الاثنين، 14 أكتوبر 2013

المقالة الخامسة لايستطيعون الدفاع عن دين إبراهيم وهم لايفقهون معنى البيت الحرام ولامعنى حرمته ولامادة لبناته ومم بنيت


بسم الله الرحمن الرحيم 


البيت
 
المشايخ المدعون للسلفية اليوم يهدمون قيم البيت الحرام ولذا وجب تنحيهم عن الوعظ باسم المسجد الحرام. فهم بعيدون كل البعد عن عبرة الحج ورمز للنسك وهو ذبح النفس الأمارة ذبيحة لله  وإشاعة السلام للناس. الصلاة والنسك أخوان في القرآن، وهما لله، وتعنيان أن الحياة لله تعالى، والله أمرنا أن نكرم الحياة، وأحل لنا الدماء التي نأكل منها ما يدعم الحياة الإنسانية، فلها سخر الله بقية أنواع الحياة.

في الصلاة نتوجه لبيت الله أو للكعبة، وهذا التوجه هو نوع من الحج لبيت الله، والحج هنا هو نية طيبة على الالتزام بالمعاني التي يرمز لها البيت.

 الحج الشرعي المفروض من شعائر الإسلام يكون مرة في العمر. وهو رحلة نحو مغفرة شاملة، حيث يرى المرء المكان الذي يتعلق به قلبه، فقلبه مودع به، وهو طول عمره يصلي نحوه ولو يستطيع صلى دائما عنده.


وهناك يلبي النداء نحو نحر نفسه في ساحة البيت، وسيلان دمه الذي يجري بخواطر السوء، وتوزيع لحمه الطيب على الخلق ينمو به جسمهم، ويجدون طاقة لعبادة ربهم، والنحر في الحقيقة رمز لنحر النفس الأمارة، وعقد النية على الأمن والتأمين والإيمان، وتوقيع عقد مربح يختص بحسن المواطنة، وبه تغفر الذنوب كلها.
 الهدي رمز لهدية يهديها المرء للبيت، والهدي رمز للنفس التي يبذلها المرء تلبية لأمر الله وهو معنى لبيك اللهم لبيك، فالتلبية تنتهي عندما يبدأ النحر ويبدأ بعدها حمد الله وذكر أسمائه.
إن سَفر الحج مُجهِد ومُكلّف، فلا يليق تضييعه أو تناوله بإهمال، ولا بد من جني ثمنه بعقد العزم على تنفيذ الجانب المتعلق بنا من التعهد، وبذلك يكون الحج مبرورا. 


نزور الكعبة مرة في حياتنا فرضاً لو استطعنا، مرة في العمر نزور الكعبة (كعبة القصّاد)، فالمفروض فينا نحن الذين نشتاق لها طول العمر أن نفكر في معناها وفي مغزاها، فماهو المغزى والمعنى؟ وما قصة البيت بشكل عام؟
البيت رمز لإكرام القادم، ولجمع الناس جميعا على رحم آدم، وهو تذكير بأقدس المعاني للبيت الذي نولد فيه وننمو ونشب.. العالم بيت يستقبل الطفل، وعند قدوم الطفل إلى العالم تجد الجميع مرحبين به. أرأيت أحدا من الناس يعبس في وجه طفل؟ أبدا لايحدث. لو كنت تركب الميكروباص ورأيت طفلا فتجد الجميع يبتسم له، حتى ولو كان يبدو على أمه أنها تختلف عنك في الديانة، فماذا تصنع ويصنع الجميع معك؟ إنهم يبتسمون في وجهه. هناك شيء خارج اختلاف المذهب يلح علينا لنرحب بالقادم إلى بيت الوجود الإنساني.
القلب الإنساني في أصل فطرته قلب غير متعصب وميوله متحضرة مسالمة، وهذه النقطة هي سر الأمر كله،  وكذلك كل منا يعتبر طفل الوجود. فالإنسان يأتي إلى الكون من خلال رحم التكوين الشامل، ويأتي باكيا لأنه يندهش بالمفاجأة ولا يعلم ما حوله ولا ماذا يحدث، كل ماحوله رحم: فالله خلق له أمه وأجرى في صدرها اللبن وغرس في قلبها الحنان، وصنع بسمة الآخرين له، وكل العالم يأخذ في مساعدة الطفل حتى ينمو، ووسط هذا النمو الذى هو فضل رباني اسمه (البيت).

وما أدراك ما البيت؟
فإذا كان البيت عبارة عن ساحة ترحيب وإكرام، فلقد قال ربنا عن بنى آدم (ولقد كرمنا بني آدم ورزقناهم من الطيبات).
 لم يذكر هنا غير بني آدم.. ولقد كرمنا بني آدم ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا. أما الحساب على هذا فيتم الإحساس بحصيلته يوم القيامة. لم يترك الحساب بيد أحد من البشر. لقد كرم الله بني آدم فلنكرمه كما أكرمه الله. ولكن عندما ينكر الجميل فليس لك أيها الإنسان أى دينونة عليه ولاشأن لك بحساب غيرك، ماعدا مايظهر منه من سرقة أو قتل أو نحوه من الأمور المادية، فتعامل الماديات يكون بماديات تماثلها. أما غير ذلك فلا سيطرة لك عليه أيها الإنسان.
فالله يقول بعد ذكر إكرامه لجميع بنى آدم مباشرة (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) فهذا تكريم أيضا. لماذا قال الله تعالى يوم ندعو كل أناس بإمامهم؟ لأنك أيها الإنسان لاتستطيع حساب الإنسان، لأنك لاتحيط علما بأبعاد موضوع الحساب على موضوع التوحيد وعلاقته بأمر الإكرام. 

  والله لا يتعامل مع البشر بشكل انتقام منهم أوافتراس لهم، بل إنما هى محاسبة لإصلاحهم ، لأنه هو وحده الذى (سبقت رحمته غضبه) .لأنه هو الرحمان سبحانه وتعالى (سبقت رحمته نقمته).. 


والبيت الحرام هو أصل لهذا التكريم، فمعنى كلمة البيت أى التكريم. والتكريم معناه (البيت) ولذا نجد أن أصحاب البيت يهيئون بيتهم للزائر،  وهذه التهيئة من الإكرام أيضا. والفطرة التى تدعم ذلك أيضا، وصاحب البيت يحب أن يكون كريما أمام ضيوفه أى (حميدا).
 ولذا نجد أن أهل البلد السياحى يعملون أن يكون بلدهم جميلا جدا ونظيفا، وذلك من أجل أن تكون بلادهم فى صورة محمودة في أعين الناس. وكل بلد سياحي تصيح بلسان الحال وتريد أن تقول للناس (أنا الحميدة ، أنا الكريمة ، أنا النظيفة) وذلك حتى يقول الزائرون : الحمد لهذه الدولة، ويحمدونها، وحتى يبتسموا. ولذلك أيضا يكتبون (كلمة الترحيب) بلغات تفهم على كل شئ..  ويرحبون بأى زائر،  حتى ولو كان عدواً قادما لمفاوضة مثلاً فمرحبا به أيضا، لأننا نحن العقلاء.


لا يجوز في الفطرة أى إعتداء على الضيف أياً كان، لأن من معانى كلمة البيت:  السلام والراحة والطمأنينة.. لقد فطر الله تعالى الأم على مراعاة الأمان التام لأولادها الذين نزلوا ضيوفا على بيتها. فنراها تضحى بنفسها من أجل ولدها، الذى هو فى الأصل ضيف الوجود كله. فمثلا لو كانت هناك قطع من الزجاج متكسرة نجد الأم تبحث عن ذراته لتنظف المكان منه، ولتجعل البيت آمنا لولدها (ضيف الوجود) وهذا الفعل إنما هو فطرى ومن الطبيعة الإنسانية.


كثيرا مايكون الولد سببا فى وقف النزاعات بين أصحاب البيت (والديه) وذلك من الفطرة التى فطر الله الناس عليها. فعندما يتوتر الجو بين الزوجين تاتي ضحكة الطفل او بسمته المتألقة فيزول التوتر ويهدأ الجو ويبتسم الجميع.
 الضيف في البيت يستحق التكريم، ومن التكريم ألا نؤذي الأطفال أو بقية أهل البيت في حضوره،  ولايليق عند الله تعالى أن يرتفع صوت تنازع بين أصحاب البيت في وجود الضيف، فالضيف يشع حوله جوا من السكينة من أجل شريعة الإكرام تلك.

البيت هو رمز لجميع القيم المقدسة فى الإسلام، ولذلك قال الله تعالى (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) لماذا؟ لأن الله تعالى هيأ لك البيت الكونى العام، بينما والداك قد هيئا لك البيت الصغير.

 وأول البيوت فى الأرض هو بيت الأب الأول وهو(آدم)عليه السلام،  وكان هذا البيت فى مكان بيت الله الحرام، الذي بوأ الله تعالى مكانه لإبراهيم.. وكانت تلك هي أول أسرة فى الوجود. ثم تكاثرت الأسر وترك الأولاد بيت العائلة وتفرقوا في الأرض متباعدين رويدا رويدا عن أبيهم، صانعين في البدء بيوتا مجاورة، ثم تكاثروا إلى أن بنيت هنالك قرىً مجاورة.. وانتشرت الذريه (بنى آدم) إلى أن ذهبو إلى أرض بابل وكشمير وغير ذلك من بلاد الله. 


كان عليهم أن لا ينسوا بيت أبيهم الأصلى، ولذا كان عليهم أن يجعلوه قبلة لهم. وكأن آدم عليه السلام كان يقول لأولاده: اذهبوا إلى أى مكان شئتم، ولكن أرجو أن لا تنسوا هذا البيت، فهو أول رحم تكونتم فيها، وفيه كانت أول استضافة بشرية.
آدم كان يدعوا الناس لهذا البيت بأمر من الله تعالى: وهو الذى أمره الله قائلا: (وأذن فى الناس بالحج .......) والأذان في الأصل كان شريعة لآدم قبل إبراهيم، فكان أولاد آدم أينما توجهوا فى شبه الجزيرة أو فى غيرها من الأرض يتوجهون إلى البيت الحرام فى صلواتهم،  وهذا أدى إلى الحاجة ومعرفة قيمة علوم الجغرافيا والخرائط، لتحديد موقعهم من البيت الحرام حيثما تحركوا،  حتى يجعلوه قبلة ثابتة .. وتطور الأمر بعد ذلك لتعلم مواقع النجوم واتجاهاتها، فنما علم الفلك أيضا.

 والخلاصة أن بركات التوجه إلى البيت الحرام وإلى مافيه من رمز السلام والإكرام للكائن الحي (وهو أصل ورمز ضيافة الله تعالى فى الأرض) قد أدى هذا التوجه إلى فضل الله تعالى بالتقدم العلمى، من رسم الخرائط الجغرافية، والعلاقة بين الجهات وبين النجوم فى السماء ومعرفة المشارق والمغارب وغيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق