بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد
المنطقة الحرام والزمن الحرام
الحرم حول البيت
لم يترك الله وسيلة للتوضيح والتفهيم إلا وزودنا بها، فبالإضافة لتحريم البيت كرمز لحرمتنا نحن، حرم الله حول البيت ساحة واسعة ترمز لنفس الرمز، وبهذا زاد الله البشر تفهيما،
فبما أنه توجد دائما خلافات بين بنى آدم قد تؤدى إلى تقاتل، والقتال يتسبب في مظالم،
فجعل الله محيط البيت منطقة حيوية محايدة، وحرما آمنا للاجيء.. (وإذ جعلنا البيت مثابة
للناس وأمنا) أى أن الله تعالى أمّن من دخل البيت ومن دخل المنطقة المحيطة به.
فليس الأمان مقتصراً على داخل البيت وفقط، وإنما
الأمان والسلام على ما حوله تبعا، ومن سكن فى جواره أيضاً فهو آمن، فلايقتصر
الأمان على بنى آدم فقط، وإنما الأمن للحيوان وللنبات معه: فلا يقتل صيد الحرم ولا
يقطع شجره، لأن الأمان قد عم الكائن الحي.. وهذا من فيض الرحمانية الذى هو فيض عام
مختص بكل ما فيه حياة .. إن الذى أدى إلى هذا الأمان إنما هو توابع قانون كرم
الضيافة. وهنا ارتبط علم الشرع الفقهي بعلم
الأحياء ( علم يتعلق بالكائن الحى والخلية الحية)، فجعل الله الأمان لأى خلية حية
فى حرمه الآمن حول بيته المحرم. وهذا الجمال في حقيقته هو تكريم لله ولاسمه
الرحمان.
الشهر الحرام
ثم أكمل الله الجميل جميله،
فشمل الجميل الزمان كما شمل المكان. لقد خص الله بيته وزوار هذا البيت بتكملة بها استدارت حلقة النعمة، وهي تعيين زمن
حرام، حتى يتلاقى الزمان والمكان ويتعاونان فى صيانة الحرمة البشرية، وليكون البيت
الحرام حراما من جميع الزواي.
إن الزائر لبيت الله الحرام
يأتي من بلده ومن مكان بعيد، ويعاني السفر
ليلبى نداء أبي الأنبياء الذى هو فى الأصل نداء آدم عليه السلام، ولأن دين سيدنا
إبراهيم ما كان إلا إحياءا لدين آدم فى الأصل، ولذا فإن الزائر لهذا البيت إنما هو يصل رحمه
الأولى، أى يلبى نداء الله وأذن إبراهيم الذى عبر من خلال العصور إلى أمم جميع الأنبياء، ويتمتع بزيارة بيت
الله أو كرم الله، أو يستجيب لدعوة الضيافة التى يحملها له كلام الله
الكريم، فإذا وجب على الإنسان منا صلة أهله الأقربين لوجب عليه ولو لمرة زيارة
البيت الأول: بيت الجد الأول الذى كان منه ابتداء البشرية وابتداء علومها..
فنحن بزيارتنا للبيت والحرم أيضا نزور آدم، لأنه غالبا وعلى الأرجح أنه دفن هناك
عليه السلام، لذلك أعلن الله تعالى في مدة السفر سلاما أو هدنة عالمية عابرة
للقارات والجنسيات والأديان والألوان.
البيت الأول هذا هو أول
البيوت كرما ورحمة وأولها أمانا وأكثرها احتفالاً بالضيوف، لأنه هو بيت الله، وقد أضافه
الله تعالى لنفسه لأن كل مايتعلق به هو تشريع التكريم والكرم والمرحمة.. فحرم الله الزمان والمكان من أجل البيت، وقرن
الله كلمة البيت باسمه حتى ينطبع فى الأذهان مادق وعمق من معاني كلمة الرحمان
الكريم، ولأن الانطباعات الأولى هى الأثبت فى الأذهان، فإذا ماعلم الإنسان أن
الكرم كله إنما هو أصله من الله تعالى فار قلبه بالشكران، ويحمده العبد، ويقال: الحمد
لله، والرحمة والمجد كله لله الحميد المجيد.
إن رحمانية الله في تحريم البيت والحرم والشهر الحرام هي رحمانية تشريعية، يمكن للبشر تنفيذها ويمكنهم انتهاكها، ومن احترم الحرمة التي بيناها فله من الله نعيم خاص، لأنه نصر رحمانية الله تعالى وأيدها، ولذلك كان عذاب الله شديدا لمن انتهكوا حرمة مكة ممن كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوا حياة المؤمنين في البلد الحرام جحيما، واضطروهم للهجرة.
إن رحمانية الله في تحريم البيت والحرم والشهر الحرام هي رحمانية تشريعية، يمكن للبشر تنفيذها ويمكنهم انتهاكها، ومن احترم الحرمة التي بيناها فله من الله نعيم خاص، لأنه نصر رحمانية الله تعالى وأيدها، ولذلك كان عذاب الله شديدا لمن انتهكوا حرمة مكة ممن كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلوا حياة المؤمنين في البلد الحرام جحيما، واضطروهم للهجرة.
إن قاصد البيت هو قاصد بيت
الكريم، بيت الله العظيم، فحق له من الله أن يكرمه، ومن ذلك أن يجعله الله يحس
بالتكريم، فأعلن الله لأجل قدومه تحريم الحرب في الأرض تمهيدا لأمن الطرق لعدة
أشهر، بل جعله هو نفسه حرما آمنا حين يرتدي ثوب الإحرام.
إن من معالم التكريم أن
يخصص الله تعالى أشهر الحرم لزيارته تعالى فيها، فجعل الله تعالى ذا القعدة وذا
الحجة والمحرم من الأشهر الحرم، وقيل شوال هو الشهر الرابع لها وقيل أن رابعها هو
شهر رجب منفردا عنها. فجعل الله تعالى هذا الزمن محرما أيضا، لتتوقف الحروب فى كل
بقاع الأرض أيا كان سببها، إلا من اعتدى فيها وانتهكها. وهذا لإتمام الأمان للحاج،
وشرع الله ذلك منذ بداية خلق السماوات والأرض، فهي ظاهرة عامة .. ولذلك قال
الله تعالى (إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات
والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) والحاصل أن الأشهر الحُرم أوجدها الله
تعالى منذ بداية الخلق ووجود آدم عليه السلام، فهذا الأمان فى الأصل إنما هو طبيعة
متأصلة، وقد جعلها الله تعالى فى الكون من بدايته، وكل هذا الكرم الإلهى ليحفز الناس
على زيارة بيته والتمتع بكرمه، ويعلم من يخافه أنه يحب هذا فيفعل الناس للحجاج
مايحبه الله.
زي الإحرام وحرمة الصيد طالما نرتدي الإحرام
وقد جعل الله تعالى الإحرام
مقترنا بزىّ معين، ليدل الشكل العام الخارجى على ما فى داخل الحاج من إحرام، وذلك
حتى تتعامل معه الدنيا على أنه مُحرم، وحتى الحيوانات تنال منع نفعا في أمانها..
فهى آمنة من الصيد على يده، لأنه فى حالة إحرام.. وبارتدائه زى الإحرام يكون قد رفع
راية السلام للحيوانات أيضا، لعلمه بأنه قد حرم الله عليه الصيد، بل وتوعد
بالإنتقام ممن يتجاوز هذا الحد، ففى كتاب الله تعالى قوله (غير محلى الصيد وأنتم
حُرم) ، وفى أخرى يقول سبحانه (وحرم عليكم صيد البَرّ ما دمتم حرما) ، وأيضا يقول
(يأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاءٌ مثل
ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو
عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله
عزيز ذو انتقام) وبذلك ضمن الله تعالى
السلام للوجود الحيوانى أيضا فى داخل القلب البشرى، فى النية، طالما كان يرتدي ملابس
الإحرام.
فمجموع المعانى المرتبطة بالبيت والحرم والأشهر الحرم هي الرحمة وشريعتها خلاف فهم مدعي السلفية الذين استنكفوا عن التوقيع على مواثيق حقوق الإنسان ونسبوا للإسلام عار إنكارها. إن الحرمات المتعلقة بالحج هى
معانى الأمومة والأبوة الحقيقية، التي هي فيض رحماني من معانى الربوبية، ولأن سيدنا محمد هو
آدم الأمة، وأمته هم من بنى آدم فهو آدم أيضا، أى أبو البشر، وكانت مهامه هى مهام
الأب لأبنائه.
الحرم الثاني مستنسخ من الأول
ولذلك لما هاجر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وكان المسلمون يومها هم عُشر سكان المدينة فقط،
فلما عاش النبى صلى الله عليه وسلم مع أهل
يثرب وسمع اليهود القرآن الكريم تغير ما كان فى ذهنهم عن جهل العرب. وفوجئوا
بالقصص القرآني يشابه القصص الذي عندهم، فقالوا آمنا بتأثير الصدمة الأولى. وراوا
رحمته وحكمته ووجدوه أفضل وأقيم منهم فى جميع الأمور، فما لبثوا إلا ووافقوا على
أن يكون لأهل المدينة رئيسا (أى أباً لسكان المدينة) وتمت المعاهدة بينهم أنهم
جميعا على الظالم، واضعين أيديهم فى يد النبى صلى الله عليه وسلم، وهذه المعاهدة
إنما هى معاهدة مع الأبوة، فتعاهد كل من الطرفين على أن يدفع عمن يظلم في المدينة
أى ظلم حتى ولو كان من أخيه، لا فرق فى ذلك فى الدين أو فى العرق أو فى النسب، لأن
الذى جمع بينهما إنما هو الوطن، والوطن هو البيت فى الحقيقة، فكأنهما يعيشان فى
مسكن واحد أو بيت واحد، فلما كتب النبى ذلك الدستور ساد أمان في المجتمع الذى كان
فى المدينة. ثم أراد الله الأكرم فجزى المدينة
خيرا، بأن جعلها حرما آمنا هى الأخرى، مثل حرم مكة، ومع هذا النبى الذى قام بتفعيل
الأبوة الآدمية فى البشر.
صارت المدينة مدينة تقدس حقوق الإنسان بنزول
القرآن ضيفا فيها واكتمال تنزيله هناك، وجعل الله حول بيته الذي بناه هذا النبى
(مسجد المدينة النبوي) حرما آمنا مثل حرم
آدم الأول، وحرم الله مدينة محمد كمدينة إبراهيم، وظلت قبلة المدينة هى مكة على
حالها، لأن المدينة ما جُعلت إلا على غرار مكة وتبتغي معناها.
وكانت مدينة النبي
صلى الله عليه وسلم وما زالت هى أول وأرقى قرية على مستوى العالم، لأنها إنما بنيت
على غرار بيت الله الحرام مكة (لا أقصد المبانى المادية وإنما أقصد ما بناه النبى
محمد فى المدينة من قِيَمٍ وأخلاق وطمأنينة) ، ولذا فنحن جميعا مدعوّون لأن نجعل
قُرَانا حرما كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم بمدينته، فتكون قرانا مكانا للأمن
ومأوى للاجيء، وتكرم الضيف. لأنه قدوة لنا جميعا فى بناء القرى وفي جميع الأمور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق