الثلاثاء، 11 يونيو 2013

إلى نقاد الأدب وعلماء بلاغة العرب الملهمين الأفذاذ: أليس هذا من الله لو صدر من هندي لم يعش مع العرب ؟؟

المقال الخامس في شرح سيرة الأبدال  بقلم ابن مريم عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
 شرح سيرة الأبدال
 مقال 5  
في هذا المقال نستمر فيما بدأناه من شرح سيرة الأبدال، وهو كتاب كتبه أحد الصالحين الصادقين، وهو المسيح المحمدي، الذي جاء في وعد محمد صلى الله عليه وسلم، بما وعد الله. يخبر عن التقاة والتقوى بكلام عربي يستحيل أن يخطه هندي لم يولد ولم يعش عقودا في بلاد العرب القديمة.
لايمكن أن يكتب هذا الكتاب إلا ملهم، والله لايلهم إلا التقي.
التقوى علم دقيق، ولكل علم دقائقُ وأسرارٌ عميقة، بها يمكن بناء صروح شامخة، ولا يجوز أخذ هذا العلم إلا من متخصص معه شهادة، ولابد لشهادته أن تصدر من جهة معنية ذات سلطان في هذا العلم، ولاتعطى الشهادة  إلا لمن دخل نار فرن التقوى واستوى تقيا.
 وهنا علامات المتقين يكتبها عالم بها خبير بسرها، على خلاف علماء يحفظون عن ظهر قلوب كتبا عن التقوى ولايتقون، ويختلف منبرهم عن بيتهم ولايتوبون، ولذلك فهم لايفهمون التقوى، لأنهم لم يذوقوا طعمها حتى يميزوا إن كان كتاب أو تفسير يحتوي على التقوى حقا أم يختلط فيه الغث بالسمين.
يقول عليه السلام عن علامات المتقين:     
ومن علاماتهم أنّهم يُنصرون ولا يُخذلون، ولا يحجز هوًى بينهم وبين ربّهم ولا يُتركون، ولا يُفارقون الحضرة ولو يُخَرْذَلون، ولا يكونون كخرقاء ذات نيِقَةٍ بل يُعطَون العلم ويُنَوَّرُون.
المسيح يتحدث عن أمثاله، عليهم السلام، في لوحة أحداث رائعة  من المحن والنصر، نتعلم منها أنه مادام الله تعالى قد بعثهم عند الضرورة وعند ظلام يحيط الزمان، وأظهرهم ليزيلوا الودب، ولإصلاح ماخرب، ومع ذلك يعلم الله أن شرار الناس سيختارون التي هي شر، وسينصبون آلة الحرب للصالحين ليعطلوهم عما أرسلوا من أجله، فالضرورة نفسها تقتضي من الجميل فاعل الجميل أن يكمل الجميل، ومنه نستنتج أنه لابد ناصرهم في هذه الحرب، ولن يخذلهم عندما يستنصرون ويدعونه.
إن الله يرسل ابن مريم ويرسل له النور الهادي ويرسل معه السيف القاطع بالحجة والحماية الكاملة من الأشرار، وكفالة ذيوع نوره في العالمين، كله في حزمة واحدة.  
وقد تكون العقبة من الداخل لامن الخارج، فعندما يقف الهوى بدلا من الناس محاربا لهم في ذات أنفسهم، ليحول بينهم وبين قرب الله،  يستعيذون بالله تعالى منه، والله سبحانه حسب نفس القاعدة ينصرهم على الهوى، ولايحجز الهوى بينهم بين ربهم. ومن أجل أنواع النصر هذه فهم يلازمون حضرة ربهم وهم يذكرونه دائما، ويدعونه ليل نهار، ولايفارقون هذا الحال ولويخرذلون أي ولو قطعت أوصالهم.

وهو ليسوا بخرقاء ذات نيقة أي ليسوا جهلة أدعياء معرفة. وفي اللسان مادة نوق: وفي المثل:خرقاءُ ذاتُ نيقة يضرب للجاهل في الأمر وهو مع جهله يدعي المعرفة ويتأنق في الإرادة. ذكره أبو عبيد. 

إذن ينصرهم الله تعالى على عقبة الجهل فيعطيهم العلوم وينور غرف عوالمهم الداخلية بالفهم، وإراداتهم بالحكمة.

 ويُرى الله بريقهم وهم لا يُراءون، وفي الحسنات يتنَوَّقون، وتراهم كنباتٍ خضلٍ ولو يُكْلَمون، يشهد لهم الأثْرَمَانِ أنهم من أولياء الرحمن، ولو يحسبهم خَطِلٌ أنّهم مُلحِدون، وإذا ضاق عليهم أمرٌ فإلى الله يَخفلون، ولايتركهم الله كخامل بل يعرفون بين الناس ويبجلون. ولا تراهم كَأُمِّ خَنْثَل بل هم كَبَبٍّ عبقريٍّ يُشاهَدون، ويمشون في الأرض هونًا ولا يُخَنْشِلُون.

الله هو الذي يقوم بتفجير نورهم، ورفعه للعالمين.
هاهم المتقون في داخل المصنع العظيم، ونحن نطلع على مايحدث فيه، وكيف يضفي الله  عليهم الهيبة والمكانة والجلالة، ويعينهم على المهام التي هم مكلفون بها، ولذلك فإن الله يحول أرواحهم إلى طاقة نورانية، أويجعل جوهر الصالحين المجاهدين فيه نورا، ومن جوهر النور يكون بريقهم، لامن ريائهم، فالنور يخبر عن نفسه بشعاعه لا بادعائه. وكلمة: يتنوقون أن يجتهدون في تجويد العمل والقول وتصفية التوحيد، وتراهم كنبات ندي على وجوههم ندى أو رطوبة البشر كأنك رششت عليهم رذاذ النداوة، حتى لو كانوا مجروحين من نكران الجميل. الليل والنهار ( الأثرمان) يشهدان لهم بالولاية للرحمان أي يشهد لهم القمر ليلا في خسوفه والشمس نهارا في كسوفها في رمضان أنهم هم المعنيون بالهدى، بينما يرميهم الخاطئون بأشد خطيئة، ويتهمون في الدساتير ( أنهم ملحدون، لاهداية لهم مطلقا، يدعون الوحي ولاوحي بعد محمد، فديانتهم إذن أرضية، بينما اليهودية ديانة سماوية، فهم أدنى من اليهود شأنا)  ويظن هؤلاء الشطار بذلك أنهم مفلحون. ففشلوا واحسرتاه عليهم، وفشلت بهم دولهم وجلبوا العار على كل من انتسب إليهم. أما الصالحون فقد ( خفلوا ) أي فروا إلى ربهم شاكين، فلم يتركهم الله في زاوية الخمول، بل بشرهم الله تعالى ووعدهم وأوفى وبلغ دعوتهم إلى أقاصي الأرضين. وعرفوا على مستوى العالم وبجلهم العقلاء من كل شعب.
انظر إليهم وإلى كتبهم تراهم ليسوا ( أم خنثل) أي ليسوا بحمقى ولاضعاف العقول، بل شهد لهم الشاهدون بعد المشاهدة أنهم ( كبب عبقري) أي من حيث الحالة الروحية العقلية كالشاب، الممتليء البدن نعمة وشبابا ومن العباقرة، وهم يمشون في الأرض أي ينتهجون في حياتهم مناهج رائعة الحسن، سالكين مسالك الوداعة والمواطنة الصالحة الرشيدة،  (ولايخنشلون) أي لايعملون السيف في الناس، وهو كناية عن نبذ العنف في التعامل مع المواطنين.
ومن علاماتهم أنّ خَنْطُولة من السفهاء يظنّون فيهم ظنّ السَّوْء وهم عند الله يُبَرَّأُون، لا يغتَمّون بدؤلُولٍ ولا هم يحزنون.
هنا استعار للسفهاء لفظا يشير لقطعان الدواب، ومن الطبيعي أن السفيه ضعيف العقل وبالتالي لايحسن ظنا من سفاهته.  فمن علامات المتقين أن خنطولة أي قطيعا من ضعاف العقول الذين لايحسنون التصرف في مال واحد منهم ( ولكنهم ياحسرتاه ربما يكونون منتخبين لتدبير أموال دول) يتهمونهم بتهم السوء، ولكن الله تعالى يقوم بتبرئتهم والقضاء على رؤوس الفساد، والصالحون لايصيبهم الغم من هؤلاء الدهاة الماكرين، ولا يخيم على أرواحهم الاكتئاب من ذلك،  فشأن الدؤلول السفيه تافه عندهم وشأن الله أكبر، يقولون في حياتهم وصلاتهم الله أكبر، فهمهم هي في توحيد رأي ربهم فيهم لا يشركون خوف الله بتحمل المخاوف من رأي السفهاء، فمن توحيدهم أن يكون رضاه تعالى أكبر عندهم من غضب الدؤلول أي السفيه، فقد كبروا الله تكبيرا، وكلما ركعوا قالوا الله أكبر ويسجدون وكلما قاموا قالوا الله أكبر ويقرأون وبعد القراءة الله أكبر.
 وبينهم وبين الأنبياء خئولة يشربون مما كانوا يشربون، وإذا دَبَلَتْهُمْ دُبَيْلَةٌ فقاموا وإلى الله يرجعون، وينْزحون ما عندهم لله ولا يَبخلون.
أمهات الأولياء والأنبياء يجمعهن أصل واحد، ويشربون من نبع التوحيد نفسه، وإذا دبلتهم دبيلة : انظر للتصغير والتهوين أي أنها لن تكون ذا شأن في تعويقهم، أي وإذا أصابتهم مصيبة أو لدغوا من كيد أو إذا مستهم من الشيطان نزغة أو والجة قاموا من سقطتهم،  فلا تقضي على الصحابة مثلا محنة أحد ولا فتنة الحديبية، بل تراهم رضوان الله عليهم وقد نهضوا على أقدامهم ورجعوا إلى ربهم واستجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.، أو أصابتهم ريح حيرة.
 وينزحون ماعندهم = وأنفقوا مما يحبون وأعطوا كل مايملكون في رضا وشهدوا بالحق في أريحية.

 يجتنبون دحلة الدنيا ولا يقومون على حفرتها ولا يقربون، وإنّهم ريابيل اللهِ وفي أَجمةِ الغيب يُكتَمون.
ليس هصورٌ كمثلهم ولا بازي،  يَصُولون على العدا ويمتشقون.
منطقة الحلال بينة وهوة الحرام بينة وبينهما منطقة اشتباه وتهم، ومن اقترب من الهوة وقع فيها لأن حولها منطقة خطرة تتهايل حوافها وتنهار. ولذا فالاجتناب يعني ترك مسافة أمان فلا يقترب التقي منها أيضا.
 ودحلة الدنيا بالفتح هي الهوة والهاوية أو البئر الدنيوي، وكثيرا مايشرح الكاتب ابن مريم الإمام عليه السلام بعضا من الكلمات الصعبة في نفس السياق فيقول هنا شارحا: ولايقومون على حفرتها.
والأتقياء ريابيل الله في أجمة الغيب.
الريبال هو الأسد وجمعها ريابيل، ولكن في اللسان من قول أبي منصور: هكذا سمعته بغير همز. قال ومن العرب من يهمزه يعني فيقول رئبال، وجمعه رآبلة.
كيف اختار الكاتب الكلمة بغير همز كما سمع أبو منصور؟ وماهي الجرأة في اتخاذ قرار اختيار الكلمة؟!!! واضح أننا أمام آية بلاغية ربانية وهبها الله لهندي لم يكن له علم بالإنشاء الأدبي العربي، ولا كان صديقا للصاحب بن عباد ولا رفيقا لأبي حيان، ولا تلميذا لابن عبد ربه. ومستحيل أن يختار هذه الاختيارات إلا أن تكون تعليما من رب العرش. وهذه حجة على العرب دامغة لو كانوا عربا، وجدير بكل عضو في مجمع اللغة العربية أن ينتشي من هذا الإنشاء طربا، وأن ينطق بأن الله قد أرسل هنديا وعلمه من عنده قاموسا وأدبا.
وأما أجمة الغيب فهو مجاز فريد من نوعه، وتمثيل فائق الجمال، وسمو بياني يطير باللغة العربية طيرانا. لقد سمى غرفة في خزانة الغيب باسم يناسب ما تحتويه الخزانة. فإذا كان غيث الله اللطيف يحتوي أسود الهدى، والغيث يكمن في خزانة للغيب خفية، سميت غرفة الغيب هذه بالأجمة، لأن الأسود تكمن فيها وتفاجيء منها..  وكتمان الأجمة لريابيل الله تعالى تتضمن كذلك حمايتهم.
  والأجمة شجر كثير ملتف، وقال الجوهري الأجمة من القصب، وتأجم الأسد دخل في أجمته. هم إذن أسود الله تعالى يخفيهم الله في الآجام حتى يكتمل تكوينهم وينفجر نورهم، ولأن الآجام تقوم كحصون مخيفة لبقية وحش الغابة فكذلك عندما يهيج عليهم السفهاء فيسكنهم الله الآجام تصويرا فنيا للجوئهم لكهف الله الآمن لهم المخيف لغيرهم.
 ولأنهم أغصان في شجرة القدس كما سيقول فيما بعد أي هم فروع دوحة الجنة، ودوحة الجنة من طبيعتها أنها متينة لاتنكسر، ولاتهصر ولاتحصر.  والهصر هو عطف الشيء أو الغصن الرطب وجذبه إليك وثنيه بقوة تسبب كسره.. والأسد هصور يكسر غيره،  والمتقون أسود فهم يكسرون أعواد غيرهم، وليس هصور كمثلهم، وهم يصطادون غيرهم ولايصيدهم غيرهم،  فكل منهم هو صقر الله صياد أهل الباطل، وهو البازي الحق، وهم الذين يصولون حاملين حملة شعواء على العدو، يمتشقون السيوف منتصرين. وهو يصيدون لله لا لحظ نفوسهم، فهم كالجوارح المعلمة عندما تمسك عن لحم الصيد وتعف.
 وإنّهم أغصان شجرة القدس فمن هَصَرَهُم يكسره الله،  والذين يحصرونهم فهم في غَتْمٍ يَضْجَرون، ولا يؤذيهم إلاّ من كان أحمق من رجلةٍ وأخْنَسَ من حيّةٍ،  فإنّهم قومٌ يُحارب اللهُ لهم، ولا تفلح عِداهم، وإن يفرُّوا حتى يرتهشوا فإنهم عارضوا الذي لا تخفى منه المجرمون.
هم أغصان في بستان الله، ورب البستان قوي غيور على سلامة بستانه، ومن اقترب وكسر غصنا فالويل له، والهصر عصر مع كسر.
من يهصرهم فقد جلب الهصر على نفسه، ومن يحاصرهم فقد جلب الحصار والخسار على نفسه والحسرة، والغتم هو الغم الشديد. فهم في قلاع الله يسكنون، والمحاصر لهم هو المغموم وليس الذي يسكن القلعة المحاصرة. والمؤن تنفد من عند العدو ولا تنفد من عندهم. فينتاب العدو الضجر ويمل العداوة. طبعا كي يتولاها مغفل آخر مخدوع.
والرجلة المرأة النؤوم، والرجلة نبات معروف ويسمى الفرفخ، وفي اللسان: وقوم يسمون البقلة الحمقاء الرجلة، وإنما هي الفرفخ. وقال أبو حنيفة: ومن كلامهم: هو أحمق من رجلة، يعنون هذه البقلة وذلك لأنها تنبت على طرق الناس فتداس، وفي المسايل فيقتلعها ماء السيل.
الذي يؤذي المتقين طبقا لهذه الصورة الفنية الفريدة من نوعها هو أحمق من هذا النبات لأنه يضرب مخيما لحصارهم كي يقتلعهم بينما هو الذي وضع جنوده في مهب الاقتلاع ووضع عياله على قضبان القطار، وبذلك عرض كل من معه للضياع، وانشغل كأحمق أبله بحصار حصن منيع لايمكن الوصول إليه.
 من يؤذيهم يضع الله جبنا في قلبه فإذا به أخنس أي أجبن من حية وأشد فرارا، فالحية تبحث عن شق تهرب إليه من نور النصر. إذن فالمتقون الأبدال هم قوم محصنون يقوم الله بنفسه على الدفاع عنهم، لذا فلا فلاح لعداهم بل الهلاك. والأعداء لو فروا للجحور وتسارعوا فتراكموا فوق بعضهم كجراد متراكب ( وهو معنى ارتهشوا) من زحام الهرب المرعوب فلانجاة، فالله مدركهم بالهلاك، لأنه أين المهرب، وأي جحر يخنسون إليه والله خبير بصير لاتخفى عليه خافية ولايخفي منه جحر ولا وكر؟؟؟؟ 
      تبارك الله الملك الحق لاإله إلا هو رب العرش الكريم الذي جعل وجود هؤلاء ممكنا، وأتم بفضله وعونه جهود تزكيهم وتطهرهم فأثمرت طهرا تاما،  ورعى دوام وجودهم،  فأحيانا يقل وأحيانا يكثر عددهم، وبذلك يرد الله بصفاته وبجدواها،  وبقدرته وسعة رحمته، وعونه للطالبين، يرد الله بهذا النظام على نظرية الخطيئة، التي توئس من عظمة الرحمة، ومن وجود الأبدال، وتهد من أهداف الوجود الإنساني ونجاح مشروع الله تعالى. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق