الثلاثاء، 11 يونيو 2013

هاهي سورة التكوير وقد فسرت .. وقد جاء ابن مريم للعالم وهو يطرق باب قلب العرب بكلام عربي رائع


المقال السادس من جملة 12 مقالا في شرح كتاب سيرة الأبدال

كتبه ابن مريم عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

مقال 6
 كتاب سيرة الأبدال هو نشيد يتم أداؤه بلحن صدق محترف.
كاتبه يعمل في مؤسسة الله تعالى، يشغل وظيفة: صادق وأمين.
عندما نتأمل هذا الكتاب، ونعلم أن كاتب سيرة الأبدال هندي ولم يذهب لبد عربي ولم يقم إقامة كاملة مع نحرير بليغ عقودا من الزمن ليتعلم، ولا التحق بمعهد عربي، ثم تقرأ مكتوباته، وتتعرف على دعواه، وتتفرس في ظروف رسالته ومادافع به عن الإسلام وشرفه وأعلاه، فأنت إذن أمام رجل الله، ابن مريم المسيح الموعود.
 المسيح الموعود يشرح آيات دالة على محامد الله، وهي آيات عبارة عن لوحات رائعة مرسومة بمادة كائنات بشرية، ويتحدث عن ربوبية الله ورحمانيته ورحيميته، كما هي متجلية في حياة المتقين،  ويؤكد أنه من الله عندما يعبر بكلمات قوية وأحيانا صعبة متحدية عجيبة، وجمل مبنية كالقصور المشيدة، تفصح عن عظمة الله تعالى، وهي تتجلي في أحداث تتزامن مع رحلة الصالحين الحياتية، ففي ركابهم تنبع عيون معرفة كمالات الله، ومع قافلتهم تنزل الملائكة برحمات هي ترجمة لصفات الله تعالى، لأن الله تعالى متعال أن يظهر روائع جماله في ركاب التافهين المشغولين عنه، بل يبدي وجوده في أجواء حياة عارفيه، ومعهم يقوم الله بإطلاق عروض رحمته، ورسم ملامح من روائع أسمائه.  
تعالوا نستمر في القراءة ونطالع لوحة فنية رائعة للأبدال يرسمها ابن مريم المحمدي ملهما في كتابه من الله تعالى.
ومن علاماتهم أنّهم يُلْقُون علومَهم في قلوب قومٍ يطلبون، ويربُّونهم كما يُزْغِلُ الطائر فرخه وعليهم يُشفقون، ويحفظونهم مما لا يرصُف بهم ويسمعون بتحنّنٍ صرخهم ولا يغفلون. وإنهم رعاةٌ في الأرض إذا رأوا ســـِـرحانا فبِشائهم ينعِقون.
كما يزغل الطائر فرخه أي يزقه.. ولايرصف لايليق.. سوف تجدهم في ثوب التربية والتعليم فتعرفهم أيضا. وستجد طلابهم وقد اكتسبوا قلوبا متفتحة، وأوعية عقولهم متشوقة لثروة العلم، كفراخ طير فاغرة الأفواه متسعة الاستيعاب، وهم يملأونها ويكيلون لها الدلاء. ويطعمونهم حب العلم والتزكية حبة بعد حبة كما يطعم الحمام زغلوله..  ويشفقون عليهم من جوع ومن سوء التغذية.
وحفظم لمريديهم مما لايرصف بهم هو حفظهم لهم مما لايتناسب مع شرف انتمائهم لصداقة ربهم وانضمامهم لهيئة نبلاء الله.
 وفي اللسان: يقال هذا أمر لايرصف بك أي لايليق. فهم يعلمونهم من دقائق التقوى شيئا فشيئا حتى يحيوا حياة تليق بهم في حضرة ربهم. وهم في تصرفاتهم شأن الراعي يتألم لألم رعيته ويسمع الصراخ ويتحرك للجواب، ويفحص الجرح ويعمل في الضماد، ولايغفل مهملا رعيته بل يسأل عنها ويتعهدها. وإذا رأوا سرحانا أي ذئبا على مبعدة يقترب فينادون شاءهم = تلاميذهم منذرين وينعقون = ينبهون واضحين موضحين. 
إن الضرورة التي اقتضت بعثهم واقتضت تعليمهم ونصرهم على ظلام الجهل تقتضي أيضا أن يعلمهم الله كيف يربون الناس كي يروا عظمة ربهم كما رأوها، ويدلونهم على أماكن أزرار النور الإلهي ليضغطوا بأيديهم بأنفسهم عليها. ولهذا السبب فسوف ترى صدقهم ظاهرا من طبيعة تربيتهم لتلاميذهم. لتضيف حكمة التربية وسموها كدليل صدق يدعم كل ماسبق: من 1 علامات الزمان المحتاج وكنز الإسلام المعطل الشاكي، و 2 شجاعتهم التامة أمام الطغاة، و 3 تواضعهم وعطفهم، و 4 مستواهم الخلقي والعلمي والروحي العالي، و 5 نصرهم على عدوهم وتحصينهم من كيد السفهاء، بصفتهم أسود الآجام الهصورين.
 ولا يتوكّلون على أنفسهم ويُسَبْحِلُون، ولا يعيشون كَسَبَحْلَلٍ، بل تتوالى عليهم الأحزان فهم فيها يذوبون.
يسبحلون = يسبحون منزهين الله بتسبيحهم عن الشريك، وخاصة تنزيهه تعالى عن الشريك في تلك النعم التي هم فيها، وخاصة وسواس الغرور بالحول والقوة، وهو شريك من ذات أنفسهم.  فتوحيدهم صاف وتوكلهم على قوة الله حقيقي، وتوكيلهم له في كل شأنهم ناتج من حس عميق بعجزهم وبفقرهم الذاتي وبكمال الغنى الإلهي الذاتي. إنهم رغم أعمالهم العظيمة فلا يغرهم الشيطان قائلا: ما أعظمكم، بل هم على يقين كامل أنهم مارموا ولكن الله رمى، وأن ربهم هو رب الحول والقوى، وأنه واهب القدر وفالق الحب والنوى.
لايعيشون كسبحلل أي ذا جسم ضخم كالناقة العظيمة الجسم، فحنانهم رحمة بقومهم وشفقتهم عليهم من سوء المصائر، ومساعيهم الدائبة، تسبب احتراق الطاقة فيهم وذوبان الشحوم.  


وتُزَكّى أنفُسُهم من ربهم فتتساتل جذباتهم حتى يبقى الروح فقط ويُفرَدون، ثم يُرسَلون إلى الناس فيدعون الناس إلى الصلاح ويُحَيْعِلون. ذلك مقام أبدَالٍ: الذين اختاروا سُبُلاً لا يعتقبون منه ندامةً ولا يتأسّفون. وجازوا شعابًا لا يجوزها المثقَلون.
يقولون الستالايت والساتل، ويظن البعض أن الساتل كلمة إنجليزية، ولكن الساتل بمعنى التابع هي كلمة عربية فصحى، وهم الذين أخذوا منا اللفظ وقالوا: الستالايت. وهاهو عيسى بن مريم سلطان القلم ينفخ الله به في صور العربية لتنبعث، وهاهو الكاتب الإمام منذ مائة وثمانية أعوام يحيي الكلمة الميتة، ويقول أن حالات الترقي تتساتل أي  تتتالى وتتتابع. 
المتقون يطهرهم الله تعالى ويجذبهم إليه دفعة بعد دفعة، وتتساتل الجذبات أي تتـتـابع الجذبات، حتى يفردوا بعان ثلاث: 1  يفنى الجسم أي يصيرون روحا لاجسم فيه، و2  يفردون أي يرسل الله إليهم، وفي اللسان : أفردته أي عزلته وأرسلت إليه رسولا. ومفرِد بكسر الراء اسم فاعل واسم المفعول منها مفرد بفتح الراء، ومعناه المولود فردا. والكلمة ( يفردون ) ىتشير إلى أن أرواحهم تفصل عن البدن فيصير الواحد منهم روحا لا جسم فيه. .  
وهذا المعنى يشمل الآخر رقم 2، فمن الطبيعي بعد أن يكون على هذا الحال أن يرسل للناس، فيدعوهم للشرب من نفس كأس الصلاح، ويقول حي على الفلاح، (ويحيعلون) ويقيمه الله خليفة وبدلا من خلفاء قبله.
 واللفظ ينطبق عليه أيضا معنى 3 وهو كامن في وصف المفرِّدين في اللسان: الذين قد هلك لداتهم من الناس وذهب القرن الذين كانوا فيه وبقوا هم يذكرون الله.
ثم إنهم السعداء الأبدال الذين اختاروا الصراط المستقيم فلا ندم معه، لأن الندم لايأتي إلا من العوج. فسبيلهم: ( لايعتقبون منه ندامة) .    
والصراط المستقيم عليه شعاب وعقبات يسهل اجتيازها على نوع واحد من البشر وهم الخفاف من ثقل الجسم، فالمثقلون بأحمال الجسم يعانون من جاذبية أخرى ويتأخرون، ولايستجيبون لجذبات الله المتتابعة المتساتلة. 
ولا يموتون إلاّ بعد أن يُخَلِّفوا أزفَلةً من الذين يُرزقون معرفةً ويتّقون. ويدعون كل دائق إلى عينهم ولا يسأمون، فيأتيهم كل من سمع نداءهم إلاّ الذين صَمُّوا وذَحَقَ لسانُهم وجُنَّ جَنَانُهم فهم لا يتوجَهون. وكذلك جرت عادة الكفرة ما سمعوا نداء المرسلين وإن كانوا يَصْلِقون. ولم يتيقّظوا بحسيس ولا بصَهْصَلِقٍ حتّى أخذهم العذاب وهم لا يشعرون.
يتمم الله جمايله معهم، وكما بعثهم وهداهم وصانهم فهو سبحانه يحفظ أنوارهم، وتتم مهماتهم من خلال خلفائهم.
إن الضرورة التي اقتضى منها جمال الله وكماله بعثهم هي نفسها اقتضت إمهالهم حتى يكون لهم جماعة أو أزفلة تحمل رسالتهم، والأزفلة جماعة من الناس، لهم صبغة معلمهم من العلم والعمل، والمتقون يدعون إلى عين مائهم كل العطاش، والموتى المثقلين لحياتهم ولتخفيف حملهم والحمقى بسبب الذنوب لاكتساب الذكاء، والدائق الهالك حمقا.
 فمن كانت طبلة أذنه  الروحية سليمة سمعهم ولبى، وشرب وعاش، لكن من أفسد أجهزته وأصيبت نظمه العصبية بخلل خفي فهو كمجنون،  بل قد صار أصم لايسمع فلا يصله نداء فلا يتوجه، ومن ذحق لسانه = فهو بخيل لايعترف بحق فهو أبكم، وذحق لسانهم سلق وانقشر من داء يصيبه. وهذه هي العادة والقانون، غلبت عليهم شقوتهم فلا يخترق نداء الأنبياء عوازلهم العقلية، مهما صرخوا أو حتى ولولوا، ويصلقون أي ينادون بصراخ أو ولولة، وهم في النوم الروحاني يغطون لايوقظهم منبه بصوت خفي ولابصوت شديد. والحسيس الصوت الخفي وصهصلق هو الصوت الشديد. حتى يستيقظوا مبهوتين على صوت الداهية الكبرى والعذاب الأليم.  
 وجاهد النبيون لعل الله يزيل صيقتهم ولعلّهم يبصرون،  فقعدوا كامرأةٍ طالقٍ وعصوا ربّهم وأعرضوا كأنهم لا يعلمون. وطارت حواسُّهم كالحُكْلِ وكانوا ذوي حُسَاسٍ وذوي وَنْشٍ وكانوا يسبُّون النبيّين وينقرون، ويرتعون ويَلْعَصونَ.
ولقد جاهد النبيون بالحجج وزودهم الله بالآيات المذهلة المزلزلة، لعل حرارتها تذيب الضباب، أو لعل الله  يخرجهم من (صيقتهم) وهي الغبار الثائر المرتفع المتكاثف حول أرواحهم، فتبصر أرواحهم نور الله تعالى. لكن من داس على الآيات قبل الرسل يظل يدوسها بعد أن هلك حياؤه، فيقعد كامرأة عاصية متمردة طالق، لايبالون،  فقد ذهب تماسكهم وفقدوا السيطرة على مصيرهم، كأن عقلهم ذهب فصاروا كالحيوان الأعجم، لايفقهون قولا، أو كالحكل، والحُكل هو اسم لعالم لايعلم بيانا إنسانيا من الطيور والبهائم أو ذوي حساس بمعنى ذوي نكد وشؤم أو ذوي رداءة في الخلق، وذوي ونش أي ذوي كلام رديء لو تكلموا.. يسبون رسل الله تعالى بدلا من توقيرهم وربط النفس بقافلتهم، وينقرون أي يعيبون أو يصوتون بصفارة من لزق اللسان بسقف الحنك وإخراج الصفير. ويرتعون = لايحسنون سوى القضم والخضم، يلعصون ومعناها يأكلون ويشربون بنهم.

 إن الذين آمنوا هم في الله يُجاهدون، ويلومون الأرجل مع طَهْقها ويظنّون أنهم متقاعسون، ويؤثرون الشدائد لله لعلّهم يُقبلون، فيدركهم رُحم الله ولا يُبقُون في أزْلٍ من العيشِ وبالفوز يَقْفِلون، ويحسبهم زَهْدَانٌ كَزِوَانٍ،  والخلقُ بهم يَسلمون،  يبتغون رضا الله ويصرخون كامرأة ماخض فيُدخَلونَ في المقبولين.
من آمن بالله كان إيمانه محركا لعمل الصالح وتحمل المشاق، وفي سعيه يهيب بقواه ويلوم قدميه ولاتملأ عينيه سرعتهما مع طهقها أي مع سرعتها في الحقيقة، ويتهم نفسه بالتقاعس وهو البطء، ولأنه  يؤثر الشدائد لله كنوع من الاعتذار لله  ولجذب عطفه عليه فإن الله ييسر عليه ويرحمه، ويخفف عنه الأزل في العيش وهو الشدة، ويعود من رحلة المعاناة فائزا، وينظر إليهم الخلق بجهل واحتقار .. والزهدان: الذي هو المملوء زهدا فيهم واحتقارا لشأنهم. يحسبهم زوانا أو دخلاء على الوجود وكان خيرا لو لم يخلقوا، والزوان بالكسر البذور الطفيلية التي تؤخذ من البذور الأصلية ويرمى بها بعيدا. ولا يدري مسكين المخ أن الله من أجلهم يعطي سلاما لمن حولهم، وماكان ليعذب قوما هم فيهم بعذاب المحو.
إنهم في تقدمهم نحو الله تعالى يمرون عند كل عقبة بمخاض وولادة جديدة في كل مقام يرقونه،  وإنهم يصرخون بكل إخلاص إلى الله تعالى في دعائهم فإذا هم يغاثون من أجل الصراخ الذي يشبه صراخ امرأة في مخاض الولادة ويكونون من المقبولين السعداء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق