الخميس، 19 مارس 2015

الخلافة الروحية حق وفرض وأما سياسة الدنيا فمتروكة لكل شعب .. ويجب على من يتصدى للكلام عن الخلافة أن يتقي الله ربه

 بسم الله الرحمن الرحيم


خلافتان كالبحرين يلتقيان.

تكمن نية سيئة خلف إخفاء الحقيقة أن هناك خلافتين:
 خلافة سياسية لشئون الحياة الدنيا.
 وأخرى هي خلافة روحية لا غبار عليها والله يتعهدها بالتثبيت.  
والغرض تضليل الناس ووأد الخلافة كلها: روحية وغيرها.
يجب التوقف عن الخلط وكثرة الكلام عن الخلافة بالذم وتصحيح كل خبر يعيبها واعتبار بني أمية والعباس هم ممثلوها وحدهم . وأبقوا أملا للناس، واتقوا الله في هذه القضية الحساسة، وخذوا رئاسة السياسة ولكن لا تفقدوا الكياسة.

هناك خلافتان عليا ودنيا.
 العليا تهتم بأشرف ما فينا : وهو أمور ديننا الغيبية والبعيدة العمق وما يضمن جنتنا، والثانية الدنيا تهتم بالأمور الدانية القريبة المرئية الدنيوية.
وتاريخيا كان الأنبياء هم المرشدون لأمور الروح والآخرة، وبدون إكراه بل بالحب والاقتناع، وكان هناك ملوك يديرون أمور التفاصيل والتفاعيص الحياتية، حتى الدفاع.

 طبعا لو  دخل القوم في نزاع وكان القوم مظلومين فكان دعاء النبي لهم نافعا في نصرهم وتمتعهم بالأمن. ولكن كان كل شعب يدبّر أمر أمنه وطعامه. ونبيهم يذكرهم بأن الله هو الرب الذي يجعل الأمن والرخاء متوفرا لمن لا يظلم ولا يطغى.  
والخلافة الواردة في القرآن هي الخلافة الروحية أساسا. وليس الملك الدنيوي. وإضافة عنصر الدولة الدنيوي أمر اختياري ثانوي للناس لو أرادوا،  أو لو لم توجد أصلا لهم حكومة.

  لا بد ثم لا بد ألف مرة من أن ندرك انقسام الخلافة لشق دنيوي ثانوي ولشق آخر روحي هو الأصل، وهذا الشق الروحي عام بطبعه ويشمل كل شعوب الإسلام بلا استثناء: لأن دين الله واحد، فالخليفة الروحي لهم واحد. وعليهم بيعته ثم طاعته.

الخلافة مملكة روحية

مملكة تعم الداخلين في الإسلام الذي هو دين الله، والانتساب إلى هذه المملكة يكون بقوة الحب لا غير، وفي هذه هذه المملكة وظائف موازية تشبه وظائف الممالك ولكنها ذات طابع روحاني في عالم الغيب والروح.

بالنسبة للمسلمين وفي مختلف بلادهم في عالم السياسة كان يمكن وجود أكثر من ملك (أو أكثر من خليفة سياسي)، مثلا واحد في الشرق وآخر في الأندلس،  ولكن الكل كان يذهب ليتعلم دينه (مثلا من أبي حنيفة. فهو الخليفة الروحي في وقته لجميع ممالك الإسلام، حيث يتركز عنده الفهم الصواب ويتلقى من الله الواحد التسديد وبشرى الإلهام).   
لقد فصل الله المهمة الروحية عن السياسة المدنية وتنازل سيدنا الحسن رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه عندما اتسعت الدولة وضج الناس من سياسة عثمان لأمورهم المالية، وقتلوا سيدنا عثمان ثم قتلوا عليا رضي الله عنهما بسبب قرارات سياسية، ونسوا أنهم بسببهم وبسبب بيعتهم الطوعية لهم كانوا يتلقون البركات في أموالهم وعيالهم وزروعهم وثمار بساتينهم ومواليدهم وأرضهم ومعاركهم وما يقطع لهم من أرض أيا كانت المساحة. تنازل له ليحقن الدماء وليذهب الناس لمعاوية يدبر الدنيا ومن يريد تفسير القرآن فليذهب للحسن. رضي الله عنه.

وباللغة العصرية فلقد ترك الحسن رضي الله عنه لمعاوية تدابير أمور الماء والنفط والكهرباء والمجاري والاتصالات والدفاع وأنابيب البوتاجاز،  ومن ثم تفرغ للخلافة الروحية،  وكان من يثق بالحسن يطيعه في أمور التزكية والتعليم وتفسير الكتاب.

وحاليا لكل شعب حكومة ونظام وهناك نظام دولي واتفاقيات وللسلع منظمة للتجارة الدولية، ولكن الإسلام الواحد وطرق الجنة تحتاج خليفة واحدا يرشد بما في القرآن الواحد. 
ولا إكراه في مهمة الخلافة.
الخليفة على نهج النبوة يتلقى البيعة بحب تام ويطاع بحب ولا يوجد في برامجه الإكراه كله.

الخلافة من مستلزمات ختم النبوة

سر مكانة وأهمية الخلافة الروحية في الإسلام وأنها لا تنفك عنه أنها هي الشرط الثاني لحفظ الذكر أو لكون رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده حتى يوم القيامة. صلى الله عليه وسلم.

فالشرط الأول لختم النبوة وآخريتها هو حفظ نص القرآن ليوم الدين (من كل محرف متربص) فلا نحتاج لنبي بعده ليأتي بكتاب جديد.

والشرط الثاني هو حفظ نسخة حية منه لتفويت الفرصة على المحرفين للمعنى بقصد أوبغير قصد، وهي سلسلة الخلفاء الروحيين. ولذلك يقيمهم الله تعالى هو وحده، لا شريك له، كما يحفظ كتابه هو وحده.

 إنه توحيد حفظ القرآن وإنه توحيد الاستخلاف، وهما توحيدان 

المتمسلفة عنهما غافلون. والنسخة البارزة في آخر الزمان اسمها المسيح عيسى ابن مريم.
وذلك هو سر عصمة الخلافة، فالله لما هو أقامها صار لائقا به توفيقها وعصمة شئونها، ولو أخطأ الخليفة في قرار جعل الله قدرا مباركا لعلاج الخطأ ومنع الضرر الجسيم منه كل المنع.
إن الله يثبت كل يوم أن هذه الخلافة منه هو وذلك بتجميلها وإلباسها ثوب الجمال النابع من التوفيق والإلهام والعناية، ومن الوردة يعرف صانع الوردة.   
 وفي هذا الإطار تندرج بشرى الله بمجيء ابن مريم عليه السلام مجددا عظيما ليصحح تحريفا عظيما.


في البدء كان نداء الحماية العام

ما معنى قول النبي الأكرم لأقوام ليسوا بالضرورة مسلمين: من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي؟.
معناها أن من الممكن لقوم غير مسلم حماية مجموعة الإسلام وتظل المجموعة مؤمنة مسلمة وهي محمية في كنف السلطة المناصرة لهم .. إذن خلافته الروحية هي الأهم وكونه المرشد الروحي هو الأمر الذي له الأولوية المهمة .

إنهم لو قاموا بحمايته فإن ما سيكون متاحا له هو ذكر الله وتحميده والصلاة والصيام والزكاة والحج وتعليم القرآن وتزكية التابعين له والإحساس بمتعة كونه وليا لله حمادا سجادا، والمشي بين الناس بخلق حسن.  وهذه هي مهمته الكبرى الأساس الواردة في سورة الجمعة، وهي التزكية الروحية .. فهل هذا أمر حقير وبسيط وتافه؟ .. الحق أقول لكم أنهم سيكونون قد فرّغوه لمهامه الأصلية، لتمهيد طرق الجنة.

لن تكون أمور الماء وجلب الغذاء والبناء ونصب الخيام وتربية الأغنام وحتى الدفاع من مهامه. بله ضبط أمور توزيع الرغيف وضبط شئون التنزه ( الكنيف) وشئون الحياكة وتوزيع الشموع والحدادة والنجارة والتحطيب وتوفير الدقيق. وربما حسنا يفعلون.

وباللغة الحديثة سيتفرغ للخلافة الروحية وسيكفيه المدافعون مهام السياسة ( المدنية المادية، التي سميت بالخلافة تجاوزا في تاريخنا، ليسرق خلفاء البدن هيبة وقدسية الخلافة الراشدة). وسيتسع الإسلام رويدا.
  لن يكون من مهامه رعاية شئون الماء والكهرباء والمجاري والصناعة وتوزيع الخبز وأنابيب البوتاجاز.   
فهل لو حدثت تلك الحماية سيكون إيمانه ناقصا وتوحيده مبتورا ودينه مشوها؟

هل كان نداؤه في القبائل صلى الله عليه وسلم معناه: من يؤويني ويحميني لأتنازل عن جزء من ديني لأدعو آمنا ويأمن معي من يكون صاحبا لي؟ هل كانت التضحية بالحكم الدنيوي تنازلا؟ لا.
حاشا لله رب العرش تعالى. 

قدر أيها القاريء أنهم نصروه، ولم يسلموا. فما هو الوضع.؟ سيكون في حوزتهم وهم حرس له ومن شاء جاءه وعاش معه.. سيكون غير المسلمين هم الحرس. وقد يظل عدد المسلمين محدودا لمدة طويلة حتى تكون كل القبيلة مؤمنة. فهل سيكون المسلمون منقوصين من فعل (أسلمت لرب العالمين).؟
لا ثم لا. بل تمضي أمور الإسلام متوازية مع ضبط أمور الدنيا. 
  
الضلال المبين

الحمد لله الذي جعل أساس مهمة الخليفة في الأمور الشريفة .
وأراحه من هموم ضبط الماء والكهرباء وتسليك ممرات المجاري والطرق والكباري.
طبعا لو الأحداث اضطرت ولي الله والخليفة أن يحمل عبء تدبير أمور الناس كافة روحيا وسياسيا فإن الله سيلهمه السداد وصواب القرار، وسيتعجب الناس من توفيقه كأنه خبير بها بينما هو ليس بخبير. إنها البركة تحل لأهل البلد برضاهم عن هذا التقي الحقيقي الذي لا زيف فيه، ويوفق الله كل من يختاره للوزارة، وما هي إلا مجرد علاوة مكافأة لحسن ظنهم وتواضعهم. 

ولو اتبعت قبائل أخرى أو بعض منها دعوة الداعي فإن تربية التوحيد ستكون هي هي واحدة ولكن سيكون لكل قبيلة شئونا تخصها، ولكل شعب ماؤه ومجاريه، وكهرباؤه وخبزه ونفطه وطرقه وكباريه. وتختلف من شعب لآخر.

هذا مقال هائل لراحة الذين حدث لعقولهم خلط قاتل،  بين خلافة روحية عليا شريفة وأخرى دنيا وتهتم فقط بأحوال البلد والممرات النظيفة. كي يعقلها الذين أخذوا يفجرون أبراج الكهرباء التي عزلهم شعبهم عن تدبيرها وسياستها، ظنا منهم أن هذه هي الخلافة الراشدة الشرعية، وما هي بخلافة راشدة شرعية، وشيوخهم عليهم يكذبون.

الموضوع كبير والمشايخ يعجنون فيه كي لا يتضح الأمر ولكن الله هو الحق المبين.
هناك سياسة المرء لصحبه يربيهم، وسياسته لنفسه، وسياسته لحصانه، وسياسته لناسه أوشركته، وسياسته لشعبه.
كلمة السياسة كلمة واسعة، وقد تكون بعض زواياها خادعة.

 ما معنى أن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي؟
معناه أن الله استخلف الخلفاء الروحيين عليهم يسوسون شئون الروح لا البدن. فلا تعجنوا أيها المشايخ.
معناها أن الخلافة لا تكره الناس بل ترشد وتجذب وتحبب وتلوم بحكمة، وأن الله هو الذي يقوم على حفظ تعليم الرسل بخلفائهم، ونعلم أن الحكام السياسيين من أنبياء بني إسرائيل كانوا أقل القلة. وكانت مهامهم تتم بمجرد تصديهم للإرشاد.


الفترة المعاصرة

لما كانت طبيعة الفترة النبوية والخلافة الراشدة الأولى هي استهداف المسلمين كمسلمين لإبادتهم، ولم توجد دولة تدافع عنهم باعتبارهم مواطنيها، فاقتضت الظروف قيامهم هم بتكوين كيان سياسي. وكانت التقوى هي السبب الذي ينصرهم الله به. وهذا هو سر ارتباط الخلافتين.

ولما اشتبكت مصالح المسلمين مع مصالح البلاد التي فتحوها في أمور الدفاع، وصارت هناك دولة متعددة الطوائف تتطلب بقاء ذاتها بالتقوى وبدونها صار ربط الخلافتين اختياريا، وأتيح للناس فرصة أن يكون لهم حاكم لسياسة دنياهم وحاكم لمملكة أخراهم، وينتفع السياسي بنصائح خليفة الروح. ولذلك تنازل الحسن.

هل انتفع بنو أمية بنصائح أولياء الله خلفاء الروح؟  لا إلا ابن عبد العزيز رضي الله عنه.
هل انتفع بنو العباس بهم؟ لا لم ينتفعوا بهم ..
بل خدعوا بعض آل البيت ثم قتلوهم.
أوهموهم أنهم تابعوهم وعلى حسهم جمعوا المعارضة ضد بني أمية وبخدعة كبرى سرقوا اسم الخلافة، وفرضوا أنفسهم خلفاء للروح ولسياسة الدنيا بالقوة والعسف والقتل واللي عاجبه.  

وقد بعث الله مسيحه عليه السلام وتوفاه الله تعالى وتبعه الخلفاء، وهاهي الخلافة تجدها سلاما للعالم ومواساة للبشرية بسبب كونها انعكاسا لتعليم الله من عين صفاته، ربوبية ورحمانية ورحيمية.
والآن وبسسب العمى عن هذه الحقائق يتعسف مشايخ كثير ليصنعوا خلافة صناعية مزيفة، فملأت الدماء الأرض باسم القرآن والخلافة، والقرآن والخلافة تلعنهم.

اليوم تضل الجماعات الإسلامية عن قسمة الخلافة، وعن عصمة الخلافة، وعن توحيد الاستخلاف أو توحيد إقامة الخلافة، وعن طبيعة الخلافة كسلام وبيئة تتلقى إلهام الله وتوفيقه وبرهان معية الله معها.  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق