الاثنين، 13 يناير 2014

في بلاغة المسيح ابن مريم .. أرسل الحبيب هاني طاهر إيميلا من باكستاني مسلم أحمدي داعية: أن إمام مسجد في أمريكا علق على قصيدة المسيح ابن مريم: دموعي تفيض، في نهاية كتابه: حمامة البشرى بأنها لابلاغة فيها وفيها حشو كثير، ويسأل هل للمهندس فتحي حلقات عن هذه القصيدة، فقمت فورا وكتبت عن القصيدة، لعدم وجود حلقات بشأنها، فأرسلت له هذا الرد كإسعاف عاجل.

   
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم المهندس هاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد قراءة الرسالة ثارت في دمي الغيرة للمسيح الموعود، وللاتهام العجيب، ففتحت الكتاب وشرحت من القصيدة صفحة، شرحا يكفي ليضرب المعترض عن اعتراضه صفحا.
وتكاد دموعي تفيض أيضا لبؤس حال كثير من أئمتنا، فإذا كان الإمام كذلك فما بال العاديين؟
هذا تأمل في بعض أبيات القصيدة في نهاية كتاب حمامة البشرى للمسيح الموعود:
الصفحة الأولى:
دُمُــوعِي تَفِيـضُ بِـذِكْرِ فِتَنٍ أَنْظُرُ  وَإِنِّــي أَرَى فِـتَـنًـا كَـقَـطْـرٍ يَمطُرُ
تَــهُبُّ رِيَــاحٌ عَاصِـفَاتٌ مُــبِيدَةٌ   وَقَـلَّ صَــلاَحُ النـَّاسِ وَالْـغَيُّ يَكْثُرُ
وَقَـدْ زُلْزِلَتْ أَرْضُ الْهُـدَى زِلْزَالَهَا  وَقَـدْ كُـدِّرَتْ عَـيْـنُ التُّقَى وتُكَدَّرُ
وَمَا كَانَ صَرْخٌ يَصْعَدَنَّ إِلَى الْعُلَى وَمَـا مِـنْ دُعَاءٍ يُـسْـمَعَنَّ وَيُنْصَرُ
فَـلَمَّا طَغَى الْفِسْـقُ الْمُبِيــدُ بِسَيْـلِهِ تَـمَـنَّـيْـتُ لَـوْ كَـانَ الْوَبَاءُ الْمُتَبِّرُ
فَإِنَّ هَــلاَكَ النَّاسِ عِنْدَ أُولِي النُّهَى أَحَـبُّ وَأَوْلـَى مِـنْ ضَلاَلٍ يُخَسِّرُ
عَلَى أجدرِ الإِسْلاَمِ نَزَلَتْ حَوَادِثٌ  وَذَاكَ بِـسَـيْئَاتٍ تُــذَاعُ وَتُـنْـشَـرُ
وَفي كُــلِّ طَرْفٍ نَارُ فِتَنٍ تَأَجَّجَتْ وَفي كُــلِّ ذَنْبٍ قَـدْ تَرَاءَى التَّـقَـعُّرُ
وَمِنْ كُــلِّ جِهَةٍ كُـلُّ ذِئْبٍ وَنَمرَة يَـعِـيـثُ بِـوَثْـبٍ وَالْـعَـقارِبُ تَأْبـُرُ
وَعَـيْنُ هِــدَايَاتِ الْكِتَابِ تَكَدَّرَتْ بِـهَـا الْـعِـيْـنُ وَالآرَامُ يَـمشِي وَيَعْبُرُ
تَرَاءَت غَــوَايَاتٍ كَــرِيحٍ عَاصِفٍ وَأَرْخَـى سُـدُولَ الْـغَيِّ لَـيْـلٌ مُكَدِّرُ
وَلِلــدِّينِ أَطْــلاَلٌ أَرَاهَــا كَلاَهِفٍ وَدَمْـعِي بِـذِكْـرِ قـُصُـورِهِ يَـتَـحَـدَّرُ
أَرَى الْعَصْرَ مِـنْ نوْمِ البَطَالَةِ نَائِمًا وَكُـلُّ جَهُولٍ في الْهَـوَى يَـتَبَخْتَرُ
وَلَيــْلاً كَعَيْنِ الظَّبْيِ غَابَتْ نُجُومُهُ وَدَاءً لِـشِـدَّتِـهِ عَـنِ الْـمَـوْتِ تخْبِرُ

تأمل البيت الأول
دمُــوعِي تَفِيضُ بِـذِكْرِ فِتَنٍ أَنْظُرُ وَإِنِّــي أَرَى فِـتَـنًـا كَـقَـطْـرٍ يـَــمطُرُ
أثناء حلقة من الحوار المباشر اتصل واحد بالبرنامج معترضا، فقال كيف يجمع القطر والمطر بينما القطر غيث والمطر عذاب؟
لقد ذهب كاتب المقال بعدها للفحص، وظللت أبحث وأنقب لأجد عجبا.
كنت أتساءل مع السائل: المطر للعذاب فعلا،  والقصيدة تتحدث عن عذاب، فهل القطر هنا للنعمة والنجدة؟ هل  القطر هنا هو الغيث الذي هو رحمة؟
وإذ بالبيت قطعة من البلاغة الشاملة، فالفتن التي كانت نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم قد صارت واقعا، وعبر عنها نبينا بمواقع القطر، فكاتب الأبيات يذكر الأحاديث النبوية، وينظر وقوعها حوله فتفيض عينه بدمع نابع من بئر حزن عميق.
  كل كلمة لها لزوم في الشطر الأول، ثم عبر في الشطر الثاني تعبيرا دقيق البلاغة شاملا عن صورة وقوع الفتن، فصور تتابعها وتواليها بالقطر كقطار، وعبر عن سرعتها وانتشارها معا بالمطر.
الالتفات هنا هو أنه اختار الجمع بين القطر والمطر لما في القطر من تقاطر متوال، ولما في المطر من سرعة وانتشار. 
في قواميس اللغة:
والقَطْرُ ما قَطَرَ من الماء وغيره، واحدته قَطْرة، والجمع قِطار.
والقِطارُ: أَن تَقْطُر الإِبل بعضها إِلى بعض على نَسَقٍ واحد.
وقَطَرَ الإِبلَ يَقْطُرها قَطْراً وقَطَّرها: قَرَّب بعضَها إِلى بعض على نَسَقٍ.
ومَطَرَتْهُمُ السماءُ مَطْراً، ويُحَرَّكُ: أصابَتْهُمْ بالمَطَرِ،  ومطر الرجُلُ في الأرضِ مُطوراً: ذَهَبَ.  كتَمَطَّرَ،  ومطر الفرسُ مَطْراً ومُطوراً: أسْرَعَ.  وهو مَطَّارٌ: عَدَّاءٌ.
وأمْطَرَهُم اللّهُ: لا يُقالُ إلاَّ في العَذابِ.  وتَمَطَّرَتِ الطَّيْرُ: أسْرَعَتْ في هُوِيِّها،  كَمَطَرَتْ،  وتمطرت الخَيْلُ: جاءَت يَسْبِقُ بعضُها بعضاً.
فالتفسير يكون بتوالي الفتن على شكل قطار متتابع، وانتشارها كانتشار القطر على نطاق واسع، ولا تفسر بالماء ولابالغيث بل تفسر بالتتابع، والنص مرآة لأحاديث الفتن المتوالية: فتن يرقق بعضها بعضا.  
عَنْ أُسَامَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ , فَقَالَ : " هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى ؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ مِنْ خِلالِ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ   .
 وعلى الانترنت قرأت تحت عنوان:
-   عَنْ حُذَيْفَةَ t  قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r  يَقُولُ : } تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ   {  
إذن فالمسيح صواب، ونقاده مخطئون لايعلمون.
ونكمل:
تَــهُبُّ رِيَــاحٌ عَاصِــفَاتٌ مُــبِيدَةٌ         وَقَـلَّ صَــلاَحُ النـَّاسِ وَالْـغَيُّ يَكْثُرُ
وَقَـدْ زُلْزِلَتْ أَرْضُ الْهُـدَى زِلْزَالَهَا       وَقَـدْ كُـدِّرَتْ عَـيْـنُ التُّقَى وتُكَدَّرُ
وَمَا كَانَ صَرْخٌ يَصْعَدَنَّ إِلَى الْعُلَى     وَمَـا مِـنْ دُعَــاءٍ يُـسْـمَـعَنَّ وَيُنْصَرُ
ما أشدها من رياح، وما أخطر الإبادة المبيتة للإسلام، فالهند تتنصر بل فالأرض المقدسة يخرج منها أئمة يعبسون في وجه الهندي ذي النشأة البعيدة عن أجواء العربية، ويحقرون بلاغة الذي يقول شعرا كهذا، ويهشون للنوكى والجهلة.
 كلمات عربية ومشاعر إنسانية، ونظم بأبيات منظومة كنشيد ونشيج يحكي آلام مسلم، ويقص حال الإسلام في القرن التاسع عشر، مابين الفساد وارتكاب الذنوب وقلة الصلاح، وبين فساد التفسير وتعرض الدين للنقد الجارح وقلة المدافعين، وبين تكفير الصالح النقي من الفساد، الذي هو أهل إصلاح الفساد.  
والقصيدة وردت في حمامة البشرى وهي رسالة إلى العرب تخاطبهم بلسانهم في تودد وبلاغة رائعة للحساس المهتم.
فإن كان باكستاني يعشق العربية ويقدم القصيدة لعربي، وهذا هو استقبال العربي لها، فإن دموعي أنا أيضا تفيض بذكر فتن أنظرُ،  وبقراءة رسائل إنكار وفرية اتهام تصدرُ، وإذا كان المنكر لبلاغة القصيدة من فلسطين العربية وأرضها المقدسة فهاهي القصيدة تخبره الأنباء الصادقة، وقد زلزلت أرض الهدى زلزالها، وكدرت عين التقى. وتتنبأ القصيدة أنه قد أوشكت القدس أن تغزى وتستلب، فبئس الأئمة الذين يحلّـون قومهم دار البوار.
والله ماكانت القصيدة مليئة بالحشو كما يقول الإمام الناقد، بل أحس الناقد بالطعنات تنتقده، ورأى مرآة نفسه فحزن وأبى صلاح الأمارة، وفضل رجم القصيدة بحجارة القول. وماذا تنتظر من مثله وهو يصرخ معتديا في الدعاء، كالمعتصمين من إخوانه في رابعة العدوية، الذين كرهوا الله بعد أن جعل دعاءهم في ضلال؟!
ونكمل:
فَـلَمَّا طَغَى الْفِسْـقُ الْمُبِيــدُ بِسَيْـلِهِ      تَـمَـنَّـيْـتُ لَـوْ كَـانَ الْوَبَـــاءُ الْمُتَبِّرُ
فَإِنَّ هَــلاَكَ النَّاسِ عِنْدَ أُولِي النُّهَى         أَحَـبُّ وَأَوْلـَى مِـنْ ضَــلاَلٍ يُخَسِّرُ
الفسق طغى مبيدا كالرياح العاصفات المبيدة التي طغت، كما طغى الماء المهلك.
أي حشو هنا ؟ ! لقد كان الصليبيون يغزوننا، فيقتلون منا البدن ويتركون ديننا، فالدين لم يكونوا بعد قد التفتوا لقتله. والآن جاءوا يتركون البدن ويقتلون الدين، والافتتان أشد من الموت. والمسيح يود مرضا مميتا ينبه الناس لربهم، ليتوبوا.
ونكمل:
عَلَى أجدرِ الإِسْلاَمِ نَزَلَتْ حَوَادِثٌ       وَذَاكَ بِـسَــيْـــئَـاتٍ تُــذَاعُ وَتُـنْـشَـرُ
لو قرئت السيئات مشددة كسر البيت. فكتبها مخففة من عيون العربية العميقة.
قد يقول قائل أن كلمة سيــْــــئات بدون تشديد الياء خطأ لغوي لتعوده على الكلمة مشددة: السيّـئات، ولكن العربية بحر خضم بل محيط زخار، وفيها يمكن تخفيف ياء السيئة بياء ساكنة، وقد تجنب المسيح الملهم كسر البيت، وهداه الله للكلمة المناسبة بالتخفيف. 
في لسان العرب/ مادة "سوأ":
وقوله: أَنَّى جَزَوْا عامِراً سَيْئاً بِفِعِلهِم، * أَمْ كَيْفَ يَجْزُونَني السُّوأَى مِنَ الحَسَنِ؟   فإنه أَراد سَيِّئاً،
فخفَّف كهَيْنٍ من هَيِّنٍ.
ونكمل:
وَفي كُــلِّ طَرْفٍ نَارُ فِتَنٍ تَأَجَّجَتْ       وَفي كُــلِّ ذَنْبٍ قَـدْ تَرَاءَى التَّـقَـعُّرُ
وَمِنْ كُــلِّ جِهَةٍ كُـلُّ ذِئْبٍ وَنَمرَة         يَـعِـيـثُ بِـوَثْـبٍ وَالْـعَـقارِبُ تَأْبـُرُ
ميزان كالذهب بين (في كل طرف و في كل ذنب و من كل جهة) وبين النار المتأججة، وأعماق هاوية الإثم، وعيث وحوش الغاب في الأرض فسادا..
 والتقعر هو التعمق. فقد راحوا في الآثام أسفل سافلين.
أين الحشو في هذا الجمال الفتان؟
وَعَـيْنُ هِــدَايَاتِ الْكِتَابِ تَكَدَّرَتْ         بِـهَـا الْـعِـيْـنُ وَالآرَامُ يَـمشِي وَيَعْبُر
العثور على كلمة آرام، ووضعها بجانب العين ليس حشو فارغ بل هو جمع صعب بين كلمات نادرة صعبة.
أضف عين الهدايات إلى: في كل طرف، في كل ذنب، من كل جهة..
كان قد عبر عن دموع المتقين التي تفيض، من كدر الحزن، وعين التقى التي كُدّرت فصار العلماء فاسدون وفسد ملح الأرض. وهناعين هدايات الكتاب من التفاسير تكدرت بالإسرائيليات. وصارت الكتب صحراء كمتاهة جرداء ليس فيها واحة تروي العطش.
والعين هي البقر الوحشية، والآرام هي الظباء، تمشي وتعبر حين لاتجد ريا، أو أن الحوض الذي تنصب فيه مياه العين قد تكدر بفعل الطين والكدر الذي تثيره أظلاف البقر والغزلان في المكان فتحيله عكرا كدرا داكنا ملوثا. 
من باحث القاموس العربي:
ومن باقي كلامهم في العَين: العِينُ، البَقَر، وتوصف البقرة بسَعَة العين فيقال: بقرة عيناء.
 والعِينُ، بالكسر: بَقَرُ الوَحْشِ.
والرِّئْمُ: الخالص من الظِّباء وقيل: هو ولد الظَّبي، والجمع أَرْآم، وقلبوا فقالوا آرام، والأُنثى رِئْمَة؛ أَنشد ثعلب: بمثل جِيد الرِّئْمة العُطْبُلِّ،  شدد للضرورة كقوله بعد هذا: ببازلٍ وَجْناء أَوعَيْهَلِّ.. أَراد: أَو عَيْهَلٍ فشدَّد.
 الأَصمعي: من الظِّباء الآرام، وهي البيض الخالصة البياض، وقال أَبو زيد مثله، وهي تسكن الرِّمال.
تَرَاءَت غَــوَايَاتٍ كَــرِيحٍ عَاصِفٍ        وَأَرْخَـى سُـدُولَ الْـغَيِّ لَـيْـلٌ مُكَدِّرُ
وَلِلــدِّينِ أَطْــلاَلٌ أَرَاهَــا كَلاَهِفٍ          وَدَمْـعِي بِـذِكْـرِ قـُصُـورِهِ يَـتَـحَـدَّرُ
بعد نزول القرآن كانت العربية بحاجة لاستعارة روعة تعبير ليل يناسب المقام وهو يرخي سدوله..
 ماالحشو في غوايات كريح عاصف؟ ألا تتحسرون أن امرأ القيس لم يدرك الإسلام فيشدو بقصائده المعلقة له؟ هاهو شعر امريء القيس جاء أفضل من معلقة.  ألا ترون الجمال في بديل أروع لليل مكدر أرخى سدول الغي؟ ألا ترون امرأ القيس يعود مؤمنا وبقوة؟ وهو يبكي لاهفا عند أطلال الإسلام، كمن بكى واقفا عند أطلال حبيب ومنزل بسقط اللوى؟
ونكمل:
أَرَى الْعَصْرَ مِــنْ نَّوْمِ البَطَالَةِ نَائِمًا         وَكُـلُّ جَـهُـولٍ في الْـهَـوَى يَـتَبَخْتَرُ
وَلَيــْلاً كَعَيْنِ الظَّبْيِ غَابَتْ نُجُومُهُ      وَدَاءً لِـشِـدَّتِـهِ عَـنِ الْـمَـوْتِ تخْبِرُ
لاحشو في وصف العصر بين بطال نائم وجهول مختال.
وهاهو مرة أخرى يذكر رؤيته العقلية للعالم الإسلامي، ويرى العصر نائما من نوم الكسل، ويراه ليلا مظلما من قلة العلماء المخلصين. ولكنه تعبيره اللغوي رائع حين يذكر ليلا شديد السواد كعين الظبي، غابت نجومه من العلماء الهداة، على وزن بيت امريء القيس ثانية. فصارت معلقة امريء القيس معلقتين. فأين تذهبون يا مشايخ؟.   
ثم إنه هنا لم يذكرنا بامريء القيس وحده ولكن بالمتنبي معه، حين يستسيغ لسواد الليل مثلا هو عين الظبي، وليس هذا ركيكا فقد اختاره المتنبي.    
المتنبي:
مبيتي من دمشق على فراش *** حشاه لي بحرّ حشايَ حاشِ

لقى ليل كعين الظبي لونا *** وهَمٌّ كالحُمَيّا في المُشاشِ

وشوق كالتوقّد في فؤاد *** كجمر في جوانح كالمحاش

أبيات شرحها شارح على الفيس بوك قائلا: البيت الأول يقول: كأنني من شدة الحزن وبعد النوم عني، على فراش قد حشي بما أجده من حرارة الشوق، فكأنّ حرارة حشاي نقلت إلى فراشي، وحشي بحرارتها. شبه حرارة الفراش بحرارة أحشائه.
البيت الثاني هيقول: أنا مطروح أو كالمطروح على فراشي، في ليل كأن سواده عين ظبي وأنا مطروح وهو يدب في عظامي كما يدب الخمر.
ونقلت أنا من القاموس: (يقال: سارَتْ فيه حُمَيَّا الكَأْسِ أَي سَوْرَتُها، ومعنى سارَت ارتفعت إلى رأْسه.  وقال الليث: الحُمَيَّا بُلُوغ الخَمْر من شاربها. أَبو عبيد: الحُمَيَّا دَبِيبُ الشَّراب. ابن سيده: وحُمَيَّا الكأْسِ سَوْرَتُها وشدَّتها، وقيل: أَوَّلُ سَوْرتها وشدَّتها، وقيل: إسْكارُها وحِدَّتُها وأَخذُها بالرأْس.  وتَمَشّشْتُ العظمَ: أَكلْتُ مُشاشَه أَو تمَكّكْته.)
ونتم البيان من شارح الفيس بوك :
البيت الثالث يقول: إنا لفي شوق، كأنه في التوقد، في فؤاد هو كالجمر وذلك الفؤاد في جوانح وهي الأضلاع كأنها المُحاش: وهو ما أحرقته النار. شبه الشوق بالتوقد، والفؤاد بالجمر، والجوانح بشيء أحرقته النار.
 القصيدة طويلة، ومادام لاحشو إلى هنا فلا حشو إلى هناك

ثم يصف الدنيا وفتنتها وصفا رائعا وكيف غلبها بالله غلبة شاملة، فلاحشو إلا في رؤية إمام مسجد في أمريكا للدنيا الزائفة:
نَسُــوا نَهْجَ دِيــنِ اللهِ خُبْثًا وَغَفْلَةً       وَأَفْـعَـالُـهُـمْ بَـغْـيٌ وَفِـسْـقٌ وَمَيْسِرُ
وَمَــا هَـمُّـهُـمْ إِلاَّ لِـحَظِّ نُفُوسِهِمْ         وَمَـا جَـهْـدُهُـمْ إِلاَّ لِـعَـيْـشٍ يُّـوَفَّـرُ
وَقَــدْ ضَيَّعُــوا بِالْجَهْـلِ لَبَنًا سَائِغًا       وَلَـمْ يَـبْـقَ في الأَقْـــدَاحِ إِلاَّ مَـاضِرُ
وَرَكْبُ الْمَنَايَا قَـدْ دَنَاهُمْ بِسَيْفِهِمْ       وَهُـمْ خَـيْـلُ شُـحٍّ مَا دَنَاهُمْ تَحَسُّرُ
تَصِيـدُهُـمُ الدُّنْيَـا بِعَظْمَــةِ مَكْرِهَا        فَـيَـا عَـجَـبًـا مـنْـهَـا وَمِـمَّـا تَمْكُرُ
تُذَكِّــرُ إِفْــلاَسًا وَّجُــوعًا وَّفَاقَــةً     فَـتَـدْعُـو إِلَى الآثَـــامِ مِـمَّـا تُـذَكِّرُ
تُرِيـدُ لِـتُـهْـلِكَ في التَّـغَافُـلِ أَهْلَهَا        وَقـَدْ عـقـرَتْ هِـمَـمُ اللِّـئَامِ وَتعْقرُ
وَأَلْهَتْ عـَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ قُلُوبَهُمْ       فَـمَـالُـوا إِلَى لُـمَـعَـاتِـهَا وَتَخَـيَّرُوا
تَقــُودُ إِلَى نَــارِ اللَّـظَى وَجـنَاتُهَا        وَلُـمَـعَـاتُـهَا تُصْـبي الْقُلُوبَ وَتَخْتِرُ
وَتَدْعُو إِلَيْهَا كُلَّ مَـنْ كَانَ هَالِكًا        فَكُـلٌّ مِّـنَ الأَحْدَاثِ يَدْنُو وَيَخْطِرُ
تَمِـيسُ كَبِكْرٍ في نِقَــابِ الْمَكَائِدِ        وَتُـبْـدِي وَمِـيـضًا كَـاذِبًـا وَتــُزَوِّرُ
وَدَقَّـتْ مَكَائِـدُهَا فَلَمْ يُـدْرَ سِرُّهَا         لِـمَـا نـَسَـجَـتْـهَـا مِـنْ فُنُونٍ تُكَوِّرُ
وَتَبْـدُو كَـتُـرْسٍ في زَمَـانٍ بِكَــيْدِهَا       وَفي سَـاعَـةٍ اُخْـرَى حُسَـامٌ مُّشَهَّرُ
وَعَـيْـنٌ لَـهَـا تُـصْبي الْــوَرَى فَتَّانَةٌ       وَلِـقَـتْلِ أَهْلِ الْفِسْقِ كَشْحٌ مُّخَصرُ
عَجِبْتُ لِمَنْظَرِ ذَاتِ شَيْبٍ عَجُوزَةٍ       أَنِـيـق لِـعَـيْـنِ الـنَّاظِــرِيـنَ وَأَزْهَــرُ
لَزِمْـتُ اصْطِبَارًا إِذ رَأَيْتُ جَمَـالَهَا       فَـقُـلْتُ : إِلَهِي أَنْـتَ كَـهْفي وَمأْزَرُ
فَـصَـيَّـرَهَـا رَبِّي لِـنَـفْسِي سَــرِيَّـةً         كَـجَـارِيَـةٍ تُـلْـقَـى بـِطَوْعٍ وتُهْجَرُ
وَذَلِكَ فَضْـلٌ مِّـنْ كَرِيمٍ وَّمُحْسِنٍ         وَيُعْطِي الْمُهَيْمِنُ مَنْ يَّشَاءُ وَيَحْجُرُ
وَقَـدْ ضَاقَتِ الدُّنْيَـا عَلَى عـُشَّاقِهَا      وَيَـبْـغُـونَهَا عِـشْـقًـا وَحُـبّـًا فَـتُدْبِرُ
تَزَاحَمَـتِ الطُّـلاَّبُ حَوْلَ لُحُومِهَا         كَـمِـثْـلِ كِــلاَبٍ وَالْمَنَــايَا تَسْخَرُ
وَإِنَّ هَـوَاهَــا رَأْسُ كُــلِّ خَطِيـئَـةٍ          فَـخَـفْ حُـبّـَهـَا يَـا أَيُّـهَا الْمُتَبَصِّـرُ
وَقَـدْ مَـضَـغَـتْ أَنْيَابُهَا كُلَّ طَالِبٍ        وَأَنْـتَ أَثَـارَتُـهُـمْ فَـسَـوْفَ تُكَسَّرُ
عَلَى كُـلِّ قَلْبٍ قَـدْ أَحَاطَ ظَلاَمُهَا        سِوَى قَلْبِ مَسْعُودٍ حَمَـاهُ الْمُيَسِّرُ
وتستمر القصيدة الطويلة .. بنفس المستوى البلبغ.  
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فتحي عبد السلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق