الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

المقالة الثامنة سيرة أرقى إنسان تتألق مع ابن مريم : السيرة النبوية المظلومة تستغيث وتتضرع فاللهم أنقذها



8

بسم الله الرحمن الرحيم

تتضرع سيرة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله ليعيد إليها صورتها الأولى. وقد أعاد الله لها صورتها الأولى في كتاب رائع هو كتاب: حياة محمد، الذي كتبه الخليفة الثاني رضي الله عنه.
  

ولكن الكتاب يهيب بالقراء أن يخرجوا به إلى نور الوجود في حياتهم. تلك السيرة الطاهرة والعطرة تصرخ بالرجال حقا لإنقاذها من اختطافها الذي حدث من مسلمين ملتحين، وقاموا بعمل عملية تشويه لها. تصرخ بهم ليظهروا أمام العالم براءتها من التهمة الكاذبة: أن الذات النبوية قتلت الناس على الشرك.  حاشاه صلى الله عليه وسلم.
  
اللهم اغفر لي بهذه المقالة كل ذنوبي.

أيها القاريء الحر الكريم .. كل مسلم مهما كان انتماؤه متفق مع كل مسلم على أن الإسلام دين عظيم ملؤه التشريف. وأنه جدير بالإعجاب. وكلنا يدرك ضرورة تقديم صورة لديننا تستعصي على النقد.
وقد استقر العالم استقرارا (لا أمل في زعزعته) على تقديس حقوق الإنسان الأساسية، وكتبها في مواثيق وقعت عليها كل الدول إلا قليلا ممن لم تتلق أدمغتهم رسالة الله بعد، والكامنة في أن الله سيحرر الناس بالطول أو بالعرض. ليختاره من يختاره، ثم الحساب قادم أمام الله وحده لكل امريء على ماختاره.
ويستحيل أن تكون سيرة النبي الأكرم غير تكريم واحترام الله بتوحيده، واحترام وتكريم الآدمي برد حقوقه إليه، ويستحيل عقلا تخلف الإسلام عن ركب هذا الرقي الإنساني، بل هو قائده، بل هو حاديه لما هو أرقى،  بل كان وجود القرآن في الأرض هو حافزه وظرف حمل جنينه ووقوده الرئيسي لو يدرسون.

لذلك فإن فهم الإسلام يكون حادا وصحيحا وراقيا كلما ترقي المرء في ثقافته ووعيه المرهف بحقوق الآخر، وتدفقت فيه عاطفة المواساة لبني الإنسان، ولن يقبل العالم بحشوده الإسلام الذي يقدمه مدعوا السلفية، والذي ينم عن فكر مسجون في مناخ الكراهية والإهانة للناس والانتقام منهم وإكراههم على اعتناق الدين والخضوع في ذل لدستورهم. 

والعالم ينتقد كل يوم فكر هؤلاء المسلمين الذي ينضح بحرمان الناس من حرياتهم، خاصة الحرية الدينية، ويخيف الناس بقذائف التكفير وضوابطه الرهيبة، وشاع النفور من الصيغة الإسلامية التي تقدمها جماهير مسلمة متمسلفة كثيفة العدد، ووجد الإلحاد له مرتعا في أرض الإسلام. 


وتكشف التطورات لجماعات الإسلام المنتسبة للسلف زورا حاجتها العميقة للتغير وإحداث تبديل هائل في التصورات، نحو تقديم صورة مشرفة للإسلام.  وتنتظر جماهيرَهم مشقاتٌ هائلة.
المذهب الوهابي في كتاب مختصر سيرة الرسول وكتاب كشف الشبهات يصور السيرة النبوية تصويرا يدفع عدو الإسلام دفعا لاتهام الإسلام أنه انتشر بالسيف.

فهو يصور سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كما يلي:
1.                   كان أهل مكة يشركون بالله  الشفعاء ويقرون لله بتوحيد الربوبية فيما لو سئلوا من خلق الكون ومن يملكه ومن يدبره؟ فيعتبرون بقولهم: الله، من المقرين بتوحيد للربوبية.
2.                   الأعراب في الجزيرة  يشركون بالله الصلحاء والأولياء الأموات فيدعونهم ويذبحون عند قبورهم  ويقرون بلا إله إلا الله، ولو سئلوا عن معناها لقالوا فيه نفس مايقر به أهل مكة عن الربوبية ولايزيدون، وحتى علماؤهم جاهلون لايعلمون عن التوحيد سوى مايقول العامة وبالتالي فليس عندهم سوى توحيد الربوبية، ومن هنا يتساوون بأهل مكة.
3.                   دعا رسول الله صلوات الله عليه وسلامه إلى التوحيد بشموله. أي إلى لاإله إلا الله مع ماتقتضيه من حقوق. وهذا التوحيد عنده يشمل :
·     توحيد الربوبية وهو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير وخلق الموت والحياة.
·     توحيد الألوهية وهو إفراد الله تعالى بعبادات الدعاء وتقديم الذبيحة والحب والرجاء وعقد النذر واليمين ثم أداء الصلوات والزكاة وتنفيذ الأحكام الشرعية.
·     توحيد الأسماء والصفات وخاصة التفسير بالظاهر السطحي أو الوقوف على وصف الذات الإلهية بما ورد على ظاهره، دون تشبيه أو تمثيل، فينسب لله القدمان والساق والأيدي والقبضة والأصابع والوجه وزوج من الأعين والحقو وحركة النزول والصعود وهيئة الاستواء. وينسب لله الوجود في مكان يسمونه مكانا عدميا ومعناه أن تعالى يشغل بقية الفراغ المطلق خارج الكون بسماواته وأرضه وكرسي الله الواسع حوله والماء الذي يكمن تحت العرش والعرش بحجمه العظيم وقوائمه الأربع ذات الأبعاد الفلكية.
4.                   نحن الوهابية ندعو الناس لنفس التوحيد بفروعه الثلاثة كما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
5.                   عرض عليه أهل مكة على النبي الإقرار بتوحيد الربوبية فرفض النبي العرض وأصر على التوحيد بكل شموله، خاصة توحيد الألوهية، وأصر أهل مكة على موقفهم .. ومن الأعراب ومن الناس المبتدعين حاليا من يعرض علينا نفس العرض فلنا أن نرفض كما رفض النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
6.                   وينبني على ذلك بداهة أن مجرد وجود كافر في الأرض لايقر بتوحيد الألوهية يعني وجود الفتنة،  وقد أمر الله بإعدام الفتنة، وتحديد قتل الكفرة مرهون بالإمام، فمتى قرر قتل رجال هذه الدولة أو تلك من التي يسكنها كفار أو وثنيون أو ملحدون أو مرتدون  تمت طاعته، ومهما كانت الدولة أو القرية مسالمة مهادنة موادعة، وقد أمر الله الرسول برفع السيف ضد الكافرين، حتى لاتوجد فتنة مطلقا، فلا يوضع السيف حتى يوحدوا توحيد الألوهية وتنعدم الفتنة من الأرض، وتبعا لذلك أمر النبي بقتال الناس المعارضين حتى يقروا بتوحيد الألوهية، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة لتكوين جيش مقاتل وقاتلهم وقتلهم حتى أقروا بما طلب من توحيد.
7.                     والنتائج الحتمية على  مستوى العلاقات الدولية أننا لو ملكنا القوة الكافية فسنقاتل أمما مسالمة وقوية، وهم الآن كثيرون، لايقرون لنا بتوحيد الألوهية،  فهم إذن ممن أمرنا بقتله من الفتنة والطاغوت المعبود. وقد أمرنا الله كما أمر الرسول برفع السيف ضد هؤلاء المشركين، حتى لاتوجد فتنة مطلقا، فلا يوضع السيف حتى يعطي الناس ربهم حقه ويتم القضاء على الطاغوت وتتحقق العبادة، فعلينا الجهاد بقتال الناس المعارضين وقتلهم حتى يقروا بتوحيد الألوهية.

هذا المذهب الوهابي في تصوير السيرة هو بدعة، وهو مالم نسمع عنه في تاريخ الإسلام.

وبالطبع فحامل هذا الفهم لايمكنه الدعوة للإسلام ولا لجماله، فهو عاجز وعجزه طبيعي وواضح وبنيوي، ومن يسلم على يدهم يسلم دون أن يفهم الأبعاد التي يحيون عليها، فهو قد يسلم ببساطة ويشهد الشهادتين لأن الله ليس وثنا، أو لأن الله تعالى أحد ليس له ولد ولا صحة لنظرية الخطيئة.

إنها صياغة تكفيرية للسيرة، ورواية نفعية لسيرة سيد الخلق، وتصور للإسلام والسيرة ليس فيه رائحة لحرية التدين، وفيه الحجر على الفكر والضمير، ومن يتبعه جدير بألا يوقع على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث أن الناس عنده ليس لهم خيار إلا أن يعبدوا الله، ومن لايعبده يقتل. 

شهادتك يا أيها المسلم بالتوحيد لاتنقذ من جز الرقبة، بل لابد عند الوهابية من الفهم والعمل بها بطريقتهم، والفهم والعمل أيضا لايكفيان، بل لابد من أن تكفر بكل ماعبد من دون الله، والكارثة قادمة في قولهم: فإن شك أو تردد حل دمه وماله وعرضه. 
نعلم أن تهمة الشك والتردد يمكن إلصاقها بكل سهولة وسرعة، ويمكن التعلل بالشك لقتلك فورا فليس عندنا وقت ونحن مستعجلون، الجماعة مستعجلة والشغل كثير: وكانت النتائج في الجزيرة كارثية مأساوية مروعة، ياللتحريفات الكامنة في هذه الكتب، وفي صياغتها الموحية بكل ماهو تكبر وغطرسة، واعتبار النفس مرجعا، ونصب المحاكمة للخلق وناصبها أول المستحقين للمحاكمة.

ياللرواية الباطلة للسيرة التي يسمونها التوحيد. وياللعجز الكامل عن محاجة العالم المتحضر، وهكذا كما يرى القاريء فحملة هذا التصور مكبلون به وعاجزون عن التقدم خطوة.

لقد تم الاستيلاء على أراض بناء على هذا النهج والسلوك، وكسب أهله من الدنيا عرضا كثيرا، وهم حريصون على مال كالجبال كسبوه بناء على هذه التوليفة من الروايات المحرفة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الإسلام دفع ثمنا غاليا من صورته الراقية التي صوره بها الله، وفقد أراضيَ واسعة في فسحة الدعوة، وتم تلطيخ وجه السيرة العطرة وقبلة الإسلام، وبذلك كورت الشمس وانكدرت النجوم.

تم تسليح القساوسة المنصرين بهذه المعلومات عن ثقافتنا ضمن باقة مشئومة من مختارات منتقاة، كرواية انتظارنا لنزول عيسى بن مريم ومعه مهدي يخيران النصارى واليهود بين الإسلام أو الذبح، ويضعان الجزية عنهم فلا يقبلان تركهم يعيشون مع دفع الجزية، ومثل حكايات قبول آيات  القرآن للنسخ، وعوالم الجن والعفاريت التي تركب الخلق، وسماح المفسرين بنسبة الخطايا للأنبياء، وتفاسير حرفية للنبوءات، وجبرية قدرية عشوائية في تصور العلاقة بين الله ومصير الإنسان، وأعدت دراسات لفتنة المسلمين عن دينهم، وتجاهل القساوسة ماتزخر به ثقافتهم من التفسير الحرفي والاعتقاد بالخرافة، والسماح بقتل الكافرين بالتثليث وحرمانهم من الحياة باسم الله. 

 وعندما جاء العالم الغربي يحاربنا في الحروب الصليبية كان القسس يجوبون أوربا ليحضوا على قتل المسلمين باسم الدين، ويوحون إلى ملوكهم وجندهم أن المسلمين إرهابيون ضد المسيح، وينشرون الدين الإسلامي بالسيف، بينما المسيح إله السلام..
 ولكن بعد خروج الإسبان  للبحار وفتحهم الطرق لبقية أوربا ونمو نشاط التبشير الأوروبي بعدهم جاء القسس يوحون إلينا نحن أننا قوم إرهابيون، وننشر ديننا بالسيف  ولم يعودوا يهتمون أن يعتنق جنودهم هذا، وتحول اهتمامهم إلينا نحن كي نصدق هذه الفكرة..
  وكان الحكم الإنجليزي للهند قد أقر حرية التدين واستحسن الناس هذه الحرية، وتم نشر ثقافة حقوق الإنسان تدريجيا بين المسلمين، وهذه المنشورات ستساعد بعد ذلك على طرد المستعمرين. وتم تعميم صورة الإسلام كدين قهار عنيف،  ينقض على أرض الروح ودول الضمير، فيحتلها بالإكراه ويسفك الدم عندما يواجه الاعتراض العلني، ولايترك للإنسان مفرا غير أرض النفاق، وعمل القساوسة بنشر هذه الاتهامات على صرف المسلمين عن دينهم، على أساس أنه دين يؤيد القتل لمن يخالفه فكريا باسم الله، ويتناقض مع ماقررت الفطرة من تفضيل حرية الضمير والعقيدة.

 القساوسة المنصرون في هذا الوقت كانوا قد فشلوا وانفضحوا في الغرب، وفقد البابا سلطته على الملوك والجيوش، والمسيحية صارت منزوية في الكنيسة، وكان الكتاب المقدس يتعرض لأكبر حملة فحص ونقد في التاريخ، وكتبت آلاف الكتب في مشاكل الوثوقية في العهد القديم والجديد، وتناقص المؤمنون بالتثليث رويدا رويدا.

وكانت جيوشهم قد تحولت في أهدافها من القتل باسم الدين إلى القتل باسم النقود وعرض الدنيا والترف وحيازات المساحات الجغرافية.. وكانت الشركات التجارية والبنوك تمول الجيوش، وتركز أساسا لأخذ المال واحتلال الأرض.  ولكن القسس كانوا مصرّين على العداء للرسول الكريم، واحتلال أرضه الروحية في الضمائر، وكان يسرهم ترك المسلم لدينه حتى ولو للوثنية، وعندهم أن أي شيء غيره في الأديان فهو خير منه، فكن أيها المسلم شيئا غير الإسلام فهو أحسن.

في نفس هذا الوقت كان المذهب الوهابي ينشأ ويتفاقم ثم يزحف منتشرا في الهند، ينشر وجهة نظره عن التوحيد بينهم، والهنود لايعلمون العربية، فليس لديهم طاقة بالمناقشة والمعارضة والرد إزاء كتب عربية جاءتهم من بلاد ينظرون إليها بعين تقديس لانهائي، وكانت كتبهم قد فرت لمناطق عدة في العالم بعدما قام محمد علي والي مصر بالهجوم على قواتهم في الجزيرة العربية وتعرضوا لمأساة أليمة بالغة الوجع.

كان من السهل على القسس الادعاء على الإسلام بكونه دين السيف والعنف، فمن أراد من قراء الهند الرجوع لكتب الوهابية مثل مختصر سيرة الرسول سيجد فيها مصداق دعوى القسس. 
والمشايخ لم يكونوا قادرين على الدفاع ضدّ هذا الهجوم، فاحتاج الأمر لوجود أمير السلام .. 

وفعل الله مايلزم وبعث أمير السلام المشهور المبشر به والمشهود له وهو عيسى ابن مريم: وهو الذي سينزل فينا إماما منا،  وأبى الله لهذا المبعوث السلامي المسلم إلا أن يحمل ذات الاسم وذات الصفات العيسوية، وقدر الله تعالى أن تكون كل سياقات بعثته مطابقة لبعثة المسيح عليه السلام،  وأن يكون هو من عبر عنه السيد المسيح عندما ـخبر عن عودته لعموم الناس، تماما كما أخبر الله عن عودة إيليّا عيه السلام للأمة الموسوية المحدودة.

وإن الفيلم المعروض عن الإسلام وهابيا لايقل عن أحد أفلام هوليود المشوهة للإسلام. والمشايخ عاجزون عن تقديم حقيقة التوحيد للعالم وعاجزون عن الدفاع عنه.
عليهم أن يتوبوا بدلا من أن يستطيلوا على الناس أنهم دعاة توحيد، فقد انكشف كل شيء وبان، وتبين أنهم لادعاة توحيد ولا دعاة إسلام، بل دعاة لمن يحزنون.

 بلا توبة وتصليح فلا يمكن للمشايخ أن يدافعوا؟ لأنهم قدموا فيلما تتفجر منه القسوة والموت الروحي، ويثير النفور والعداء ويقدمون رواية للأحداث تدعم زعم القسس الذين يكرهون الإسلام ويعملون على إزاحة أهله عنه، ولو بتشجيعهم على الإلحاد.
 فالسيرة هي سيرة رجل الله، تتبدى فيها صفات الله وجماله وجلاله، وتتألق بعلامات الصفات الرحمانية.  إن السيرة رواية عن مرآة رحمة الله الغامرة العامة والمنطقية، ولها هدف سام أسمى من كل ماتوصل إليه العصر بدماء الحروب المتوالية والثورات المكلفة. السيرة لوحة جمال ولها نظام ذو إحكام،  وهدفها إكرام الإنسان، ولها حبكة وقمة أحداث ونهاية.

 الرواية والقصص الحق أن نبي لله صلى الله عليه وسلم دعا إلى محبة الله حتى الجنون حبا، وأذاع بيانات نعم الله التي تفوق نعم الآباء والأمهات والدول الرحيمة والأصدقاء العطوفين علينا، وأدار الأعناق إلى انه هو وحده وحده الذي وضع الرحمة في الأرض، وكل رحمة فمنه، وكل عطف في صدر الأم فمنه وحده وحده. وهذه هي دعوته لاعتناق التوحيد، توحيد حب يفرد الله بانشغال البال، ولاحب إلا بحرية مطلقة.. دعا بحرية ومارس الحرية ورفض السجود للأصنام.

 قبل البعثة لم يسجد لصنم، وقام بتحرير رقيقه هو، وترك الكفار له هذا الحق، لكنه لما أرسله الله بنقد الأصنام والدعوة إلى توحيد الله تعالى والإسلام له وفك الرقاب والعطف المطلق على المسكين عاداه الشعب وقادته، وأشعلوا نار الاضطهاد وهو نوع صار واضحا من انتهاك حقوق الإنسان، مثل كل الرسل الذين دعوا للتوحيد والعدل والرحمة.

 ومثل كل الرسل: لما رفضهم الناس قام الله بالدفاع عن رسله.
  ولما انتووا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت هجرته فرارا وإسراء للنجاة. وكانت واضحة الهدف في سياق البحث عن مأوى، تبعا لأن أرض الله واسعة للعبادة، واستعمل أحد حقوق الإنسان وهو حق للجوء بحثا عن حق الحياة مع حرية المعتقد له ولصحبه..

وبدأه القوم حربا بتحريض القبائل المحيطة للحرب، ومراسلة أطراف في المدينة منها المنافقة والصديقة لهم   لتسليم النبي صلى الله عليه وسلم للمكيين، ورفض الإيواء، وتهديدهم بقتل الرجال وغصب النساء في حال الرفض.

وأخيرا جردوا جيوشهم للحرب وهاجموه، ولما هاجمه قومه من أهل مكة ومن حالفهم فقد هاجموه ليسلبوه حق الاعتقاد مرتبطا مع حق الحياة، وأذن الله تعالى له بالدفاع، وكان الإذن تطبيقا لحق من حقوق الإنسان، وهو حق الدفاع الشرعي عن النفس، أي دفاع يلتزم بتطبيق القانون وبحفظ إنسانية الناس.

الإذن كان يقتضي وجود قوة لازمة كافية، وهي قوة لم تكن موجودة، وبالمقياس المادي وقوانين الحرب كانت الهزيمة محققة. ولكن الله كان يريد أن يثبت وجوده، وأن يظهر صفاته العليا على الملأ جهرا، فحارب الله تعالى بنفسه، وأذهل الله العالم بطرد العدو في بدر والخندق، وبالنجاة العجيبة لنبيه يوم أحد، وهي نجاة تطابق تماما نجاة عيسى عليه السلام، حيث قيل مات ولكنه لم يمت، وقام من بين الأموات وعولجت جروحه وتماثلت للشفاء، وذهب بعدها ليتم مهمته ولينجح، وخرج من الحفرة التي وقع فيها مغمى عليه، وخرج غالبا ولكي يغلب. 

 
كان الله هو الذي دافع عنه في الحقيقة، لأن ميزان القوى بالمقياس المادي كان مائلا لصالح القتلة والمهاجمين. وظلت هذه المعادلة هي الرواية الصحيحة حتى استقر الأمن للإسلام، وتمكن كل شخص من البقاء حيّا مسلما يمارس النمو في حياته.
 لم تتغير الرواية مع استمرار الحرب مع الروم ثم الفرس .. وبعد حرب الردة ظل المسلمون متشبثين بالله وقرآنه ورسوله ضد قوى عالمية تريد لهم العودة عن دينهم ليعودوا لما كانوا في ضلال مبين.

لم ينتشر الدين بالسيف بل بحث المؤمنون عن الحياة،  ويغفل السلفية هذه الرواية عمدا ويتناءون عن توضيح ميكانيكا الحرية والاضطهاد والهجرة والدفاع، لينشروا ميكانيكا الإذلال والاستحلال وضرب الناس بالعصي ليذهبوا للصلاة وفكرهم في العصا لافي عظمة الله ذي الجلال..  تجاهلوا السيرة الحقة ليكتبوا تفسيرا مزيفا للسيرة، ولينشروا عملتهم المنفرة وليضعوا روايتهم المغرضة في الأرض، وليتمتعوا بمنصب الحكم الذي يقرر في الناس ويستحل لنفسه دمهم ومالهم وديارهم، والتمتع بنسائهم.


يتركون قمة جمال السيرة، وينقضون على آيات في القرآن فيها يقر الكافرون أن خالق هذا الكون هو الله وهو مالكه وهو يجير، فيصطنعون فكرة باطلة من هذا الإقرار الإحْراجيّ الشكلي الجدلي القشري المفتعل، ويصفون أهل مكة بنوع من توحيد لم يقدموه ولم يكن ولم يحدث أبدا، وكان الله الذي يقرون بربوبيته غير الله الذي نعلم، إذ كان يقبل الشفاعة الظالمة  ولا يبعث الموتى ولا يعلم السر وأخفى وليس بالرحمن..  فراح السلفية يستعملون الآي في غير موضعه ويصطنعون من الإقرار توحيدا، ثم يحتقرون هذا التوحيد ويصفونه بأنه توحيد المشركين،  ويقولون أن كلمة الشهادة لاتعني عصمة عندنا، ومعاني الشهادة في عقيدة المصريين العامة مثلا هي كتوحيد عباد الأصنام، ويسمونه توحيد الربوبية، ويزعمون بعد ذلك أنه توحيد عرضوه على الرسول صلى الله عليه وسلم ليكتفي به فهو آخر ما عندهم، ثم يمضي الفيلم إلى مشهد رفض النبي للعرض وإصراره منه على المطالبة بالإقرار بتوحيد الألوهية (المكون من صلاة وزكاة ودعاء لله وحده وذبح له وحده تعالى وحب وخشية وإخلاص له وحده) ثم حكم وحاكميته قانونية في المجتمع لله وحده. والمشهد التالي هو رفضهم الإقرار لهذا التوحيد مصرين على الدعاء والاستشفاع بالآلهة أو تعظيم الصالحين (حسب شرح المشايخ)، وهكذا وقع الفراق ووصلت الأحداث للذروة بقرار النبي صلى الله عليه وسلم رفضه لهذا التوحيد المعروض عليه (أو لهذا الإسلام المحدود) وقرر الذهاب للمدينة ليعد لقتلهم،  وقد كان، فظل محاربا وهو قليل العدد حتى هزمهم وفتح مكة واستقرت السلطة له حتى قدر عليهم. وفي هذا الظرف فكل من بقي من العرب لم يسلم ولم يصلِّ قتل.


 وتستخدم في هذا الصدد آيات من سورة التوبة. فهي في نظرهم تأمر عند التمكن بإمهال الكافرين حتى نهاية الأشهر الحرم وبعدها فليس لمن نلقاه كافرا إلا الموت. والآن فمن يشهد الشهدتين نعرض عليه (نحن الفاهمين) فهمنا لكلمة لا إله إلا الله (التي لا يفهمها هو، بل ارتد لما عرضه أهل مكة  من توحيد الربوبية على الرسول الكريم، فرفضه النبي.  ومن ثم يعتبر عامة المسلمين من المرتدين عن لاإله إلا الله، ويليق بنا رفض شهادة عامة المسلمين الحالية). إذ لما كان الناس هم من صاروا يدعون الحسين والسيدة ويعظمون الصالحين كما كان يحدث من المشركين، ولما كان الوهابية هم من اكتشف الحبكة ووصل للرواية وحققها، فقد صاروا مالكي الحقيقة ومن عداهم في ضلال كأهل مكة لا يفقهون، وصاروا هم أولى الناس بخطة النبوة. فمن حقهم أيضا أن يقولوا للمشركين من حاملي الشرع: تعالوا ووحدوا توحيد الألوهية فنحن نرفض عرضكم بتوحيد الربوبية هذا الذي أنتم فيه،  ونصر على إقراركم لنا بتوحيد الألوهية، دون تردد أو شك، ولتأتوا إلينا في الانتخابات راضين لنحكمكم،  وإن رفضتم أنتم هذا التوحيد فليس لنا إلا قتلكم (سرا وجهرا وعذرا وإرهابا وتحالفا) وسنستحل حرماتكم في هذا الجهاد.

 وهكذا لتبرير القتل الظالم والقتال الدنيوي تم العبث بالتوحيد نفسه مع الإصرار على تغطية كل هذا بثوب توحيد. لقد صوروا رسول الله في قصة مسلسلة يرفضها الله ورسوله والملائكة والمؤمنون أجمعون، ووضعوا أنفسهم وقومهم مكان الرسول صلى الله عليه وسلم كما تصوروه في الدعوة والقتل،  واستحكمت الحلقات في تصورهم أنه قد عرض،  والقوم قد رفض، وبالتالي فرضوا على أنفسهم نفس الموقف، وقرروا فتح باب العداء مغترين بكثرتهم الآن في مصر وفي ودول عدة.

 مع أن هذه الكثرة لم تحدث إلا من خلال التسلل بكلام وبمنطق، وتحايل بتسجيل الجمعيات الخيرية،  تعهدت بالالتزام بالمواطنة، وقامت بتفهيم الناس بعض ما هو شرك أو توحيد على مكث، فقبل الناس وانتشرت مساجدهم، ثم لم يشكروا ولم يردوا الجميل، بل عضوا الأيادي المحسنة.

إن قصة انتشارهم هنا تهزم تصورهم وروايتهم، لأنهم في مصر مثلا تحولوا من أفراد إلى ملايين بالدعوة والكلام والخطب والكتب والشرح،  مهما كان محتوى الكتب والخطب، ثم كشروا عن الأنياب عندما كثروا بفضل الله في وجود الدولة المستقرة، وجاءوا الآن ليعلنوا علينا حربا وليحرقونا حرقا، وليعتبروا أنفسهم شيئا يعرض دينا ويتلقى رفضا، ثم يقرر إمام منهم حربا وإن فشل فيها قلبها إرهابا، والإرهاب مفتوح الزمان.

لقد علم الله هذا الكلام وبعث ابن مريم منقذا للتوحيد، وهذا هو القصص الحق. وحقيقة الأمر الآن أنهم بدأوا ينكشفون ويذهب الناس للحق رويدا، فجنوا ليهدموا علينا حياتنا. جاءوا ليحكموا الناس في فرصة الثورة، متذرعين بكل دعاية وسب ومحطة فضاء وتشويه وتكفير وتخوين لكل من يقف لهم، ومتخذين من المال والرشاوى سبلا للاستمالة كالمبشرين، حتى يملكوا السلطة ليقضوا بها على هذا المبعوث السماوي، الذي يشرح كل شيء، ويجبرهم أن يعيدوا التعلم من جديد،  ثم يضعون دستورا للاستخلاف ليس فيه رائحة من خلافة النبوة، دستور لم يستخر الله فيه ولم يستهد إليه، ولم يتطهر من أجل توفيق الله أن ينزل عليه ومن أجل محبة الله أن تلقى ليذهب الناس إليه.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق