضع الذي يحسن العشرة والجيرة والمواطنة والمعاملة. والدعاء والتسبيح لايروي قلبا صخريا، والذكر لايفيد ناسيا غافلا ساهيا عن الله والذكر، قاسي القلب يهين الضعيف ويجتاح الضعفاء. ذو القلب الصخري يحتاج صخره إلى ضربات تحطيم وابتلاءات طحن ليصير ترابا، وماء يعجن الطحين ليصير طينا، وإعادة تشكيل من جديد.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق