الخميس، 1 يناير 2015

1 وداعا للوهابية مقال أول : أشد من كل غارات التحالف


وداعا 1

أشد من كل غارات التحالف  

مصرع الدموية ...  

بسم الله الرحمن الرحيم

السباحة ضد تيار نهر التاريخ الجبار.

بينما كان الله يقضي على محاكم التفتيش في العالم على اتساعه كان عالم العرب ينشيء محاكم تفتيش تقتل على العقيدة وتستعمل سلاح التكفير بشكل دموي.

كانوا خارج التاريخ لا يدرون شيئا عن روح الإسلام الحق، ولا عن تاريخ العلاقة بين الله والعباد، وفي غمرة السهو انطلقوا يقدمون غذاء جديدا لأعداء الإسلام يبررون به اتهاماتهم.

والماكرون من جهابذة التنصير عندما اطلعوا ووعوا حقيقة مايجري، بعد مرور قرن على ظهور هذا التيار، أسعدهم وجوده، وعملوا على ضخ ماء الحياة فيه،  وأوصي من استطاع منهم أصدقاءه من الساسة والمحاربين أن يساعدوا هذا التيار.

.....

عالم جديد يتشكل

في القرن الثامن عشر الميلادي كان ركام التراث الإسلامي يعمل في بلاد العرب والمسلمين عمله، ويفرخ جماعات تجرب به، وهو التراث المشوب بالإسرائيليات والأخطاء، ولم يكن يمكنه أن ينتج سوى كيانات مستبدة تكرر تاريخ العباسيين في أتعس عصورهم، حيث يستحل القهر الفكري والاضطهاد الديني وتبرير الكبت والحرمان من الحرية.  غافلين جاهلين أنه في نفس الوقت كان الله ينشر الحرية رويدا، ويغدوا الإكراه في الدين شيئا من الماضي، وحركة الاستقلال الأمريكية بسبيلها لدولة لها دستور يؤسس للحرية الدينية، وخميرة الثورة الفرنسية تنمو لتنفجر،  مؤسسة لمجموعة من إعلانات الحقوق، ستتطور في فرنسا خلال جمهويات عدة حتى تنضج.

.....

 كانت الكنيسة بين جناحين: 1 جناح بروتستانتي يتعصب ككل المتعصبين في التاريخ وقد استهواه تفسير جنوني لسفر الرؤيا ليوحنا اللاهوتي، يرتكز على انتظار نزول المسيح كإله ليحكم في ألفية،  وتخيلوا في التفسير أشرارا منهم المسلمون ونصبوا من انفسهم أخيارا وجندا للمسيح الرب المعبود، وراجت نظرية الألفية فصار لها فلاسفته وأتباع خاصة في الأطراف والأرياف..   2  وأجنحة تتلقى الضربات لتنزوي على نفسها في مباني الكنائس تاركة الشأن العام لتدابير العقلانية.

 وكان العلم يتقدم ومعه الفلسفة الآلية، وحمي وطيس البحث عن مبدأ مختلف للسلوك وتفسير الحياة، وانتشر نقد علمي الطابع للكتاب المقدس، وكانت الثورة الفرنسية كامنة ونارها تحت الرماد تتوقد، وصار للإلحاد زبائن وفلاسفة، وصارت الحرية في العقيدة والفكر تدريجيا مقدسة، ونما بينهم احتقار الآخرين غيرهم لأنهم ليسوا مثلهم.

......

بالطبع كان تنامي أفكار الحرية والفردية بالتوازي هو الشرط الطبيعي لحدوث انقلاب في العالم، فسيسمح القدر الرباني بموجبه لإنجليزي أو لفرنسي أن يعلن إسلامه، ومن حكمة الله تعالى أن الإلحاد الذي انتشر بعد انهيار مكانة الكنيسة أعقبه إمكان تحول بطيء نحو البحث النزيه في الإسلام. ولو تخيلنا الإلحاد أو اللاأدرية تشبه نقطة الصفر الحرارية والإسلام هو درجات مافوق الصفر والعداوة له هي درجات التجمد تحت الصفر، فإن  صعود درجة الحرارة المتجمدة نحو درجة السخونة والغليان سيمر بدرجة الصفر حتما، مما يعني ضرورة المرور بالتيه والحيرة الإلحاديه قبل التوجه نحو الإيمان من منطقة العداوة لهذا الإيمان.  

.....

لم يكن في العقائد السائدة في الغرب شيء صحيح، واختفت معرفة الله الواحد كما يقدمه القرآن الكريم، واتسعت الفجوة بين الناس وربهم، وهذا البعد عن الله تعالى في الغرب كان لا يخلف نعيما روحانيا، وظن غالبية الناس الساحقة أن بضاعة السرور المادي هي التي تشفي الروح (الروح التي لاتدري أنها مخلوقة لله كي تبحث عنه وتجده ويشبعها لقاؤه)، واستمر المرض ينخر في رجال الدين وقدموا أسوأ قدوة، وتجرأ الناس عليهم والملوك، وارتفع صوت القومية وغلبت سلطة الدول القومية سلطة البابا العامة الروحية. ولكن العجيب أنه بينما كان سلطان الكنيسة وحكوماتها تنهار في الغرب كان هناك مسلمون يعيدون بناء محاكم التفتيش في بلاد الإسلام.

في القرن الثامن عشر كان الانهيار الأكبر للكنيسة ووجد الفلاسفة في العقل أساسا لأخلاقيات تم ترويجها.

.....

وكنا نحن في الطراوة

وكانت الثقافة الإسلامية المختلطة بثقافة الإسرائيليات تؤتي أكلها المر في بلاد الإسلام.

لم تكن آثار الفهم الخاطيء لدين الله تنتج في بلاد الهند غير نفس الإنتاج، وهو البعد عن الله والاهتمام بالدنيا وخمود الروح والإبداع. 

وفي مصر والشام كانت ممارسات الانكشارية والمماليك ونظم الجباية والجهل العام في ظل السلطة العثمانية وفقدان الأمن والعدل قد أنتج شعوبا ضائعة، وتقاليد الجمود عند العلماء قد قضت على روح البحث في التوحيد، وسيطرت طبائع الببغاء والتقليد، وكان هناك بعض العلماء النابهين من المجددين المتناثرين، ينيرون حولهم هالة سرعان ماتضعف، ولكن غول الجمود والتفسير الحرفي وقدسية التقليد كان مخيفا.

......

كان هناك كاتب من أعلام التفسير الحرفي، وهو الإمام ابن تيمية، ينعى على الناس بعض البدع وكان فيها مصيبا، ولكنه  كان من جهة أخرى تلميذا للتيار الثقافي الذي يفسر بظاهر النص، ولايهتم بأن يقدم الإسلام في صورة تتحدى أسمى العقول وأرقاها، ولا يجهد نفسه في البحث عن تعمق كلام الله، ولايهتم بعمق قوله تعالى: لايمسه إلا المطهرون، وتبلورت الثمار المرة  في المذهب الوهابي الذي أسسه الإمام محمد ابن عبد الوهاب.  ففي الجزيرة العربية عند منتصف القرن ظهر أخطر أثر للتفسير الحرفي للقرآن والحديث.

.....

الجزيرة العربية   

كانت شبه الجزيرة مقسمة بين منطقة تخضع لسلطان مكة والمدينة، وبقيتها ممزقة تخضع لسلطان القبائل في أنحائها، لكل قبيلة منطقة نفوذ وأحلاف، تماما كعهد الجاهلية.

وكانوا يقتتلون جميعا، وتخوض كل قبيلة حربا لتوسيع الرقعة التي تملكها، ثم وجدت قبيلة آل سعود أفقا جديدا وأساسا جديدا للتوسع، في شكل التعاون بين القبيلة وبين أحد العلماء وتلاميذه. وفي هذا التعاون يتم تكفير القرى والقبائل التي لاتقبل الخضوع لهم، ومن ثم يتم استحلال دمهم ومالهم وعرضهم، ويقتسم الطرفان الغنائم، وتطور الصراع بين الأحلاف وبين بقية الجزيرة إلى توسع سلطان الحركة.

 كتبت الكتب التي تبرر وتدافع عما فعلوا على أنه الإسلام المحمدي، والمثل الذي يحتذى من قبل الإنسان الشرقي والغربي، وكانت فرصة ذهبية تقبل الاستثمار، وسيتم استثمارها بعد ذلك على يد الدجال الذي يكره الإسلام.


الوهابية

.......

الوهابية محاولة محلية قاسية للبقاء على أساس يجمع بين القبلية وبين الدولة، وتتخذ القتال والقتل وسيلة للتوسع، تبحث عن فكرة تغتر بها وتتصور بها تميزا رهيبا، ويتم بها تكفير القبيلة المجاورة المخالفة أو الشعب المجاور لغزوه.

تستعين بتلفيقة من الكلمات لتبرير القتل الذي بدونه لا يتحقق غرضهم، فتتهم من ليس معها بالكفر، وتستمد من التراث مايقول أن الكافر مستحق للقتل لمجرد الكفر، والقاتل طبعا هو من معه القوة، والمقتول هو القبيلة التي تقع على حدود التوسع، والتي ترفض بيعتهم على ماهم عليه.

 وله كتاب بعنوان: مختصر سيرة الرسول، فيه يعيد صياغة السيرة النبوية في صورة لا تمت للنبي بصلة، صلى الله عليه وسلم، وتصور أهل الجزيرة في عصره بل وكل من لايتبع المذهب أنهم كفار كأهل مكة، يجوز قتلهم بسبب كفرهم الفكري، أو مرتدون كأهل الردة يوم خلافة أبي بكر، فيقتلون على الردة.

فسكان الجزيرة من غيرهم أعراب لا يتعدى إقرارهم بالإسلام والتوحيد إقرار أهل مكة بالربوبية لله. والربوبية جزء من التوحيد لا كله، وإقرار الربوبية هذا رفضه النبي وقاتلهم على بقية التوحيد.

 ويستدل بأنك لو استفسرت عن التوحيد عاميا أو حتى عالما من غير الوهابية فسيجيب بأن ربنا الله خالقنا ومالكنا ومدبر أمرنا وشافينا ورازقنا ..  ويقول بأنه مجرد جواب مطابق لجواب الكفار لو سألتهم من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون الله.

 ويصور ابن عبد الوهاب ما فعله معهم من قتل على أنه عين مافعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين. وما فعله أبو بكر، رضي الله عنه.

وقدمت هذه التصورات المهينة للإسلام على أنها رحمة الإسلام؟!


هذا هو ما فعلته الوهابية : من افتراض نفسها أنها الطرف الفاهم والداعي للإسلام واليد العليا وأن الباقي هم اليد السفلى وهو المدعوون أن يبايعوا ، ووضع مقياس السلام أنه بيعة على توحيد الألوهية لقادة الحركة، سلما أو بالقوة، ويتصورون أنهم بذلك يستردون المسلوب، وهو حق الله في أن يعبد، ويسلمون حق الله المهضوم إليه تعالى طوعا وكرها.

......

كان تلفيقا مقصودا به الكسب المادي واستحلال قتل المسلمين وحكمهم والتوسع في بلادهم. تلفيق تم حياكته كثوب يقصه ويخيطه حائك بمواصفات محددة.

لم يكن هذا التوحيد من الإسلام، ولم يكن المتهمون مشركين كما اتهمهم ابن عبد الوهاب. ولم يكن مجرد شرك الإنسان مبيحا لدمه حتى لو كان مشركا. ولم يكن سفك كل تلك الدماء جائزا بهذا السبب.

 قد يقدم الوهابيون أمام الله تعالى شروحات يوم القيامة، وقد يقدمون أعذارا لما سفكوه من دماء لا يرضى عنها الله، وربما اعتذروا بأن ذلك كان منهم كأكل لحوم الخنازير.

المسائل الحربية في القرآن تحتاج معاناة طويلة لحسن فهمها، والالتباس وارد مالم تكن لك بعض خبرة أو دراسة طويلة، فمثلا: التباس كثرة ذكر الكفر مع المحاربة قد يصنع عندك اقترانا يحتم الربط بين الكفر وبين القتل، بينما الحديث كله أصلا عمن أذن الله بقتالهم.. ومادامت الحرب قائمة والاعتداء علينا قد حدث فربما التبس عليك الأمر فتتصور أن جهاد الدفع لايكون إلا في عقر الدار، فإن خرجنا من الدار نهاجم العدو فهو جهاد الطلب،  ثم يتم تحريف جهاد الطلب ليكون بدء الكافرين المسالمين بالقتال. وهذا خطأ عظيم، فالخروج من الديار والهجوم على العدو في دياره هو من جهاد الدفع أيضا، لأن الاستمرار في الدفاع داخل أسوارنا قد يحث فيه هزيمة يوما فتكون القاضية المبيدة، لذلك لابد للقيادة الرشيدة من التعبئة والدفاع الوقائي ولو تركنا الجزيرة وطردنا العدو الرومي من بلاد مصر البعيدة. 


قد يلتبس جهاد الطلب بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوه بعد الخندق عازما أن يغزو العدو ولايغزوه العدو بعد يومه ذاك صلى الله عليه وسلم وبارك.

.......

 معضلة الأمير السعودي مع الإمام محمد بن عبد الوهاب.

لو أن أهل القرى

عجبا أن تظل أحكام الإكراه متسلطة على عقول دول إسلامية، يظنون في الإغلاق والإكراه حماية لدين الله وإبرازا لجماله. كيف يبرز الجمال في ظل الإكراه وقوانين الإذلال الفكري؟! كيف تظل عقول ملايين المسلمين مغلقة عن سماع صوت التاريخ نحو فتح الفرصة،  وعن أن جمال الإسلام يتألق في جو الحرية؟؟ في جو الحرية يكسب الإسلام الحق ويندحر الإسلام المزيف. في جو الحرية العالمي حاليا استطاع داعية الحق وناصر الدين المحمدي وتمكن من بيان ونشر كل كلامه في تفسير القرآن الحق.

....

الصورة العميقة للمذهب الوهابي تكفر بالحرية الدينية، وتصول وتجول في ميدان التكفير: خائرة في ميدان بناء علاقة مع الله ذات سمو وحب ونبل وتفان. إنها صورة فئة  تفزع من ألفاظ الحب والعشق والوله والشوق والفناء حبا في الله.

 في نفس الوقت الذي تتطور فيه الدولة السعودية حاليا وتتجه  مع اتجاهات العصر اليوم، فتتقدم من مرحلة ( تأمين المواطن مع تجريم إعلان فكره المخالف ) نحو السماح بالحرية مع الأمن، أي منح الأمن للمفكر أن ينطق ويحيا، كما يمنح للمواطن الأمن ليحيا.

ندعو الله أن تكتمل منظومة الأمن والحرية معا في بلد الكعبة المشرفة، ويكون كل من ينطق الشهادتين عزيزا في بلاد الحرمين، يشرح رؤيته لمراد الله في كتابه ورسوله دون رعب، ولا يسمح لأحد أن يستحل دمه ولا ماله ولاعرضه. وأن تضرب السعودية مثلا للعالمين في تقديم المعاني الراقية لكون الكعبة مثابة للناس وأمنا.

....

ويتحرك بعض علماء قلة مستضعفة رويدا كي يحرروا الدولة من المشايخ، أعني مشايخ التكفير، وأن تكون الشرعية للدولة الحقة ومهمتها الحضارية الحقة، لا للذين يناصرون نهج الاستبداد العقائدي وإذلال الإنسان لهم. ونسأل الله أن تتطور جهودهم قدما وأن يهديهم لأقرب من هذا رشدا ليحطموا كل الأغلال التي تكبل البلاد المقدسة من إرهاب الإذلال السلفي المخيم.

هذه الحال المبشرة لم تكن هي نفسها الحال في بدايات الدولة السعودية. 

كان هناك الشيخ بن عبد الوهاب يواجه مشكلة المطاردة، وكانت المشكلة أن مفكرا وداعيا لفكرته لا يجد المأوى والأمان ليواصل دعوته، فتم تأمينه في الدرعية من قبل الأسرة السعودية،  لكن حدث خطأ في منظومة تأمينه ولدت من المصائب مالا يحصى.

يعلم العالم كله الآن أن الحق في التعلم والتفكر والتعبير حق إنساني، وباستعماله يوجد لدينا مصلحون، وحماية هؤلاء المفكرين والدعاة والمعبرين عن رأيهم هي حماية مفروضة وحق لهم، ومن يحميهم فهو من نبلاء الناس.

رجل يتعلم في العيينة والإحساء ويرحل إلى البصرة ويستنكر البدع والخرافات، ويؤذيه الناس في حريملة فيجب على قوات أمير الدرعية ورجالها أن تكفل له المأوى، وأن تعطيه الحماية وتقاتل عنه من يريد قتله، حتى لو قاتلت الأعراب أجمعين دفاعا عن هذا الرجل الواحد، كما كان هذا الحق نفسه مكفولا للشيخ محمد بن عبد الوهاب،  الذي كان شجاعا عالما نشيطا صاحب فكرة،  وله الحق في التعبير عنها والدعوة إليها.

....

لكن لم يكن هناك حق في مناصرة  رأيه الباطل في القيام بتنفيذ الحدود بيده دون سلطة دولة، ورأيه في التكفير والقتل تبعا له بسبب بدع شائعة تتعلق بالدعاء والذبح   بسبب جهل الناس (بدليل انتشار هجر هذه البدع فور تسجيل وقيام جمعية أنصار السنة بمصر بنشاطها في بيان البدع ) إذ أن الاستغاثة بغير الله خطأ ودبيب شرك، وهو يحتاج تعليما لا قتلا، وينجم عن جهل وتقليد أعمى واتباع لأسلاف ضلوا عن السبيل. ولكن نظرة الإمام محمد عبده ستكون مختلفة مع نظرة ابن عبد الوهاب، في أن قيامنا بهدم ضريح رغم أنف الناس خطأ، وأن الحق أن نقوم بإقناعهم هم بالحق، وسوف تتغير الأحوال ليهجروا هذا الضريح ويبنوا مسجدهم بعيدا ويتحول الضريح حسب قرار الدولة ربما لمكان أثري سياحي يحكي تاريخا لايتعداه. 

عندما التقى المطرود الذي يطلب المأوى والحماية  وهو الإمام محمد بن عبد الوهاب مع الأمير محمد بن سعود ومنحه الحماية والمأوى تطور الأمر لاتفاق معه على استغلال تلاميذه في القتل وباسم الدين.

 كانت الأراضي المقدسة تستحق اتفاقية أفضل مما أبرم. ولا زالت الفرصة سانحة لإصلاح مافسد.

......

كان من واجب الأمير أن يقول لضيفه : لك الحماية فاكتب واجتهد ولكل مفكر حر مثلك في الفكر والحرية نفس الحماية. فليأتوا أيضا، ولا تضق بهم ياشيخ محمد، وتناقشوا وعلموا الشعب الكتابة والقراءة والعلوم، وليشهد العالم دولة الأرض المقدسة وليتعلم منها، وليشهدوا نقاش العلماء معك لتصلوا إلى أفضل الطرق للتصرف مثلا في شأن حكم الزانية و التصرف في الضريح وحل قضية الشجرة، وتأنوا في فرض فكركم على الناس، فالشعوب تتقدم وتتعلم بالتدريج،  وهذا إعلان مني أنا الأمير لكل عالم أن يأتي هنا ويتم تكريمه ومعونته.. هذا هو ما تعب عليه أبو بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم.

 كان من حق أبناء هذه الأرض التي روتها دماء الصحابة قتالا مع جيش مسيلمة أن تنال خطة أحسن، وأن ينال سكانها مستقبلا وتكريما أفضل. وأن تقوم فيها دولة كمصر مثلا : التي كان يأتيها الداعي من الدعاة بكتب ابن عبد الوهاب، وهو يتكلم عن زاوية بدع الشرك في توحيد الدعاء، ولايتكلم عن سفك دماء الناس،  ويجتهد في إخفاء هذا الجانب من فكره، فتضمن له الدولة الأمن، كما كانت تضمنها أيضا لأصحاب فكر آخر له وجهة نظر مغايرة عن الإسلام، عندما لم تدخل مسألة سفك الدماء في معادلة الدعوة.

......

كانت الحرب واقعة لامحالة بعد ذلك، فالقبائل كانت تتصارع وتموج في بعضها مدا وجزرا. 

كانت القبائل في الجزيرة تتصارع تماما كصراع قبائل الجاهلية، وتشتعل بينهم نيران الثأر جيلا بعد جيل، ولم تكن تبدو نهاية للكر والفر بينهم. وهكذا وقعت الحرب التي كانت أصلا موجودة وشغالة بين القبائل، ولكن دخلها عامل جديد، هو عامل التكفير والقتل على العقيدة وهدم الأضرحة بالعنف، ولو قام الأمير بحماية الشيخ ودعاته وتكفل بحمايتهم كدعاة لا قضاة، لتكفل الله بنشر القبول به في القبائل قبيلة تلو الأخرى.

كان هناك من سيعتدي يوما، والحرب كانت واقعة لا محالة، لكنها ستكون حربا لوجود دولة تضمن الأمن للناس مفكرين وغير مفكرين، وستكون حربا مشروعة يؤيدها الله ورسوله والمؤمنون، وكان المصير مختلفا كل الاختلاف. وستكون المعاناة التي يعانيها ساكن الجزيرة هي قبول فكرة دولة الأمن والحرية، وهي معاناة أهون مما تم فرضه عليهم من غزو وقهر، تلاه قبول دولة أمن بلا حرية.

....

 وحسب معطيات الوضع النفسي العقلي السائد حينئذ فإن عقلية القبائل لم تكن قابلة لحماية داعية يدعو لنبذ البدع،  كما لم تكن القبائل أبدا لتقبل أيضا القسر الديني الذي كانت تتحرك به القوات المقاتلة مع الشيخ والأمير، ولكن الله موجود ويتكفل بحل العقد الصعبة، وشتان بين مقاتل يقول كفوا عن قطع الطرق ودعوا العلماء يتكلمون ويحاجون، ومن يطيعهم له الحرية في العبادة كما يريد، وبين استحلال حرمة  من لايوافق على رأي العالم، أو تقرير الناس رغم أنوفهم وتخييرهم بين الموت وبين التوقيع ( أعني الموافقة) مرغمين على وجهات نظر الشيخ الفلاني عن الإسلام.

...

كانت الحرب واقعة لا محالة ولكن بشرعية مختلفة ومصير مختلف وتطور مختلف للبلد، ولابد أن نوقن بوجود الله الحي القادر على التأليف الذي لايستطيع ضمانه مال العالم.

لقد بدأت الأحداث بداية يشوبها الخطأ الرهيب في فتاوى التكفير والاستحلال، وكانت آيات الله واضحة تنهى عن هذا، فإن الأئمة في الصلاة من قراء آية : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين...  من سورة التوبة، كانوا يقرأون في الآية التالية: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه، وكان هذا لو طبق فهو أرقى شيء في الحضارة كلها.

ولو وجب حماية مشرك يستجيرك لأن ألوان شركه لاتعجب قومه، أو لأن شرك قومه يجرمهم على انتهاك حقوقه الإنسانية، فما بالك بواجب حماية شيخ كالإمام ابن عبد الوهاب وهو العالم سليل العلماء المحترمين، يدعو الناس لنبذ البدع التي تحتوي شركا في باطنها؟؟؟

كانت البداية الجبارة التي لم تحدث (والتي يجب أن تحدث اليوم) هي أن يقف الأمير بين ربوع العالم قائلا : إني أجرت العلماء جميعا ومدادهم فلايهجهم منكم أحد، وللناس أن يوافقوهم او يخالفوهم بدون أن يرتكب أحد عنفا أو إرهابا، ويتم التطور السلمي في البلد، وسأقاتل كل من ينتهك أمن المواطن وأمن أي مفكر يشرح الإسلام بحجته ..

...

 وكانت هذه البداية كفيلة بجلب نصر الله بشكل خارق، وكانت الحجاز ستدين بسرعة لابن سعود، ( كما قال سبحانه وتعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) ولم يكن للمآسي التي حدثت أن تحدث، وكان حقا على الله لو اتقاه الأمير والشيخ أن يتم فشل محمد علي في حملته لتحطيم هذه الدولة، وكان الأمر والتمكن سيتقدم معززا مكرما دون ماحدث من مآس محزنة، (حيث تم إرسال إمام كبير ليعدم في الآستانة، ويتم إرسال أمير محترم سليل أسرة عريقة ليحبس في القاهرة).

ولكان مصير السعودية اليوم هو مصاف الدول المتقدمة الكبرى وصوتها في الأمم هو أهم الأصوات لما يؤيدها الله به. 

كان الإمام ابن عبد الوهاب في بواكير حياته يتعرض للمطاردة بسبب آرائه في وجوب نبذ البدع، ثم صار يتعرض للمطاردة بسبب تطبيقاته لآرائه مثل هدم القباب ورجم الزناة واقتلاع الأشجار التي يقدسها الناس.  

وقام الأمير بحمايته وذلك نبل وواجب، وقام جند قبيلة الأمير وجند تلاميذ الشيخ بالعمل لإقامة دولة تحت سلطانهم وتوحيد نجد والحجاز تحت إمرتهم، ولابأس من وجود دولة تعمل ليشيع الأمن في ربوع البلاد.

.......

المعضلة أن هذه الدولة بدلا من أن يتم بناؤها لتحمي الفكر والعلم والتعبير ويتقدم الشعب من خلال شهوده واختياراته، ويكون الملك راعيا لهذا التألق فقد تم تصميمها خطأ لتحمي الشيخ ابن عبد الوهاب وحده، وقتل من يخالفه فكره، واعتبر إسلامه هو الإسلام الوحيد المسموح به، ومن يفهم غير هذا ويفسر بغير ذالك فليس له سوى الاستتابة أو الهلاك. وإذا جاء داع آخر لفكرة قد تكون أقرب للإسلام من فكره طارده رجال هذه الدولة. 

انظر كيف يفعلون في مصر والأردن مثلا:   كما يستغل الإخوان المسلمون الديمقراطية واحترام الآخر ليدخلوا البرلمان ثم يحتكرون البلد لهم، ويتمتعون هم بحريتهم،  ويشرعون من خلال البرلمان قوانين نفي الآخر تأثرا بالسلفية المنتشرين بينهم، فإن من العجيب استغلال السلفية لجو الحرية والسماح بالدعوة للفكر الإسلامي وتكوين الجمعيات كي ينقلبوا ليجعلوا البلد حكرا عليهم، ويكون لدعاتهم وحدهم التمكين من الدعوة الآمنة، ويحلوا دم صاحب فكر إسلامي مخالف.

.....

نعم فمن العجب العجاب أن تسمح الدولة في الأردن ومصر لدعاة السلفية بالدعوة أسوة بغيرهم من المسلمين ثم لما كثروا واشتد عودهم يريدون أن يحولوا صورة البلد إلى صورة الدولة السعودية في أشد أيام احتكارها للفكر الإسلامي وقتل ماعداه.

في ظل الدولة الأردنية ترى من عجيب المفارقات أن يدخل دعاة السلفية الأردن فيقوموا بالدعوة بحرية تحت ظل الحكم الأردني، وملوكه من نسل أشراف مكة، بينما في ظل الدولة السلفية، لما دخل جيشهم الحجاز،  تم إرغام الناس في مكة التي كان يحكمها الأشراف على أن يقروا بما لم يكونوا يعتقدون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق