السبت، 26 أبريل 2014

ناقة الله هي نفس الإنسان وهبها الله له كي توصله إلى ملك الملوك، ولابد من سقياها بمحامد الله تعالى طعاما وحيدا صافيا




 بسم الله الرحمن الرحيم

علّمنا المسيح الموعود عليه السلام أن الله تعالى خلق النفوس لنفسه وعالج بوجهه قلقها، وبين هذا في أول كتابه: نجم الهدى، فلنتأمل هذا العلم.

في الصلاح سر عميق وهو أن العمل الصالح باستعمال أشياء الدنيا يعمل بعون الله على تكوين عين روحية وأذن، وبهما يكون المرء سميعا بصيرا بالعالم الروحي، ويرى ويسمع ويفهم أنه خلق لمحبة الله ولكي يكون الله ماء روحه،  ويكون ذكره روح سعادته.

لقد كتب الله أسماءه الأجمل في سويداء النفس العميقة، وفي طوايا معاني أسمائه يوجد كنزه تعالى، وكنزه مكون من المحامد، وجعل الكنز ينادي، وغرس الله فينا شوقا ملبيا يهوي نحو النداء، وخلال النشأة تتراكم المخلفات على الكهف المؤدي للكنز، ويمكن العثور على الكنز بالتنقيب عنه، تنقيبا يشبه البحث عن البترول بالمعاول المستقيمة وأعمدة الحفر المعتدلة، دون انحراف يمينا أو شمالا. والمعاول المستقيمة هي الصدق والتواضع والعطف.
 
حرص الإنسان على الصدق والعطف والمسالمة وأكل الحلال والعفة يقربه من امتلاك آلات الحفر.
إن الطريق لامتلاك معاول الحفر عن  كنز حمد الله تعالى مكون من أعمال الرحمة والصدق، وهي صفات تتجانس مع طبيعة الحمد الرباني، الذي يتلخص في الرحمن الرحيم، ولذلك توصل سلوكيات الرحمة إليه.

إن التواضع نوع من الصدق وتطبيق له، فالتواضع فرع من شجرة الصدق، والتكبر نوع من الكذب، والكبر يمت للقسوة بصلة القرب. 
خلق الله نفوسنا لنفسه الحميدة المجيدة. فينا انجذاب رهيب نحو حب كبير لاندريه، والرسول الخاتم محمد نبهنا لفك اللغز صلى الله عليه وسلم. وعلمنا أن الله خلق في نفوسنا جوعا وعطشا إليه، وجعل إشباعها من نور وجهه وروعة جماله سبحانه، وجعل ذروة الاكتمال من شهود كماله تعالى، فإلى هذا الإشباع يتجه سعي كل إنسان، علم أو لم يعلم.

   وفي حميا السعي لإطفاء هذا العطش يقف الشيطان يزين للإنسان سهولة الكذب، ليصير الإنسان أعمى، ولايصل لكنزه مطلقا. فيغريه الشيطان بزينة الدنيا يموه بها أنها الإشباع، وتقف الأوثان (بأشكال شتى، لاتعد ولاتحصى) تعزف أغاني اللذة والمتاع. 

وبسبب قاذورات الكبر والكذب والقسوة تعمى النفس، وتعبد الأصنام وهي تتخيلها الشفيع والمرام، وتظن أن معادن الحياة الدنيا هي مواد الحياة العليا، وأن الزينة هي الجنة، وتحسب الدر ضرا والضر درا، وتحتضن العدو وتصدق أيمانه المغلظة. 

ويصنع الإنسان لنفسه بيئة مترفة تشبه الجنة، تشبع فيه شوقه لجنة لقاء الله بشكل مزيف، يعوضه تعويض المدمن.
يصطنع الإنسان جنة دنيئة النوعية يكتسبها بالظلم والاحتيال والتكبر والقسوة الدنيئة، أو بمجاراة الظالمين والمتكبرين والكاذبين أصحاب البيئة.
 
وفي عمى المعاصي يتحول الإيمان والتوحيد إلى قشرة وادعاء، وبطاقة وانتماء، ويكون المعبود في الحقيقة هو الأهواء، والزينة من المال والنساء والبنين والخدم والبطانة. 

وتموج الأرض بجماهير ضالة ذات ضجيج، يتصورون أنهم يوحدون الله ويعبدون، ولكن مايؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، شركا جليا أو خفيا يتسرب كدبيب النمل، وعندها يكون الله في الحقيقة غير الله الذي في قلوبهم وغير ما يظنون.  
إنه ما عبد أحد وثنا ولا أجرم مجرم جرما إلا وهو يبحث عن إشباع نداء عميق يجره نحو السعادة، السعادة التي ماجعلها الله إلا في وجهه سبحانه، وبظلم الإنسان وتكبره يضل الإنسان ويهيم على وجهه.
فانظر كم في الأرض من الهائمين الضالين، المخدوعين المخدرين، المدمنين على سموم حياة حقيرة يقدمها لهم الشياطين. 
 

 داخل مركز النفس يوجد ممكنات هائلة، أوملكات واستعدادات عظمى، من زكاها (أي من وصل إلى اسم ربه في قلبه، ونجح في استخراج الممكنات الكامنة للحب الرباني، والكشف عنها واستثمارها) تحول لكائن رباني ومولود فخم نبيل النوعية، وينقلب حاله ويتحول مخلوقا يفيض بكل خير.
يتحول لكائن ولد من مدرسة الربانية، مولود قد استقبل نور الله، فإذا بالله يجعله يتوهج نورا ودفئا كشمس، ويكون سترا وملاذا لأسرارالخلق يلجأون إليه ويسكنون كأنه الليل، ينطق بكلمات هادية ويسلك سلوكيات مضيئة كأنه سماء، وتنعكس فيه أنوار رسولنا كأنه قمر، ويتواضع لخلق الله تعالى ويفرش لهم ساحته كأرض.
 
لقد سوى الله نفسه فزكاها، وأدرك وحدانية الله وعرف ربه، وعرف نفسه وأن إلى الله مايعتمل فيها من توقها وشوقها، وله حبها، وفي تأمل كماله يكمن بلوغها ذروة سعادتها. 
 
إن النفس التي سواها الله تعالى هي ناقة الله، ناقة الله التي بها يصل الإنسان لوجهته ولمبتغاه، ووجهته ومبتغاه هو الملك الكريم الخصيب الساحة، وهو الله، وذلك هو وجهه ورضاه.

شأننا مع الظروف العالمية كشأن الشاعر العربي مع الليل الذي يموج كالبحر مضطربا ويرخي سدوله حجبا، والنهار طلع بصبح أمثل ولكن الناس لايعلمون، لقد جاء مسيح الله المحمدي يشرح دين محمد عليهما الصلاة والسلام.
وشأن الإنسان مع نفسه كشأن العربي القديم مع ناقته. ذلك الشاعر الذي وجد أن قصد الملك العظيم الجاه ومدحه بروائع الصفات هو أفضل مسعى للثروة والسعادة، بدلا من جمع درهم على درهم طوال الحياة.

ذلك هو الشوق الروحي العظيم الذي عبرت عنه أشعار العرب الأوائل، ولم يكن الشعراء يعلمون أنهم يكتبون عن نفوسهم حين يصفون الناقة، وأنهم يعبرون بلهفة عميقة تائهة عن بحثهم عن ربهم الكريم، وكانوا ضالين لايفهمون أنهم ينشدون في أشواقهم لربهم وهم يمدحون ملوكا لينالوا عطاءهم.. ولو تأملت الملوك الذين مدحوهم لوجدتهم لايستحقون المديح إلا ماندر مماندر، وحرام على الشعراء كيل كل هذا المديح الرائع لقوم كانوا لاروعة فيهم ولاعظمة، لكنهم كانوا يصفون مثالا تلح أشواقهم الدفينة المجهولة عليه.
 
النفس هي ناقة الله التي على الإنسان سقياها بماء السماء. من كلام الله تعالى وحب صفاته وأسمائه، واتباعها بالتقليد والاقتداء ليحدث التذوق والتعمق، ولكي تنبع السعادة من عين الله في مراكز الروح العميقة.
 الناقة استعارة كبرى، وإن معنى الحياة لكامن في استعارات عظمى، وويل لمن أغفلها وأنكر الاستعارة وكنزها. 


خلق الله النفس الإنسانية قلقة باحثة عنه تعالى. ومن علوم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أن الله أعطاه فهما من أبعاد سورة الشمس وعلما لم يعرفه من قبل سوى القمم المخلصين، ولم يكتبوه في كتب، بل نزع هذا العلم بموتهم. فاذهبوا واقرأوا الفصل قبل الأخير من كتاب فلسفة تعاليم الإسلام، في فهم سورة الشمس لعلكم تعقلون.
واقرأوا كتاب منن الرحمن، في روعة العربية وخصوصية هذا اللسان، لقد بعث الله عيسى بن مريم ونزل ضيفا عليكم معشر العرب فلا تهينوه، فإن الله آلى على نفسه أن يهين من أراد إهانته فلاتكذبوا الله ولاتجربوه.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق